بيعت ارض الوطن… تعبير مجازي ارتبط بالخيانة ، وتسليم الأرض للغرباء منذ قديم الأزل، وذلك لأنه غالبا لا قيمة حقيقية للتراب نفسه بل قيمة معنوية ، الا أن أختلط التراب بتاريخ بلد غني بالحضارات مثل العراق.
أثبتت الابحاث الحديثة أنه في العراق ولدت أقدم الحضارت واكثرها تنوعا، نذكر منها الحضارات السومرية والاشورية والاكدية ، كانت أساس الحياة الحضرية لباقي العالم ،وقدمت له أهم الأختراعات منها الكتابة والعجلة والبطارية وغيرها…
لهذا فالعراق واحدا من اكثر البلدان الزاخرة بالمواقع التاريخية، ولا اكاد اجد اي بلد في العالم له مثل هذه الخصوصية، فرغم تعاقب الجيوش الاستعمارية على غزو البلد وسرقة خيراته واثاره ، وحملات التنقيب الالمانية والبريطانية، وبالرغم من الحروب والمآسي التي شهدها العراق، الا أن الكثير من تلك الآثار ما زال شاخصا يعاني الأهمال الحكومي لمورد قد يكون اهم من النفط نفسه الذي سينضب عاجلا أم آجلا.
ما زاد الطين بله، أننا نشهد منذ فترة سرقة وتجريف لآلآف المناطق التاريخية مستغلين ضعف الحكومة وحجم الفساد المستشري، ونذكر مثالا واحد هنا هي منطقة تل جوهر، الواقع في محافظة بابل منطقة المحاويل “مقاطعة 1 بدعة المسيب ” وعلى مساحة 75 دونم لم يتبقى منها الى 30 والتجريف مستمر .
الطريقة هي نفسها المتبعة في المناطق السياحية المتبقية، فأغلب هذه الأراضي لا تسجل إلا بوزارة السياحة، فيقوم خونة الوطن برشوة بعض موظفي الدوائر اخرى .مثل الزراعة والبلديات، للحصول على عقد زراعي ومن ثم تحويله إلى عقد ملكية، ومن ثم رشوة موظفين بوزارة السياحة والآثار لأخفاء الخرائط البريطانية القديمة ،والتلاعب والمراوغة في حالة ورود اي شكوى يخصوص الموضوع ،وتبدأ الكارثة تجريف تراب التل ونقله الى جهة مجهولة للتنقيب وبيع الاثار المستخرجة، ومن ثم طمر الارض وتقسيمها زراعيا او سكنيا ،ليختفي الموقع الاثري تدريجيا، وعند تحرك الجهات المعنية لن يجدوا إلا أرض منبسطة تبكي على سرقة تاريخها.
أنا اكاد أن اتنبأ بالمستقبل القريب عندما نقول لأبنائنا :إن بلدنا كان زاخرا بالثورات لكنه سرق من قبل الخونة والفاسدين ،ليقوموا بطرح سؤال بريء:أين كنتم عندما سرق الوطن ؟ ؟ كنا نياما نحلم بغد ٍأفضل!
من أجل مستقبل اولادنا ،ولكي لا يقوموا بسبنا وشتمنا ونحن نقدم لهم وطنا مديونا، تم بيعه وقبض الثمن، فالنتحد لنوقف سراق تراب الوطن.