الواقع ان الحكومة العراقية قد توسعت في دوائرها وتنوعت منذ بداية تأسيسها حتى الان وقد استطاعت بشيء كثير من الصعوبة ان تستوعب المتخرجين من المدارس , سنة بعد اخرى, ولكن هذا التوسع في الدوائر الحكومية لا يمكن ان يجاري النمو الهائل في اعداد المتخرجين ولابد ان يأتي يوم تتوقف الدوائر عن استيعاب اي موظف جديد الا بنطاق ضيّق جدا , ويخيل لي ان هذا اليوم قريب او هو على وشك ان يحل ,
هذا الكلام قيل قبل 45 عاما تقريبا! , قال ذلك عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي في ملاحق الجزء الاول من كتابه الموسوم (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق المعاصر) تحت عنوان (تناشز المدارس والوظائف) وهي قراءة موفقة جدا لهذا الرجل الذي لا يمر يوم الا ونتذكر كل كلمة من كلماته , خيال الوردي كان بمحله وتحسب له بعد ان اصبحنا اليوم نعيش بظهرانيها ,
الوظيفة الحكومية التي تغيرت كثيرا عما كانت عليه سابقا, بعد عام 2003 شهدت اقبالا واسعا اثر تغيير جوانبها الاقتصادية والاجتماعية بعد اعادة اطر قانون رواتب موظفي الدولة خصوصا بعد صدور اخر قانون رقم 22 لسنة 2008 , الوظيفة الحكومية سلخت جلدها القديم فاصبح الموظف الحكومي محسودا بعد ان كان تحل عليه الصدقة كما كان يقال آنذاك ,
ان العلاقة العكسية بين كم المتعلمين في البلاد والوظائف لا يسيران بشكل ايدلوجي منظم انما مُطلق لهما العنان كيف يشاءا, وهذا واقع غير سليم على الاطلاق, تتمثل هذه العلاقة بازدياد اعداد الخريجين يشكل سنوي قياسا بعدد الدرجات الوظيفية التي تخصص في الموازنة السنوية بشكل دوري, كما ان توسع الجهاز الحكومي لا يتناسب واعداد الخريجين من القدامى والجدد خصوصا وانها تزداد سنة بعد اخرى بازدياد اعداد المدارس المعاهد والجامعات سواءا الحكومية او الأهلية,
بمرور الوقت ستزداد هذه الفجوة وتتسع عاما بعد اخر , مما تستلزم حلا انيا لهذه الظاهرة التي بدأت تشكل مشكلة تحتاج لوقفة ودراسة وتخطيط منظم ,
ليست هناك احصائية دقيقة يمكننا الركون اليها لأعداد الخريجين العاطلين في عموم البلاد خصوصا وان احصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تشمل اعداد العاطلين بشكل اجمالي مع تزايدها بشكل سنوي, وهذا امر غير صحيح على الاطلاق,
ان الحكومة العراقية بحاجة الى وقفة واعادة نظر, لوضع حلول لهذه الظاهرة الخطيرة التي تتفاقم يوما بعد اخر في ضل سبات القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة والتي يمكن لها تريح من هذا الحمل الذي سيقصم ظهر الحكومة في ضل اصوات تنادي بالترهل والترشيق,
الواقع ان الحكومة لا يمكنها ان تعيين كل شخص يحمل مؤهلا اكاديميا لإشغال الوظائف الحكومية ولكن بالإمكان تشجيع المرافق العامة التي تعاني ركودا كوزارة الصناعة مثلا او الزراعه وكذلك تجيع ودعم القطاع الخاص لاستقطاب العاطلين عن العمل بعد ايجاد خطط تنسيقيه بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية, كما يفترض تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي واعداد احصائية بالخريجين الغير معينين ومقدار الانتاج السنوي للتعليم العالي وهيئة التعليم التقني,
ان هذه الخطوات ستجعلنا اكثر قربا وواقعية من مشكلة مهمه دون ان نتركها تخضع لقوانين اخرى قد تجرنا لموضوعات لا يستحمد عقباها , فتشخيص المرض يشق طريق علاجه.