حيث اننا حرصنا على ان تكون مقالاتنا مبنية على التقييم الموضوعي والنقد البناء فاننا عرّجنا على تصريح السيد نائب رئيس مجلس النواب العراقي حسن الكعبي قبل ايام والذي جاء فيه (سفارات العراق في دول العالم تشهد أعدادا كبيرة من الموظفين، حيث هناك سفارات في دول ليس لها تمثيل في العراق يوجد فيها نحو 34 إلى 35 موظفا كالمغرب العربي، لموظف الواحد في السفارة العراقية يكلف الدولة نحو 15 ألف دولار شهريا، هو وعائلته ومدارس أطفاله وتذاكر سفره وعودته إلى العراق التي عادة ما تكون لأكثر من مرة في السنة الواحدة، لافتا إلى أن “دولة قطر التي تسعى أن تكون لها سفارات في جميع دول العالم، لديها موظفون لا يتجاوز عددهم الثلاثة في كل سفارة مع الاستعانة بموظفين محليين، يمكن للحكومة العراقية أن تقلص أعداد الموظفين في جميع سفارات العراق في الخارج وتعوض بدلا عنهم بموظفين محليين بمرتب لا يتجاوز الـ 1500 دولار).
وحيث ان هذا التصريح اثار لغط كبير وتعرض السيد الكعبي لهجوم غير منصف، وددت ان اقيم موضوعياً تصريحه حتى يتبين هو والقارئ أين نقاط الصحة وأين الخلل في هذا التصريح.
مبدئياً وكما اعمل وانا مواطن بسيط استعنت بمجموعة من الاصدقاء من الدبلوماسيين المتقاعدين استشيرهم في أي معلومة حتى تكون كتاباتي مبينة على اسس منطقية وقانونية سليمة، ومن هنا ادعو السيد الكعبي ان يقرأ مقالاتي الموسومة (رسالة الى وزير خارجية العراق أعد تنظيم وزارتك) المنشورة على موقع كتابات، ونعود الى تصريحات السيد الكعبي فالصحيح ان السفارات العراقية متخمة بالموظفين وهذا امر صحيح لا يجادل فيه احد، ولكن التخمة ليست في الدبلوماسيين، بل في بقية الدرجات التي اعاد وزير الخارجية الاسبق الجعفري نقلها الى البعثات بعد اوقفها او قلل من نقلها الوزير الاسبق هوشيار زيباري، وعلى سبيل المثال فالسفارات العراقية مملوءة بدرجات ادارية ومهندسين ومبرمجين وحرفيين من كهربائي ونجار وعمال بدالة (في حين ان البدالة اليدوية انتهت واصبحت في المتاحف) وعمال نظافة وسواق، هذه الفئات فعلا تكلف الدولة العراقية مبالغ طائلة واغلب عملها ممكن ان يقوم به الموظفين المحليين الموجودين فعلاً بالسفارة بل انهم عمليا يقومون به ومعظم هؤلاء الموظفين يتقاضون رواتب وامتيازات دون القيام بأي عمل حقيقي. ولكن اخطأ السيد الكعبي في ان العراق لا يمكن ان يقارن بقطر من حيث ان قطر تركيزها الاساس في سفاراتها على الاستثمارات المالية ومتابعتها ومتابعة نتائج الاتفاقيات التي تتم عبر السفارات الاجنبية في قطر، لذا فان قطر لا تحتاج الى موظفين باعداد كبيرة لان جميع الامور السياسية والاقتصادية يتم تهيئتها في قطر نفسها وتبقى المتابعة من عدد محدود من الموظفين، ناهيك عن امرين اثنين مهمين ان قطر كدولة عدد سكانها الفعلي لا يتجاوز مائتي الف نسمة وبالتالي لا تملك العنصر البشري القطري بشكل يتيح لها خيارات لتقوية بعثاتها ومن هنا نشير الى ان قطر استعانت بدبلوماسيين عراقيين سابقين منهم (د.رياض القيسي الوكيل الاسبق في الخارجية وابنه الدبلوماسي السابق بكر القيسي، والسفير الاسبق في الخارجية د.عبد المنعم القاضي والدبلوماسي السابق خليل الاسود وغيرهم) بهدف تعضيد وزارة الخارجية القطرية اذن قطر لديها مشكلات حقيقية في توفير الكادر البشري وبما ان الكادر لديها محدود فاستعانت في مركز وزارتها بكفاءات اجنبية عراقية وغير عراقية، ولانها توسعت في بعثاتها في الخارج فاضطرت الى توزيع العدد المحدود لديها على عدد كبير من البعثات مما اسفر كنتيجة عن ان كل بعثة قطرية لديها موظفين اثنين او ثلاثة. وبالإضافة الى ذلك فان رواتب وامتيازات كل دبلوماسي قطري تعادل 3 الى 4 اضعاف نظيره العراقي، يعني بالمقاربة فان مصاريف السفارة القطرية كرواتب وامتيازات تعادل على الاقل 9 موظفين عراقيين في أي سفارة. على ان الامر لا ينتهي هنا، فالموظفين المحليين في السفارات القطرية يتقاضون عادة ضعفين الى ثلاثة اضعاف نظرائهم