23 ديسمبر، 2024 7:44 ص

تنظيم (داعش) بين اسلوب المخاتلة والعمل تحت الشمس

تنظيم (داعش) بين اسلوب المخاتلة والعمل تحت الشمس

لقد توقع الكثير من المتابعين لشأن (داعش ) نهايتها بسرعة أكثر داخل سوريا منها في العراق وذلك لسبب واحد بسيط وهو أنها شذت عن أسلوب العمل الرئيسي للتنظيمات الجهادية وهو أسلوب (المخاتلة) والسرية أو ما يعرف بالجهاد الفردي أو جهاد الزمر المحلية واتبعت أسلوب العمل تحت الشمس في سوريا مما جعلها قيادتا وإفرادا مكشوفين للجميع وهذا خطا فادح لم يتبعه تنظيم القاعدة منذ هزيمة طالبان أمام التحالف بل حتى في أيام تمكين الطلبان في أفغانستان ولو نسبيا .
ان الذي يقرأ أدبيات التنظيم وبالأخص تنظيرات أبو مصعب السوري يجد انه يحذر اشد التحذير من أسلوب الجبهات والمواجهات الثابتة خصوصا إذا كان العدو يستخدم اسلوب الحسم الجوي .
يقدر لي بان اغلب المنتمون الجدد لداعش واللذين اخذوا يقودون في سوريا لم يطبقوا ولو النزر اليسير من توصيات أبو زبيدة صاحب الموسوعة الأمنية  المعروفة الخاصة بالتنظيمات الجهادية وقد يكون من أسباب ذلك الإحساس بالغرور الذي أصاب داعش لأنهم في مرحلة التمكين وبسط النفوذ في الأراضي السورية وعجز سوريا عن استمكانهم بريا كما إن داعش في سوريا لم تجيد فن التفاوض والمهادنة مع بقية الفصائل والرايات فتفاقمت لديها حالة النرجسية وسوء المسايسة حتى أنهم اختلفوا مع التنظيم الأم وأختهم الشقيقة جبهة النصرة.
لقد طبق المقبور أبو مصعب ألزرقاوي الأب الأكبر لهذا التنظيم في العراق ومنذ البداية أسلوب جهاد الزمر أو المفارز السرية في العمل وأحاط عماله بالسرية التامة وتحفظ عن ذكر مناصبهم وطرق اتصالهم ثم زاد على ذلك وريثه الأول أبو عمر البغدادي بعد ان اعتمد على تابعين له كانوا ضباط امن ومخابرات من نظام صدام البائد فأسسوا له منظومة أمنية غاية في المتانة ، فانتعش التنظيم حتى في وجود الأمريكان والتكنولوجيا المتطورة في الاستهداف والمتابعة واستطاع ان يمتص الصدمات والضربات الموجعة ويعبر أصعب المراحل وكل ذلك بسبب أتباع أسلوب المخاتلة ونظام المفارز والمنظومات السرية .
لقد تزامن استلام إبراهيم عواد (أبو بكر البغدادي ) لإمارة داعش مع مرحلة مفاوضات وانسحاب الجيش الأمريكي من المدن وتسليم الملف الأمني للعراقيين لغاية الانسحاب الكلي من العراق واختفت اغلب الأساليب الفنية لمتابعة الأهداف التابعة للتنظيم وبضمنها واهما الطائرات المسيرة والمقاتلات الأمريكية من سماء العراق وكذا وسائل تعقب الهواتف والمكالمات والتعقب بواسطة الأقمار الصناعية ، كل ذلك دفع بالبغدادي لاستغلال المناطق النائية في الصحراء الغربية لتأسيس المعسكرات لتكون مراكز قيادة وسيطرة وليحقق منها العوامل الثلاثة وهي : المأوى ، الإعداد أو التدريب ، الانطلاق  واهم تلك المعسكرات هي : معسكر الشيخين وأبو إبراهيم وسيف البحر وغيرها من المعسكرات. وعلى الرغم من وجود تطور في العمل ألاستخباري للأجهزة الأمنية العراقية الا ان القدرة العراقية على