24 مايو، 2024 9:26 ص
Search
Close this search box.

تلفون بعد 45 عاما

Facebook
Twitter
LinkedIn

رن هاتفي, كان الرقم غريبا. ولان ليس من عادتي عدم الاجابة على الارقام الغريبة    فقد قلت نعم. هل تعرف صوتي؟ قلت له لا والله و”لا زغرا بيك”. قال انا حاتم احزر . افترقنا قبل اكثر من 45 عاما. كنا التحقنا انا وحاتم عبيد اواسط الستينات من القرن الماضي في الصف الاول الابتدائي في مدرسة من طين كان قد تمكن والدي رحمه الله من جمع تواقيع اولياء امور المنطقة الواقعة “بزايز” مشروع المسيب الكبير لغرض انشائها. وحين اقتنع متصرف لواء الحلة انذاك بني اول صف تبرع في بنائه والد حاتم في بيته. بعد ان اقفلت خط الهاتف سالت نفسي .. حاتم من أي مذهب؟ وربما هو سال نفسه الان بعد 45 عاما وفي ظل تشظي الهوية الوطنية الى مجموعة هويات فرعية فانه قد  يكون طرح على نفسه ذات السؤال.
بدوركم قد تتساءلون عن “مربط الفرس” في هذا الكلام. واجابتي على هواجسكم ستكون على شكل سؤال .. من منا حين يركب سيارة اجرة او يلتقي احدا في مطعم او على قارعة الطريق او “سرة” صمون وتمضي على هذا اللقاء الميمون اكثر من   عشر دقائق دون ان يعرف احدنا عن الاخر من أي عشيرة او قومية او مذهب او طائفة؟  اما اذا تطور النقاش وغالبا ما يتطور بعد الربع الساعة الاولى فان كل واحد منا سوف يعرف عن الاخر معلومات اخرى مثل هل  هو مؤيد لدولة القانون ام متحدون؟  وهل هو مع مشروع بايدن ام مع مشروع مشعان الجبوري.؟ وهل يتعاطف مع متظاهري الانبار الذين لايعرفون ماذا يريدون بعد ستة اشهر من اللطم ام متظاهري ذي قار الذين ذبحوها على قبلة من اول يوم وركزوا على الكهرباء؟ 
 وبالعودة الى الفرس ومربطها اتساءل ثانية .. كيف لا اعرف انا ولا يعرف حاتم طوال نصف قرن من الزمان الى أي مذهب او طائفة او ربما حتى عشيرة ننتمي  بينما كل واحد منا بات يعرف اصل وفصل وعشيرة وقومية وطائفة ومذهب وهوى أي سائق “سايبا” نؤجره  من ساحة التحرير الى المسرح الوطني؟  الاجابة واضحة وهي اننا جميعا لم نكن نعرف سوى هوية واحدة وهي الهوية الوطنية. هذه الهوية جعلتني لا اتذكر من معلمي الاول باول صف من مدرسة الطين سوى انه كان اصلعا وسمينا ومصابا بداء الصرع. اما لاية  قومية او طائفة او مذهب او قومية  ينتمي معلمنا الذي علمنا دار دور ابو خلدون فلم يدر بخلد أي واحد منا معرفة ذلك.
وعلى ذكر الهويات الفرعية التي “طيحت صبغنا”  والتي تراجعت بسببها الهوية الوطنية فان لي صديقا عزيزا جدا كنا قد تعارفنا منذ اواخر السبعينات من القرن الماضي. اصله البصراوي كان يوحي بانتمائه المذ هبي دون ان نتطرق يوما الى ما يشير الى شئ من ذلك الا  من باب المزاح. مات ابوه قبل سنتين فذهبت الى الفاتحة التي اقيمت على روحه في احد جوامع البياع. عند دخولي الجامع فاجاتني اللافتة التي كان مكتوبا عليها بالاسود  “انتقل الى رحمة الله السيد فلان عميد السادة الفلانيين”. عندما اقتربت من صديقي لكي اخذ من خاطره قلت له هامسا.. “ولك انت هم طلعت سيد”؟ لم نتمالك نفسينا من الضحك .. وكان بحق .. ضحك كالبكا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب