18 ديسمبر، 2024 10:10 م

تكرير أمة وتدمير وطن!!

تكرير أمة وتدمير وطن!!

التكرير أن تعيد أي مركب إلى عناصره الأولية , ومصانع تكرير النفط معروفة , إذ يتم فصل مكوناته بعد مرورها في مراجل فصلها وتحويلها ومعالجتها , فنحصل على مشتقاته كالبنزين والزيوت والنفط الأبيض والأسود وغيرها العديد من المشتقات الأخرى.
فالنفط المستخرج من باطن الأرض لايصلح للإستخدام إلا بعد مروره بمراجل التكرير لإستخلاص عناصره وتصنيف ما فيه من المكونات المتنوعة.
وما يجري في بعض المجتمعات التي تتمزق وتتحطم , هو تكرير مبرمج لفصل العناصر المكونة لها ونثرها منفردة لكي يتحقق الإفتراس المريح لها , أي أن تُفترس بلا عناء وكلفة.
ومن المعروف أن المجتمعات عبارة عن سبائك متواشجة بأواصر متينة ومنصهرة على مواقد القرون والأحداث والتطورات , التي عصفت في مكان وجوددها على مر العصور والأزمان , ولكي تبقى المجتمعات فأنها تتآصر وتتمازج وتتداخل وتتشابك , فتتقوى وتتعاظم قدراتها على المقاومة والتحدي والبقاء العزيز.
ولكي تنال من أي مجتمع عليك أن تدفعه إلى الدخول في مراجل التكرير , التي تعمل على تذويب الأواصر وفرز العناصر وتجميعها في كينونات يمكن توظيفها لأغراض إفتراسية لذلك المجتمع.
ولتحقيق هذا الهدف لا بد من تحطيم الوعاء الذي إنسبكت فيه العناصر وتمازجت , والوعاء الذي حقق ذلك هو الوطن والمدينة والقرية والمحلة , ولهذا يجري العمل على قدم وساق لتدمير الأوطان والمدن وتكرير المجتمعات , ومن الواضح أن المجتمعات التي نجحت فيها سياسات وبرامج التكرير المجتمعي هي التي تحققَ فيها تدمير وطنها أولا , كما هو واضح في العراق وليبيا وسوريا واليمن , وستمضي إرادة الإفتراس على الدول الأخرى , التي سيتدمر وطنها وتكرر مجتمعاتها , فتدخل في متواليات دوائرية مفرغة من التصارعات الإنقراضية والتفاعلات الإهلاكية اللازمة للوصول إلى مدارات التماحق المطلق , الذي يؤدي إلى غياب الأمة والوطن في غياهب النسيان والإتلاف الأكيد.
فكل ما يحصل في المنطقة العربية يقع ضمن هذا المنطوق الفتاك , الذي يساهم في ترجمته أبناء المنطقة بأحزابهم وفئاتهم ومسمياتهم المتوالدة , وبأموالهم وثرواتهم ينحرون وجودهم وكأنهم المغفلون المنومون المندحرون في جحور النواكب والويلات , ومن حولهم تزأر الوحوش وتعوي الذئاب , وهم رتع ركع في مرابع الجزر الحضاري السريع.
فهل من وعي لإجراءات التكرير والتدمير يا أمة سئمت من غيها الأمم؟!!