في السفارات العراقية، كما ان السفارات القطرية لديها اتفاقات مع شركات حماية امنية ودعاية اعلامية وميزانية سفارة للدعاية الخاصة بالسفير بمبالغ مفتوحة، ونشير فقط الى ان السفارة القطرية في واشنطن تعاقدت مع شركة لوبي لدعاية الضغط في امريكا بمبلغ يتجاوز 60 مليون دولار، في حين حسب ما وصلنا فان السفارة العراقية في واشنطن متعاقدة بمبلغ 300 الف دولار لنفس الغرض، أي أنه بمحصلة بسيطة قد تعادل مصاريف سفارة قطرية واحدة 10 سفارات عراقية في الخارج أو أكثر، يعني قطر تصرف مبالغ خيالية على بعثاتها الخارجية وتتلقى منها مردود ايضاً، لذا فان المقاربة والمقارنة بين العراق وقطر هو امر غير صحيح وغير منطقي ولا يعكس الواقع، ولكن مع هذا فان الدرجات الاخرى من غير الدبلوماسيين الموجودة في السفارات العراقية يجب ان تراجع وان يباشر باعادتها ضمن خطة ممنهجة الى العراق، وعندها عملياً ستقل الميزانية المخصصة للسفارت بنسبة 70-60%، يبقى ان هذا الترشيق يجب ان لا يؤثر على اداء السفارات والقنصليات العراقية في الخارج وايضا نظيف الى خطأ المقارنة مع قطر، فقطر تقريبا عمل بعثاتها القنصلي شبه معدوم ولا تملك جاليات مليونية اسوة بالعراق وحيث انه وبموجب القانون لا يمكن ايكال المهام القنصلية الحصرية الا للدبلوماسيين ولا يمكن ان يحل محلهم المحليين، فهذه اشبه بارتكاب الاخطاء نفسها في فترة ما بعد 2003 والتي عانت الجاليات العراقية من فساد الكارد المحلي في السفارات نتيجة توليه مسؤوليات الدبلوماسيين العراقيين ويمكن للسيد الكعبي ان يعود من خلال البحث في (GOOGLE) لكوارث الفساد التي عانت منها الجاليات العراقية خصوصا من فترة 2003-2006 ولم يتم حصرها وتضييقها وإنهائها الا بإقدام الوزير الاسبق زيباري على نقل اعداد جيدة من الدبلوماسيين حيث تمت السيطرة على الموقف بشكل جيد… اذن ليس كل المهام التي يؤديها الدبلوماسيين يمكن ايكالها للمحليين، ولكن مهام الاداريين والحرفيين والمبرمجين هذه قسم ممكن ان يغطيها الدبلوماسيين وقسم اخر ممكن ايكالها للمحليين.
اذن تصريحات السيد الكعبي بالعموم لم تكن غير صحيحة ولكن بالمضمون جانبت الصواب لافتقاره الى المعلومة الصحيحة.. لذا فان عقلنة عملية النقل الى السفارات وقصرها بشكل كبير على الدبلوماسيين مع معونة ادارية في حدها الادنى امر محمود وسليم وسيقلل الانفاق بشكل كبير وايضا يمنع غلق السفارات العراقية في الخارج، فالعراق لا يمكن في وضعه الحالي ان يطبق مبدأ المعاملة بالمثل لان الظرف الامني منع العديد من الدول من فتح سفاراتها في العراق، وبالتالي تطبيق هذا المبدأ سيعني عملياً غلق 70% من السفارات العراقية في الخارج ويؤدي الى انكفاء في تمثيل العراق الخارجي الذي هو في اشد الحاجة الى تعزيزه وضمان دعم دولي اكبر لمحاربة الارهاب في اراضيه ودعم مالي اكبر لإعادة اعمار المناطق المحررة التي دمرها الارهاب فهذا الثمن يجب ان لا يلقى كله على العراق لان العراق حارب الارهاب الذي هدد كل دول العالم لهذا يجب ان يساعد المجتمع الدولي العراق كما ساعد في محاربة تنظيم داعش الارهابي في العراق… وهنا نشير الى فشل الوزيرين السابقين الجعفري والحكيم في استجلاب الدعم الدولي الفعلي للعراق، وهذه النكسة يجب ان يعالجها الوزير الحالي د.فؤاد حسين وكادره الدبلوماسي، وهذا الموضوع سنتطرق اليه في مناسبات أُخر.
ختاماً اقول نوايا السيد الكعبي لم تكن سيئة على الاطلاق ولكنه يفتقر الى الادوات المهنية الصحيحة التي توفر له المعلومات المهنية الدقيقة التي تمكنه من اعطاء آراء تخدم التمثيل الدبلوماسي للعراق وتمنع هدر ثرواته، ونتمى ان يكون هذا التقييم الموضوعي مفيداً له وللسيد وزير الخارجية لاعداد خطط صححية لاصلاح عملية نقل الموظين الى البعثات العراقية بالشكل الذي يمنع هدر الاموال في غير محلها ودونما ان يؤثر ذلك على اداء البعثات العراقية التي هي بحاجة فعلية الى التطوير السريع المثمر الذي يخدم الدولة العراقية.