الحسم الجوي لضرب المعسكرات لم تكن متوفرة . وإضافة إلى استفحال ظاهرة المعسكرات وكثرتها خصوصا في صحراء الانبار وصلاح الدين وحمرين وجزيرة الموصل  وتطورها  و الامتداد والتوحد الذي حصل للتنظيم مع سوريا التي فقدت فيها السيطرة الأمنية بشكل شبه تام بالإضافة إلى ذلك استطاع التنظيم أن يستغل الخلل الأمني الذي وفرته ما يسمى بخيم الاعتصام داخل المدن ليجعل منها محطة ومضافة للتفخيخ والإيواء والانطلاق من داخل المدن وهذا ما جعل نسبة العمليات الإرهابية تسجل معدلا عالي جدا وبوتيرة متصاعدة .
 لقد أدركت الحكومة المركزية حجم الخطر المتفاقم ووصلت الى نتجية مفادها انه لا حل سوى الحسم الجوي للمعسكرات  وفض ما يسمى بساحات الاعتصام ، فقامت بخطوة كبيرة حينما استوردت الطائرات الروسية مي 35 أو ما تسمى ب(طائر الليل) واستخدام طائرات الاستطلاع والتصوير التي كانت متوفرة أصلا لدى القوة الجوية العراقية وقامت باستخدامهما فاتت النتائج مبهرة وسريعة واجهاضية للتنظيم الذي أصبح مكشوفا تحت الشمس ، كما وان الحكومة عالجت موضوع الخيم فرفعتها وبذلك أفقدت التنظيم اكبر مضافاته الآمنة داخل المدن والتي لم تكن الحكومة تستطيع مداهمتها لأسباب سياسية .
يمر داعش هذه الأيام باسوء حالاته على الإطلاق لسبب مهم وهو انه فقد أهم عامل قوة لديه وهو الخفاء لان الخفاء وأسلوب المخاتلة هو أعظم أسلحة التنظيم التي استخدمها طول سيرته القتالية والأمنية . في تصوري أن العد التنازلي لداعش قد بدء في سوريا والعراق  لكننا سنشهد ذلك بوتيرة أسرع في سوريا لأنه اختار العمل تحت الشمس منذ البداية هناك ، أما في العراق فأن أسلوب المعسكرات لا عودة له مع استخدام أسلوب الحسم الجوي للحكومة وبذلك فان التنظيم سينكفئ عائدا إلى أسلوب المخاتلة مع ما تبقى لديه من كوادر وبذلك ستكون عملياته اقل نوعية وفتكا وسيعاود العمل الروتيني للمفارز السرية كالعبوات الناسفة والاغتيالات الفردية وقبل هذا سيزج بأخر ما تبقى لديه من انتحاريين عبروا إليه من سوريا وتم إخفائهم في القصبات والمدن لينفذوا عمليات انتحارية كإثبات وجود لحين لملمت الشتات على طريقة العمل بالموجود .
يجب على الحكومة ان تبحث في تطوير أسلوب الحسم الجوي أكثر فأكثر وكذلك تطوير الاستخبارات التكنولوجية وان تضاعف من موضوعة السيطرة على الحدود مع سوريا واعتماد الأساليب الحديثة والمتطورة لكشف التهريب والمتسللين ، كما إنها يجب أن تطور من الاعتماد على تعاون المواطن من خلال الإعلام والمنشورات وتقديم الجوائز والمكافآت المجزية مقابل المعلومة .
ان عامل التأييد الدولي الكبير للعمليات التي تنفذها الأجهزة الأمنية العراقية حاليا في الانبار هو محفز كبير يجب أن تستغله الحكومة العراقية لتطلب من الدول العظمى تطوير أدواتها وخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب وهو اشد ما يجب أن تطمح له الأجهزة الأمنية العراقية وهي تخوض أشرس معاركها مع تنظيم شهد العالم جميعا شراسته وقدرته على خلق الإرهاب وزعزعت الأمن في العالم.