20 ديسمبر، 2024 7:02 ص

تلخيص المقال في ثبوت الهلال

تلخيص المقال في ثبوت الهلال

من نافلة القول الحديث عما يسببه إختلاف علماء المسلمين في إثبات رؤية الهلال في بلدانهم الى درجة قد يصل الفرق فيها الى ثلاثة ايام كما حصل في غير مرة بين عدد من بلاد المسلمين!! وعما يسببه هذا التباين من ردود فعل سلبية تشعر المسلمين بالقلق والشك حول صحة تكاليفهم ومدى مطابقتها للواقع فضلا عما توحي به هذه الحالة من تشتت كلمة الامة وتفرقها في أهم تكاليفها العبادية …
  والغرض من هذه السطور توضيح بضعة مسائل قد تلتبس على بعض الاخوة في مسألة ثبوت الهلال ولكي يقتربوا من فهم أفضل لهذه الحالة يمكنهم من توضيح بعض معمياتها على عامة الناس تخفيفا لردود الفعل السلبية التي قد تؤدي بهم الى معتقدات ما انزل الله بها من سلطان! وما نذكره هو مقتبس من مشاهداتنا للواقع ومطابقته لآراء العلماء الأعلام في هذه المسألة ..علما أننا سنناقش المسألة في دائرة فقهاء المدرسة الامامية المباركة  دون غيرها من المدارس ..
   * هل في ثبوت الهلال تقليد ؟
   يعتقد الكثير من الاخوة أنهم مرتبطون بمرجعهم في قضية ثبوت الهلال ارتباطا مطلقا وملتزمون بمتابعته كالتزامهم بمتابعة فتاواه في عباداتهم ومعاملاتهم ..وهذا غير صحيح لأن ثبوت الهلال مسألة وجدانية ليست كباقي مسائل الرسالة العملية ففي احدى جوانبها هي غير خاضعة للتقليد وفي الجانب الاخر هي خاضعة له !! وتفصيله كما يلي :
أ‌-       الجانب غير الخاضع للتقليد : هو جانب تصدي المكلفين أفرادا وجماعات للرؤية (الشهود الشخصي ) فإن ثبتت الرؤية الصحيحة غير الخاضعة للشك لهم بما هم مكلفون من عوام الامة ترتبت عليهم أحكام دخول الشهر القمري من صيام أو عيد او حج .. وهنا هم لا يحتاجون الى الرجوع للمرجع الذي يقلدونه لأنهم رأوا الهلال بأعينهم فحتى لو أصدر المرجع بيانا بعدم ثبوت الرؤية لا يعتدون به بل يجب عليهم مخالفته لان الرؤية اليقينية حصلت لهم وقامت الحجة على انفسهم ..حتى لو كان الرائي فردا واحدا والمخالفون باقي افراد الامة في بلده ..وقد نقل لي احد المؤمنين حادثة عن رؤية من يثق به للهلال في حين اصدر المراجع عدم ثبوته في احدى السنين فترتب عليه احكام الشهر وان لم تترتب على باقي الامة .. يقول تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) .. وهذا الجانب حاكم على تفاصيل ثبوت الرؤية فلو إطمان المكلف الذي لم ير الهلال إطمئنانا مبنيا على قواعد سليمة (كالتواتر وأخبار العديد من ثقات المؤمنين وثبوت امكان الرؤية في البلد سواء بالحسابات الفلكية من غير مانع ) الى رؤية الهلال فهذا مرجح لترك حكم مرجع تقليد والعمل على طبق إطمئنانه ..وهذا معنى عبارة بعض العلماء ( لا تقليد في رؤية الهلال).
ب‌-   الجانب الخاضع للتقليد :  اذا لم يتصد المكلف لتحري الهلال لا بنفسه ولا بسؤال الثقات من المتحرين واعتمد على إعلان المرجع للثبوت او عدمه (وهذا حال الجزء الاعظم من الامة) ..فهنا يكون ملزما بما يصدره الفقيه من حكم حسب مبناه الفقهي في ثبوت الهلال .. وهنا يكون ملزما بإتباع مرجع تقليده في هذه المسألة في جانب محدد هو جانب عدم ثبوت الرؤية في بلده ..وتوضيح ذلك ما يأتي:
لا يختلف الفقهاء في ثبوت الهلال عند حصول الاطمئنان بشهادات الشهود العدول ممن رأوا الهلال في بلدهم (بلد الفقيه والرائي معا) أو في البلاد التي تستلزم رؤية الهلال فيها رؤيته في بلدهم (كما لو ثبت عند المرجع رؤيته في بلد شرق بلده فهذا كاف في ثبوته لبلده وان لم يشاهد لكون رؤيته في الشرق تعني قطعا إمكانية رؤيته في بلده لولا وجود المانع)، ولكنهم يختلفون فيما اذا لم تثبت الرؤية في بلدهم وثبتت في البلاد الغربية له وهم ينقسمون الى آراء حسب مبانيهم الفقهية في المسألة وهنا يكون المكلف غير المتصدي بنفسه للرؤية او السؤال الموجب للاطمئنان العقلائي (مر مفهومه) يكون ملزما باتباع مرجع تقليده في حكمه ..ومن آراء الفقهاء في المسألة ما يأتي:
·       ضرورة إتحاد الأفق بين البلدين للحكم بثبوت الهلال للشرقي عند رؤيته في الغربي ..وهذا يشمل البلدان المتجاورة  التي تشترك في الشرق والغرب .. وهو القول المشهور عند كثير من الفقهاء ومنهم من علماء عصرنا المرجع السيد علي السيستاني (مد ظله).
·       عدم ضرورة إتحاد الأفق : يعني لا يشترط الفقيه تجاور البلدين (بلد الرؤية  الغربي وبلد الثبوت الشرقي) ويقولون ان ثبوت الهلال في بلد كاف لثبوته في باقي البلدان التي تشترك معه في جزء من  الليل حتى لو كان الاشتراك في أخر الليل عند الشرقي واوله عند الغربي  وقد أختاره جملة من العلماء المتقدمين والمتاخرين وساقوا الأدلة على ذلك الرأي  ( العلامة الحلي في المنتهى وصاحب الوافي (الكاشاني) والبحراني في الحدائق وصاحب الجواهر والخونساري وغيرهم من المحققين على ما ذكره السيد الخوئي (قده) ومال اليه ) واليه يميل العديد من الفقهاء المعاصرين كالشيخ محمد إسحق الفياض والسيد محمد سعيد الحكيم وغيرهم  فيحكمون بثبوت الهلال عند ثبوت رؤيته في البلدان البعيدة التي تشترك مع البلد الشرقي ولو بجزء من الليل .
فيكون أمام المكلف غير المتحري ان يرجع الى مرجع تقليده في هذه المسألة  فان كان من القائلين باعتبار الاتحاد في الافق لزم ان لا يثبت عنده الهلال الا عند ثبوته في بلده او شرقيه من البلاد او غربيه من البلاد المتحدة في الافق.  وأن كان ممن لا يرى إعتبار أتحاد الأفق فيمكن ان يثبت الهلال اذا رؤي في البلاد البعيدة المختلف أفقها عن بلده بمجرد إشتراكها معه في الليل.. وهذا منشأ من مناشيء إختلاف الفقهاء في ثبوت الهلال.
 
