18 ديسمبر، 2024 7:18 م

تموز الثورة التي لم تكمل مشوارها

تموز الثورة التي لم تكمل مشوارها

لم يكن للجسد المريض ان يتعافى من اي مرض بسهولة مع وجود خلايا سرطانية خبيثة،
العراق هو العراق عند الثورة، وعند الغزو، ولا تكاد تميز سلوك العراقيين مع التغيير رغم موروث تلك القرون والعقود، فقد مر العراق بغزو (احتلال) غاشم أسس له محيط العراق فقد احتل العراق من أغلب الدول المحيطة، الفرس الايرانيين والقرشيين والامويين والعباسيين واخرهم العثمانيين الترك تناوبوا على احتلال العراق، ولم يتمكن اي محتل من السيطرة على العراق الا بعد شراء ذمم زعماء القوم فهم من يبايع وهم من ينقض البيعة.
فقد كان زعماء القبائل والعشائر وبمشورة الوعاظ يبيعون مدنهم وقراهم للفاتحين مقابل صرر الذهب والدنانير والنفوذ والسلطة لدى القوة المحتلة الجديدة، وكان اسوء الاحتلالات التي غيرت مجرى تاريخ العراق وجعلته واهناً وضعيفاً هو الاحتلال القرشي الذي جعل العراق بلا هوية واصبح ضيعة وبستان خلفي لسادة قريش، واخر احتلال جعل العراق من مخلفات ما قبل الحضارة، ويقارب العصر الحجري هو الاحتلال العثماني المتخلف والفاسد وما بينهما كان اظلم من كليهما لكن فيه هيبة الدولة التي اصبحنا توابعها، وكذلك هنالك غزو (تحرير)كاد ان ينقل العراق للحضارة، لو لا ذلك الموروث الذي افشل كل ثورة وكل تحرير،
موروث قريش في السلطة لمن لا يعرفه هو حكم طالبان وداعش وحكم الجماعات المسلحة والمحاكم الشرعية التي حكمت عقب سقوط الدكتاتورية في العراق،
مختصر حقب الظلم والجور كادت ان تنتهي باعلان ثورة تموز ١٩٥٨ ولكنها أخطأت بعدم مكافحة السرطان او ايقافه ،
ذلك السرطان الذي يبيع ويشتري بالناس بدون حروب او صراعات، ذلك السرطان الذي استوطن الجسد العراقي حتى اصبح مزمناً، وفي العصر الحديث جاءت فرصة ان يكون العراق حراً ومزدهراً ومتحضراً ولكنها أصطدمت بذلك المارد المدعوم من الوعاظ. فقد كاد الانكليز ان ينقلوا العراق من عصر الظلمات الى النور، باقل الارباح وكان لالتفاتة الدول الحرة بانتداب الدول المتخلفة فرصة العمر بالانتقال للحضارة وبعد1300 سنة من التخلف .كانت طلائع التحرير المبارك على يد الجنرال مود تقربنا ان نصبح مثل سكان لندن وريف اسكتلندا ولكن الظالمين من زعماء القبائل والعشائر وبتحريض من وعاظ السلاطين اعلنوا تمرداً عام 1920 الغرض منه ابقاء العراقيين في عصر الجاهلية واكراماً للعثمانيين كونهم مسلمين والخشية من يتمرد العراقيين على الوعاظ وشيوخ القبائل ويصبحون احرارٍ، هذا التمرد اعاق مشروع انتقال العراق للحضارة وحاول الاقطاع الذي ملكه العثمانيين ارض العراق بسند اسود كاد ان يتحول ابيض برعاية التاج البريطاني العادل ولكن جهل القوم وغوغائيتهم جعلهم يثقون بشيوخ الدين والعشائر، ويعلنون جهاداً باطلاً وزائفاً لمن اراد