17 نوفمبر، 2024 11:45 م
Search
Close this search box.

تنازل المالكي … موافقة على الانقلاب الديمقراطي … ويؤكد ان عراق الغد “مجهول منظور “!!

تنازل المالكي … موافقة على الانقلاب الديمقراطي … ويؤكد ان عراق الغد “مجهول منظور “!!

أخيرا وليس اخرا ، تنازل  السيد نوري المالكي لزميله في قيادة حزب الدعوة الإسلامية الدكتور حيدر العبادي مكلفا لرئاسة الحكومة المقبلة ، ولست بصدد  مناقشة حيثيات خطاب التنازل  لكن السؤال الأبرز  يتجسد في كواليس هذا الخطاب  وما فيه  من نبرة الحسرة على مجد قد ضاع ، وفي تفاصيل الامر ، ربما هي المرة الاولى التي يتوجه فيها قيادي عراقي الى رئيس الوزراء  المنتهية ولايته ، ينصحه بها بقبول خيار انتهاء عهده بكل ما له وعليه، ووجه عادل عبد المهدي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، نصيحة لـ “صديقه القديم” نوري المالكي، بأن “عهده انتهى”، معتبرا ان “التشبث بمفهوم الرجل الأقوى أسلوب ضار لتحكم الشخص بالمجموع والدولة”.

ويضيف عبد المهدي، وهو أحد الأسماء التي تداولتها وسائل الاعلام بوصفه مرشحا لرئاسة الحكومة المقبلة، ان “الدولة مصالح ومصدر قوة، وتشير الوقائع الى ان المسؤول يراوغ عادة لاخلاء مكانه للعهد الجديد طوعاً وقناعة”، موضحا أنه “حتى في اعرق الديموقراطيات يعاندون احياناً، ليس بالتهديد والدبابة بالضرورة، بل بالمال والدعاية والمناورات. فما بالك بالدول الحديثة التجربة او الفاقدة الديموقراطية، لذلك تحدد فترات الرئاسات.. وتنص الدساتير التصويت بالثقة، لافهام المسؤول ان سياساته لا تسمح له بالبقاء”.

مشكلة مثل هذه الآراء التي تأتي في اللحظات الاخيرة، انها لا تطابق المثل الانجليزي الدارج ان “تأتي متأخرا خير من ألا تأتي ابدا”، ما دامت مثل هذه الآراء لا تفرض متغيرات كبيرة على واقع العملية السياسية في العراق الجديد، لان ادارة هذه المتغيرات في مدخلاتها المتفاعلة داخليا واقليميا ودوليا، لا تصدر اية مخرجات لا تتطابق مع مصادر مدخلاتها، والسيد عبد المهدي وغيره من قيادات العراق الجديد بمختلف كتلهم البرلمانية يعرفون بان هذه المتغيرات تفرض واقع المحاصصة الطائفية والقومية بكامل معناها الحرفي على تسمية رئيس الوزراء الجديد، واي متغير لا يمكن ان يكون خارج اطار المعادلة المفترضة لتسمية السيد نوري المالكي رئيسا للوزراء في الحكومة المقبلة.

وتحفل المناقشات على صفحات التواصل الاجتماعي بالكثير من الحجج عن “دكتاتورية الديموقراطية” حينما توصف بانها للأغلبية السكانية على قاعدة عدد المقاعد البرلمانية، ولكن حينما تصبح هذه الاغلبية في تضاد قومي وطائفي مع بقية مكونات الشعب العراقي حسب توصيف الدستور الرسمي للدولة، فان اليات الديموقراطية تضع هذه الاغلبية امام استحقاقات ما يعرف بالثلث المعطل للدولة، وهو ما منح لثلاث محافظات عراقية، عدت في مرحلة كتابة الدستور بانها ضمانة بقاء الاقليم الكردي ضمن دولة العراق الاتحادية.

وعلى الرغم من التعارض الكبير ما بين افكار حزب الدعوة الاسلامية وتطبيقات رئاسة الوزراء خلال عهدي السيد نوري المالكي، فان لا احد من جميع اطياف العراق باستطاعته ان يؤكد ان المالكي وصل الى الحكم بانقلاب عسكري، او انه جاء على دبابة أمريكية او طائرة فرنسية، لكن الحقيقة المطلقة ان المالكي كما سواه من قيادات العراق الجديد انما وصلوا الى الحكم من خلال الاصوات التي منحت لهم عبر صناديق الاقتراع، وتلك ربما هي الحسنة الابرز في مسيرة عقد كامل مضى لم تبرز فيه غير الاخطاء المتوالدة التي كما ظهرت ازمة ما حتى تكررت الاخطاء في معالجتها، وفقا لأجندات الاحزاب وليس مصلحة البلد.

