من الواضح أن المقابلة مع أبنة الطاغية صدام حسين على قناة العربية، ما هو الا معادلة صورية, لتجديد الوان صورة بالية, لحقبة حكم دكتاتوري اجرامي, قاده ابوها وحزبه الفاشي، وهي محاولة لإخراجها بمظهر جميل والوان وردية, لمغازلة جيل لم يعش فترة ذلك الحكم، وزرع امل العودة في نفوس نفايات البعث المهترئة.
كانت تتحدث عنه وكأنه انموذج فذ، حكم العراق لثلاثين عاماً من الرفاه والسعادة والحرية والديمقراطية الحقيقية، بل تتحدث وكأن صدام اتى عن طريق اختيار الشعب له، ولم يفرض نفسه بالقوة على احمد حسن البكر، كما فرض الاحتلال البريطاني النظام الملكي, وتحول الملكية الى جمهورية بالدماء التي اراقها عبد الكريم قاسم, كما تسلط النظام العارفي على العراق، ليريه ابشع صور الطائفية والعنصرية.
الجيلان السابق والحالي لم يعيشوا مع صدام وحزب البعث، ولم يشاهدوا ويستشعروا الطريقة الاجرامية والدموية التي اداروا بها الحكم في العراق، لأن من كان عمره عشر سنوات في ٢٠٠٣ لم يدرك ما حوله، ولم يعي ما يقوم به النظام من جرائم بحق الانسانية، ولم يعيشوا آلام الحصار الظالم الذي تسبب به والدها المجرم.
تحدثت عنه بطريقة هي لم تصدقها او تقتنع بها، لمجرد ارضاء ادارة تلك القناة، المفتقرة للشواهد الحقيقية التي يستشهد بها الشعب لا هي، لذلك قامت الفضائية بعرض بعض المشاهد المقتطعة لصدام، وهو يتحدث بوطنية في اجتماع عادي او في لقاء عام, او عند زيارته لبيوت بعض اقاربه وقيادات حزبه او لكبار حماياته..
عجزت تلك الفضائية وغيرها من القنوات المأجورة ان تجد له مقطع فديو واحد وهو في ذي قار او ميسان، او البصرة او المثنى.. حتماً لا يجدون أي مشهد له في تلك المحافظات، خلال الخمسة والثلاثون عاماً من حكم العراق.
المضحك عندما وصفته بالقاسي لم يعرضوا مشاهد عن الحرب التي دامت ثمان سنوات، كان حطبها مئات الآلاف من الشباب، ولا مشاهد للإبادة التي تعرض لها الجيش العراقي على الطريق الرابط بين الكويت والبصرة, ولا صور عن تسليمه العراق لأمريكا في خيمة سفوان المشؤومة، ولم يعرضوا المقابر الجماعية لأناس عزل غالبيتهم من الاطفال والنساء والشيوخ دفنوا احياءً بلا رحمة ولا شفقة, ولا عن الانفال وحلبجة والقتل الجماعي الذي تعرضوا له, ولا صور لإعدام تجار بغداد.. ولا مشهداً او صورة واحدة لممارسات نظامه القمعية، كالتهجير القسري, والقتل الجماعي, ودفن الاحياء.
لم يعرضوا مشهداً واحداً عن الفدائيين التابعين لأخيها قصي، والطريقة التي كانوا يعاملون بها ابناء الشعب العراقي، وهم يقطعون الرؤوس والايدي في وضح النهار وعلى الطرقات، والاعدامات الجماعية في الشوارع العامة لأناس عزل..
لم تعرض مشاهداً لفساد وانحراف اخيها الاكبر عدي، وكيف كان يدخل الى الجامعات والكليات ويأخذ منها الطالبات بالغصب، من اجل لياليه الحمراء, لإشباع غرائزه المريضة، ناهيك عن ملايين الصور التي تتحدث عن الحصار، وتسببه بالجوع والاذلال للشعب من اجل رغيف الخبز، والموت البطيء الذي تعرض له, ولم تعرض صور قتل زوجها واخوه وجرهما في الشوارع امام مسمع ومرأى الناس، لم تشرح للناس المعنى الحقيقي لقولها كان قاسياً.
تقول ان والدها لا يحب الحرب، ولم يسألها المقدم عن حرب الثمان سنوات، واحتلال الكويت، والحرب الامريكية ضد العراق منذ ١٩٩١ الى اليوم، ولم يسألها عن الحرب مع الاكراد.
تقول اتحدث عن عراق كبير.. بينما كان العراق بالنسبة لهم عبارة عن ضيعة من ضياع التكارته، الذين جعلوا من الشعب الجنوبي خدم وفلاليح (مزارعين) بأراضيهم، في الموصل وتكريت والانبار.. كان الحكم بأيديهم فقط، بيد طائفة واحدة، ولم يشاركهم فيه احد، وكان الغالبية لا صوت لهم ولا قرار، وينظرون لهم بنظرة دونية، نظرة استحقار واستهجان وتهكم.
كانوا هم السلطة وهم الوزراء وهم القادة وهم كل شيء في البلد، وغيرهم لا حق له حتى التعبير عن رأيه، تناست انهم حكموا البلاد بالنار والحديد، لتأتي اليوم وتتحدث بمحاولة فاشلة لصناعة وهم القدرة على القيادة الفارغة.