لهم الحرية والكرامة فقد حرص الإنكليز على نقل القطارات والكهرباء والسيارات والطائرات والمستشفيات والمعاهد والكليات وفي بلد لا تكاد تميزهم عن صور فلم الرسالة عام 1 للهجرة. استفاق الإنكليز وقبلوا باقل الخسائر وهادنوا الاقطاع والوعاظ باعادة صكوك الارض السوداء مقابل استباب الامن وارضاء الفقهاء وجعل لهم هيبة ومقام وقدسية مشتركة مع الاقطاع، ومن حينها بدء الحلف الاستراتيجي بين المؤسسة الدينية بواعظها والمؤسسة الاقطاعية بشيوخها. هذا الحلف جعل العراقيين اذلة وما كان لهم من نجاة الا الفرار من ذلك الظلم والانتقال لمراكز المدن والعاصمة بغداد ، سكن عشوائي لايليق بسكن الحيوانات اصبح على تخوم بغداد الصغيرة يعاني من الفقر والمرض والعوز والحرمان، فرار جماعي يشبه الفرار من النازية بسبب قوة الدولة التي دعمت الاقطاع ابان ثورة اهالي ميسان عام 1952 تلك الثورة التي جعلت اجساد الثائرين طعم للاسماك، ومقابل حريتهم التي ساوم عليها الوعاظ واذناب الاقطاع من سراكيل وحوشية وعبيد، وببنادق البرنو وجنود الحكومة خمدت تلك الثورة العظيمة. ومنها انتقل فشل الثورة لبغداد وصار على حكومة المركز تحمل اعباء الفارين والمهاجرين الذين استوطنوا بيوت الصفيح وفي صرايف تحيطها البرك ويحوم حولها البعوض والحشرات والافاعي، ارتضى هولاء المشردين العيش البائس مقابل كرامتهم التي اهدرها الاقطاع. هذا المنظر اليومي استفز جنرالات الجيش فقرروا الاطاحة بالملكية والحكومة واعلان جمهورية وطنية. كان لها ان تكون ثورة عظيمة لو اقتصت من الاقطاع والوعاظ وحكومة نوري سعيد بدلاً من الملك وعائلتة المسالمة، الثورة كاي ثورة فيها خطايا واخطاء ولكن فرح الناس اغفل الاخطاء .ومنه استنفر سكان العشوائيات والصرايف في بغداد ومراكز المدن واعلنوا تأييدهم للثورة التي كانت تعنيهم بالدرجة الاولى، وبدلاً من ان يشد المهاجرين امتعتهم ويعودون لديارهم منتصرين ينصبون المقاصل للاقطاع والوعاظ والسراكيل وعبيدهم، استكنوا وسط العشوائيات على امل بحياة افضل من الريف . لقد اخطاءت الثورة وجماهيرها الغاضبة عندما لم تقتص من الفاعل الحقيقي، والمجرم الحقيقي الذي اهان المشردين والمهاجرين وجوعهم واذلهم واستباح اعراضهم. كيف للثورة ان تنتصر ولم تقتص من الذي يهدر كد الفلاحين في ملاهي بيروت والقاهرة كيف للثورة ان تنتصر ان لم تقتص لمن قتلوا ونكلوا واغتصبو وسرقوا الفلاحين ويتطببون في لندن والبلهارسيا تأكل اجساد الفلاحين، كيف للثورة ان تنتصر ان لم تقتص من الذي يشعلون سيكارهم بصك ابو عشرة ( الفئة النقدية الاعلى في العراق) كيف للثورة ان تنتصر و لم تقتص ممن يتغدى في اسطنبول ويتعشى في اثينا، ان ما فعله الإقطاع في جنوب العراق ومحافظة ميسان يعادل مافعلة كل خلفاء وسلاطين قريش عبر التاريخ، من مظاهر البذخ والاسراف والخلاعة والمجون.
