23 نوفمبر، 2024 1:27 ص
Search
Close this search box.

تكرار متلازمة يوم خيبر !

تكرار متلازمة يوم خيبر !

أن احد اهم جوانب حرب كيبور عام 1973 هي انها قد رسمت وبشكل مفاجئ طريقا لعبور الغطرسة الإسرائيلية المهووسة الى الحزن والكآبة واللامبالاة.
فبعد نصرهم العسكري المتميز عام 1973، طور الإسرائيليون موقفا متعجرفا وغير محترم أزاء العرب وقدراتهم العسكرية. وقد تنبأت المخابرات الإسرائيلية بأن الجيوش العربية تحتاج لسنوات لتتعافى. لكن لم يتصور العسكريون الإسرائيليون ان الجندي العربي لدية القدرة على مزيد من القتال بل والأكثر ، القدرة على الانتصار .
ففي يوم السادس من أكتوبر 1973، تلقى الإسرائيليون مفاجأة ساحقة. هذه المرة، كان الجندي العربي مختلفا جدا. خلال ساعات، بدت الاستراتيجية الإسرائيلية المعتمدة على التفوق الجوي وعلى المناورات الأرضية السريعة المدعومة بالدبابات غير فعالة. فقد استطاعت مصر وسوريه واعتمادا على الصواريخ الجديدة المضادة للدبابات الى تفتيت قوة إسرائيل. وهو الامر الذي أدخل اليأس الى نفوس قادتها السياسيين وقيادتها العسكرية العليا. بالرغم من ان هذا الحدث ليس أمرا نادرا في التاريخ اليهودي.
ان الفضيحة العسكرية الإسرائيلية خلال المرحلة الأولى من الحرب كانت تكرار لملازمة مأساوية قديمة قدم اليهود انفسهم. هذه السيناريوهات المتكررة للكبرياء اللامتناهي للجماعة اليهودية المدفوعة بقوة شعور الاستثثناء او )الشعب المختار( هي التي أعطت نتائج مخيفة. وهذا ما اسميه “بمتلازمة يوم خيبر”.
في سنوات العشرين في برلين ، كانت النخبة اليهودية تتفاخر بسلطتها . وكان بعض اليهود مقتنعين بأن المانيا وعاصمتها هو مكان لعبهما. في ذلك الوقت كان بعض اليهود يهيمنون على القطاع البنكي ويؤثرون على السياسة والاعلام الألماني. في حين ان مدرسة فرانكفورت ومدارس فكر يهودية أخرى كرست اعمالها وبشكل علني على اقتلاع الثقافة الألمانية باسم التقدم والمنهج النفسي والايروتيزم والظاهراتية والثقافة الماركسية. وفيما بعد ، فجأة ومن لا مكان ظهرت مشاعر هائلة ضد اليهود وباقي ما حصل معروف.
لكن هل كان هناك حقا تغيير في الوعي الألماني بشك مفاجئ ؟ هل لمعاداة السامية في سنوات الثلاثينيات ان تكون مفاجئة؟ لا ابدا. كل الإشارات كانت موجودة منذ وقت. في الحقيقة، ان أوائل الصهاينة مثل ” هرتزل” و “نوردو” قد تنبئا وكانا على صواب بصعودها الحتمي في اوربا خلال القرن التاسع عشر. انها متلازمة يوم خيبر، نفس العجرفة اللامتناهية التي منعت النخبة اليهودية في برلين من تقييم المعارضة المتزايدة حولها.
ما نراه اليوم في إسرائيل هو بالطبع ظاهرة مأساوية لنفس متلازمة خيبر. مرة أخرى، اخذ الإسرائيليون على حين غرة. مرة أخرى حلت كآبة الحزن محل جنون القوة المهووسة. مرة اخري لم يتمكن الإسرائيليون من تقدير قدرات حماس العسكرية. لم يعرفوا كمية يأس العرب الإسرائيليين وقبول احتمالية تحول مشاعر اليأس الى قتال ومعارك شوارع وحتى الى حرب أهلية. لقد أستسلم الإسرائيليون الى الفكرة الجنونية من ان القضية الفلسطينية قد تبخرت. لقد اقتنعوا ان قمع حركة المقاطعة BDS وتجويع الغزاويين قد فكك امال الفلسطينيين. ومع ذلك، فأن حماس نجحت في حصد الانتصار الأهم بتوحيد الفلسطينيين في فلسطين وفي المخيمات وفي الخارج جنبا الى جنب مع المسلمين في انحاء العالم. هذه الوحدة المهمة حصلت في وقت تنقسم فيه اسرائيل وتتجه لخامس انتخابات.
من جديد ، تفسح العجرفة الاسرائيلية المكان لحزن عميق. يمكن لإسرائيل ان تطرح بعض الأسئلة الضرورية: ما الذي نقوم به من امر سيء؟ لماذا يتكرر تاريخنا؟ هل هناك من شيء يمكننا به ان نغير قدرنا؟ بدل ان تقوم إسرائيل بعمل هذا الحساب ، فإنها في الحقيقة تقوم بعمل العكس. وبدل من تشريح الازمة الحالية بضوء الاحداث المشابهة في الماضي، تكرر إسرائيل نفس الأخطاء. انها تصف الازمة الحالية “بموجة عنف جديدة ” وتدرس الاحتماليات الاستراتيجية والتكتيكية التي تسمح لها “بفرض وقف اطلاق للنار مع حماس” . إسرائيل تضارب إسرائيل باقتراف المجازر لكي تجبر العرب على الخنوع.
تعرف إسرائيل نفسها كدولة يهودية وهذا بالطبع سبب اخطائها المأساوية. واذا كان يوم خيبر هو يوم يهودي للحساب، فأن متلازمة يوم خيبر هي النتيجة المباشرة لعدم القدرة الكاملة على التفكير حول الانا. مع ذلك، الا يمكن ان نتساءل هل بإمكان اليهودي ان يتحرر من قدره اليهودي ومن متلازمة خيبر بالأخص؟ اعتقد مثل الصهيوني الأول برنار لازار ، انه يجب الابتعاد فقط عن الاستثنائية التي لن تبق لليهودي شيئا كبيرا سوى الهوية المعاصرة.
هنا نمس الجانب الوجودي الأكثر عصفا لمتلازمة يوم خيبر، ليس هناك مخارج ايدلوجية جماعية لليهودي. نحن بالأساس نواجه مآزق ثقافية وروحية.
شخصيا، ارى ان المخرج الوحيد من متلازمة يوم خيبر هو مخرج فردي: المنفى الاختياري. مغادرة الغيتو ليلا، تسلق الجدار، او حفر نفق تحت الجدار العازل. بمجرد وصولك الى ارض الحرية، أنطلق بهدوء وتواضع بحثا عن الانسان وعن الكون.

جيلعاد ازمون
ترجمة عن الفرنسية

ولاء سعيد السامرائي

أحدث المقالات

أحدث المقالات