تحدثت مع احد الاصدقاء عن فكرة خطة استراتيجية لخمسة عقود مقبلة من بناء العراق الجديد، وشارك الحديث عدد من اصدقاء الفيسبوك الموجودين خارج العراق، واتفق الجميع على ان الحلول الترقيعية هي وليس غيرها من يديم الازمات العراقية، والانتقال الديموقراطي بين تكليف الدكتور حيدر العبادي وانتهاء امال المالكي عند تقديم الشكوى امام المحكمة الاتحادية على رفاق دربه من اجل التشبث بكرسي السلطة، لا يعد الا نموذجا هزيلا امام استحقاقات العراق في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها، واكثر من نصف البلد خارج سيطرة الحكومة الاتحادية في بغداد “اقليم كردستان و4 محافظات تحت سيطرة داعش”، فيما “يجاهد” المالكي للاحتفاظ بمنصبة لولاية ثالثة!!.

المشكلة الاكبر تبرز في نوع الولاء الشخصي الذي تجاوز مأسسة الدولة، والاهم منه في نوع هذا الولاء لشخص المالكي من القيادات العسكرية التي ما كان لهم الوصول الى هذه المناصب من دون نوع العلاقة التي تربطهم به شخصيا او بالحلقة الضيقة التي تحيط به، والحلول المتوقعة بان يحدث ذات نموذج اجتثاث قيادات النظام السابق، بقوائم طويلة لتغيير القيادات الامنية والادارية العليا في الدولة، بـ”تهمة” الولاء للمالكي.

ومثل هذه الحلول تبدو واقعية في عقلية “الاجتثاث” التي قامت عليها الدولة العراقية الجديدة، لكن باتجاهات مختلفة، تمثل هذه المرحلة تصفية الحسابات بين حلفاء الامس بعد ان تبادلوا الاتهامات بالانقلاب الديموقراطي على مفاهيم غامضة من تفسيرات المحكمة الاتحادية لدستورية الكتلة البرلمانية الاكبر، فانتهى الامر بان ينقلب السحر على الساحر ويخرج من معطف التوافقات الجديدة تسمية الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الوزراء، ليبقى المالكي وربعه يهددون بان “دمها سيكون للركاب” حتى خطاب التنحي  الذي القاه المالكي  وسط قيادات حزب الدعوة وبعض رموز ائتلاف دولة القانون  بغياب  واضح للدكتور إبراهيم الجعفري ، جعل  من الممكن القول  ان هذا الخطاب  لم يكتب على عجل بل  كان من النهايات  المفتوحة التي رغم محاولة المالكي  التشبث بالسلطة عبر الطرائق القانونية  انتهى في محصلة معادلة  مدخلات التوافق السياسي  لاخراج قرارات  دستورية ، تمنح دولة القانون سلطة مباركة ترشيح العبادي لرئاسة الوزراء  والحاق ما يمكن اللحاق به من الخسائر التي  حدثت خلال  الأيام القليلة الماضية ولعل التأييد الدولي  والإقليمي  والوطني لترشيحه  ابرز معالمها .

كل ذلك يؤكد صحة القول بان السياسة العراقية ليس فيها الكثير من المجهول، لكن فيها الكثير من المفضوح في تعامل مختلف الاطراف مع هذه المتغيرات بالشكل الذي يجعل المراقب السياسي في حيرة من امره في تحليل اي من المعطيات سواء تلك التي ترفض بقاء المالكي في منصبه او تلك التي تدعو الى بقاءه، وكليهما مرتبط بأجندات اقليمية ودولية متضاربة، ما بين مواقف ايران في ملفها النووي، والموقف الأمريكي الذي يوظف مخاوف دول الخليج العربي من تمدد دولة داعش على حدودها، وذات الشيء في التعامل التركي المزدوج من الملفات العراقية والسورية وبقية ملفات الربيع العربي.

كل ما تقدم يجعل من الممكن القول ان عراق الغد على مفارق طرق، ما بين انموذج المحاصصة الشاملة في تواصل تشكيل حكومات وحدة وطنية تلغي المعارضة البرلمانية، وبين انموذج حكومة الاغلبية السياسية التي يمكن ان تأتي بالجديد من خلال ظهور معارضة برلمانية، لكن الوضع الامني وتشتت الجهد السياسي وسط امراء الحرب من قادة المليشيات والجماعات المسلحة، يجعلان ظهور حكومة اغلبية سياسية على محك الصراع المسلح بما يمكن ان يفتح ابواب جهنم فعلا وليس قولا كما سبق وإن اشار اليها السيد المالكي، لذلك لم يتحقق حسم  قرار الرجل بمغادرته منصبه الا من خلال مدخلات اقليمية ودولية جديدة، منحت عراق الغد اصولاً دستورية غير تلك التي وضعت في دستوره الدائم، من الطراز الجامد الذي يحتاج الى موافقة ثلثي الاعضاء من اجل تعديل نصوصه اضافة الى اجراء الاستفتاء عليها، وحتى ظهور مثل هذا الاتفاق السياسي، تبقى الامور على نصابها في المحاصصة الشاملة التي تقبل دائما بأفعال  قادة العراق الجديد وترفض بأقوالهم!!

[email protected]

أحدث المقالات