لقد أخطأت ثورة تموز فأكلت نفسها عندما لم تحاسب الاقطاع والوعاظ، فعاد هولاء وباستكانة الذئب للتربص من الفريسة، ومن اغتنام اول فرصة في احياء الحلف الاستراتيجي بين الاقطاع والوعاظ، ذلك الحلف الذي اعاد تنظيم نفسه فشكل قوة لوبي داعم لاعداء الثورة وكان اولى تلك المواجهات عندما اعلنت المؤسسة الدينية الانتقام من الثورة والمهاجرين والمشردين بسبب ميولهم الشيوعية المناصرة للثورة ،فاصدرت الفتوى التاريخية بتكفير الشيوعية تلك الفتوى التي اذلت المستضعفين واضعفت الثورة والزعيم، واستقوى بها الشيفونيين والاقطاع وتوابعهم .
حاول عبد الكريم استمالة المؤسسة الدينية ومجاملتها ولكن القرار قد صدر، لان عبد الكريم اخطأ عندما اغفل البريطانيين في ثورته، واستعان بالامريكان فخدعهم، وجعل من نفسه كما اي مراهق ثائر بيد جماهير الغوغاء التي لم تدرك لعب الكبار ففاض نهر المستضعفين دماً على يد الحرس القومي وتوابعه في 8 شباط 1963 ، ولتبدا مسيرة اضطهاد اخرى على يد احزاب فاشية كان ضحيتها بقايا جماهير قاسم في مدينة الثورة ، فبين التخبط والوعي والثورة والدين والا دين، توسعت الثورة واصبحت جماهير ما وراء القناة تعاني من ظلم يوازي ظلم الاقطاع، ولكن بأساليب وأدوات مختلفة فقد تمكن الرفيق والحجي والمناضل والمجاهد من اسر الملايين من هذة المدينة تحت لافتة العروبة تارة والدين تارة والمقاومة تارة اخرى حتى اصبحت المدينة وشعوبها مقسمين كما قطعة الارض، التي منحها عبد الكريم لاجدادهم المؤسسين، ولو قدر لعبد الكريم ان يكون بيننا لندم على تراخيه وتسامحه مع الإقطاع وشيوخ الدين الذين اباحوا قتل فقراء العراق الذين دافعوا عن ثورة تموز، ولو قدر لعبد الكريم ان يرى مثلما نرى كيف كان يرقص الاقطاع واحفادة على انغام اغنية (الله يخلي الريس الله يطول عمره)
ولو قدر لعبد الكريم قاسم ان يرى ان احفاد الاقطاع وسراكيلهم وحاشيتهم وعبيدهم صاروا في عهد الديموقراطية وزراء ونواب وامراء وشيوخ ومستشارين،
ولو قدر لعبد الكريم قاسم ان يكون لة قبراً لوقف احفاد الاقطاعيين واحفاد رجال الدين وابناء السراكيل والحوشية والعبيد وقالو له ها قد عدنا ياعبد الكريم اكثر جاهاً من قبل والدولة تشرفنا بدرجة vip في موسم حج عام ١٤٤٤ذلك العام الذي حج فيه الوزير والنائب والوكيل والمدير والامير والشيخ والسركال والحوشي والمجاهد والمناضل والقائد ومحلل الاخبار حتى صار يسمى عام حج الحكومة وتوابعها، وبقى الفقراء والمقهورين على القرعة لعام اخر يسمى عام حج البؤساء .
ياعبد الكريم لعلك تعود يوماً وتنتقم لاهالي شرق القناة الذين اذلتهم سياط من سبق ومن لحق، ياعبد الكريم معظلتنا لن تنتهي بثورة او انقلاب او غزو او تحرير وعلى رقابنا من يستنفر الفتوى والجهلة والغوغاء، ياعبد الكريم اصبح احفاد اعداء اجدادنا اكثر جاهاً وادواتهم اكثر حزماً، لقد استنسخوهم واصبحوا اكثر خطراً من السرطان،
ياقاسم تعال بحلم واحسبها الك جيه واكولن جيت.