19 ديسمبر، 2024 1:18 ص

من طرائف ما يروى عن جحا الرومي، ويا لكثرتها، انه إبتلى بحمار هرم، طا عن في السن، كسول، فما كان من بعضهم أن يتقدموا اليه بنصيحة، بان يتخلص منه ويبيعه بأي ثمن كان ومهما كان بخساً، وعمل حجا بنصيحتهم، وإذا به في أحد الأيام يسوق حماره الى سوق حماره الى سوق الدواب ليسلمه الى الدلال والذي كعادة الدلالين والسماسرة، راح يثني على الحمار ويضفي عليه من المحاسن بشكل لم يعد ممكناً تمييزه عن اقوى البغال، ولماسمع جحا كل ذلك الأطراء على حماره، فأنه ندم ووسط دهشة الدلال عاد ومعه حماره الى بيته وهو يقول مع نفسه متسائلاً: (اذا كان حماري يحوز على كل هذا المزايا، فلماذا أبيعه).؟!
ذكرني بالحكاية أعلاه، ما قاله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من مديح وثناء بحق الولايات المتحدة مع إعتذاري للأخيرة، وذلك في مقال نشره بصحيفة (واشنطن يوست) الأمريكية اثناء زيارته الاخيرة للعاصمة الامريكية، وقامت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها ليوم 7-12-2011 بنشره باللغة العربية، وفيه استهل المالكي مقاله بالأشادة بما سماها (التضحيات الكبيرة للشعبين العراقي والامريكي لتخليص العراق من نظام صدام حسين) الذي وصفه بـ(السيء الصيت) واقامتهما لـ(مجمتمع ديمقراطي حر) ولما كان الانسحاب الامريكي من العراق يشكل مصدر (قلق بالغ) له، على حد قوله فأنه عد المساعدات الامريكية (ضرورة) لتمكين القوات العراقية من التغلب على حالة عدم الأستقرار. ومثلما أبتدأ مقاله بالأشادة بالولايات المتحدة، فانه اختتمه بالأشادة نفسها حين علق الامال على المساعدة الامريكية لأجل بناء جيش عراقي قادر ومقتدر على حماية (سيادة ومصالح العراق)!
اذا كان الاحتلال الامريكي للعراق قد حوى ويحوي على كل هذه المزايا والمحاسن التي اوردها المالكي في مقاله و اخرى وردت على لسانه في اكثرمن محفل، عليه والحالة هذه، الستم معي اذا قلت، ان انسحاب الجيش الامريكي من العراق، يعد خسارة للعراق والعراقيين لا تعوض؟ أولم يكن المالكي على خطأ في تصرعه ركوب موجه المطالبة برحيل الجيش الأمريكي من العراق، في وقعت حقق الاحتلال الأمريكي حلم العراقيين في إسقاط دكتاتورية صدام حسين وأقامة نظام ديمقراطي حر على الأرض العراقية، حسب تعبير المالكي؟.
في الحرب العالمية الثانية، قصفت الولايات المتحدة مدينة هيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية، ثم احتلت اليابان وامتد احتلالها لها الى يومنا هذا، وليس في الافق ما يوحي بقرب انهاء هذا الاحتلال ولا المطالبة به من جانب اليابانيين، ومع ذلك فأن الحكومات اليابانية المتعاقبة لم تطالب بأنهاء الاحتلال الأمريكي لبلادها، في حين احتلت الولايات المتحدة العراق بموافقة وطلب من المعارضة العراقية على اختلافها، بما فيها كتلة المالكي نفسه، ولولا الأمريكان لما كان بوسع العراقيين إزاحة نظام صدام حسين ومحوه.
ان الضغوط العراقية بما فيها ضغوط المالكي وحكومته وكتلة النيابية(دولة القانون) على الولايات المتحدة لحملها على سحب قواتها وعلى امتداد شهور، لاينسجم مع هذا الكم اللافت من المديح والثناء الذي كاله المالكي للولايات المتحدة والذي تجاوز الادب والعرف الدبلوماسيين.
كقاعدة، لايغيب عن البال. ان الشعوب التي كانت تتحرر في الماضي من احتلال الدول الاستعمارية، لا تذكر المحتلين بالخير، ومن باب النكاية بالمحتل والأنتقام منه، كانت تنفع صوب اعدائه، اعداء المحتل، وها هو المالكي يشذ عن القاعدة هذه، فلقد جاهد بطرد المحتل الامريكي وفي الوقت ذاته يشيد به وبتضحياته في مجال تحرير العراق وبناء الديمقراطية فيه وانجاز استقلاله، فالتطلع الى مساعداته لغرض تأسيس عراق قوي مزدهر.. الخ.       
حري بالمالكي امام سيل الاطراء والكلام الحسن الذي وجهه للأمريكان، ان يحذو حذو جحا، فيتراجع عن ضغوطه تلك، ويعيد الامريكان الى العراق، بعد ان مثل دور الدلال الذي جعل اطراؤة لحمار جحا الى ان يعدل الاخير عن بيعه.
[email protected]