** هل يختلف الفقهاء في ثبوت الهلال لأسباب اخرى غير اتحاد الأفق؟
نعم ، يختلف الفقهاء في ثبوت الهلال لأسباب اخرى مثلا : أن لا يطمئن الفقيه الى شهادات الشهود وسبب عدم الاطمئنان متنوع : كأن تضطرب توصيفاتهم للمشاهدة والمعلوم فقهيا ان إضطراب التوصيف بين الشاهدين يوجب تساقطهما معا .. ومنها : عدم ثبوت عدالة الشهود أو عدم قيام البينة بسبب وجود مرجحات لا تقبل الرد كما لو شهد الفلكي الثقة باستحالة الرؤية وغيرها .. لذا قد يقتنع احد المراجع بشهادات الشهود وتقوم عنده البينة فيعلن ثبوت الهلال ولا تقوم البينة عند آخر فلا تثبت وهذا كثير الحصول ودائم التكرار وهو من اهم مناشيء اختلاف الثبوت بين المراجع ..
 
*** هل يثبت الهلال بشهادة الفلكي ؟
في ذلك إختلاف وذهب جمع من الفقهاء الى ثبوت الهلال بشهادة الفلكي المؤمن الثقة (حسابيا) إذا أكد إمكان الرؤية بالعين المجردة وان لم تحصل ..وذلك بسبب وصول عمر الهلال الى درجة تجعل السطح المضاء منه (1% على الاقل)  قابلا للرؤية بالعين المجردة في أفق البلد .
 
ملاحظات نختم بها :
 
1-    تعتمد بعض البلدان التي لا تتبع مرجعياتها مدرسة اهل البيت عليهم السلام الرؤية البصرية فقط دون غيرها من المرجحات كالحسابات الفلكية التي تعتبر مرجحا مهما جدا في عصرنا الحالي ..وينتج عن ذلك كثيرا اعلانهم عن ثبوت الهلال وان اثبتت الحسابات الدقيقة استحالة رؤيته بالعين المسلحة فضلا عن المجردة !! وقد حصل ذلك في السعودية اكثر من مرة كما في هلال عيد الفطر 1432 هـ ( 2011 م ) إذ اعترضت احدى الجمعيات الفلكية على شهادة الشهود بسبب استحالة رؤية الهلال يوم مولده ورجحت ان يكون ما رآه الشهود كوكب زحل !!
2-    المدار في ثبوت الهلال أساسا هو الاطمئنان الناتج عن قناعة عقلائية فلو حصل فلا يعتد بحكم مرجع التقليد. وان لم يحصل (كما هو الغالب) لزم إتباع حكم الفقيه.
3-    ليس بالضرورة ان يكون حجم الهلال مؤشرا على وقوع الرؤية لليلة السابقة فالحجم يعتمد على العمر والعمر يختلف عند ثبوت الرؤية من مكان الى آخر ومن سنة الى اخرى فقد لا يرى الهلال رغم بلوغه 24 ساعة كما في سنتنا هذه (1433 هـ) اذا استحالت الرؤية بالعين المسلحة والمجردة في الشرق الأوسط)  رغم بلوغه 24 ساعة لذا يصبح من البديهي ان يكون واضحا وكبيرا في الليلة اللاحقة لان عمره أصبح  48 ساعة .. وبالعكس لو استحالت الرؤية بسبب صغر عمر الهلال مثلا 4 ساعات ..سيكون عمره غدا 28 ساعة ويرى صغيرا
 
هذه سطور كتبت على عجل نسأل الله ان تتم بها الفائدة وفي الموضوع بيان كثير نحيل من اراده الى المفصلات ومن الله التوفيق وكل عام وانتم بخير ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات