يستذكر العراقيون ذكرى تأسيس جيشهم العظيم في السادس من كانون الثاني الجاري، حيث تكونت أول نواة لهذا الجيش قبل 92 عاما من خلال فوج الامام موسى الكاظم والذي اتخذ من خان الكعبولي في مدينة الكاظمية ببغداد مقرا له قبل أن ينتقل بعد ذلك الى مقره الرئيس في الاعظمية، ولعل تشكيلة هذا الفوج تبيّن هويته وتكشف عن حجم التلاحم الوطني وتداخل مكونات الشعب العراقي فيه، كما أن أسس تأسيسه كانت وفق ثوابت وطنية وعقيدة راسخة أساسها الدفاع عن أرض العراق وحماية حدوده ثم الدفاع عن الأراضي العربية أينما وقع عليها عدوان. وقد أثبتت الأحداث والتجارب عقيدة ومواقف الجيش العراقي الوطنية والقومية، كما صقلت قدراته بكافة صنوفه ليكون عاما بعد آخر أكثر مهنية وقدرة على ادارة معاركه وصد الأخطار التي تعرض لها العراق والوطن العربي.
وكان من اللافت ان يقوم الحاكم المدني الأمريكي أبان احتلال العراق بول بريمر باعلان قرار كان قد أتخذ مسبقا بحل الجيش العراقي بكافة مؤسساته وصنوفه ورتبه والغاء أي وجود له على أرض الواقع. وعندما نقول أن القرار قد اتخذ مسبقا فاننا نعني القرار الاسرائيلي الأمريكي بما سمي عملية التقويض الكلي والشامل للجيش العراقي والذي تمت صياغته من قبل قيادات أمريكية أمثال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ونائبه بول وولفيتز ودوجلاس فيث وريتشارد بيرل واليوت أبرامز واسرائيلية أمثال موشي أرينز وزير الدفاع ونائبه عوفاديا علي والجنرال اسحاق مردخاي رئيس الأركان في عام 2000 في اطار الحوار والشراكة الاستراتجية بين الجانبين وتحولت الى أحد الأهداف الرئيسية لاجتياح العراق والتي تبناها المحافظون الجدد عندما استلموا رئاسة الولايات المتحدة، ورغم اعادة تشكيل الجيش العراقي بعد تثبيت صيغ الفرقة بين مكونات الشعب العراقي من خلال اقرار المحاصصة وعزوف الكثير من الوطنيين العراقيين عن الانضمام للجيش الجديد في ظل وجود قوات الأحتلال الأمريكي في العراق، بدا واضحا ضعف قدرات هذا الجيش من خلال افتقاره لأهم عناصر قوة الجيوش المعروفة وخاصة العقيدة التي دمرتها المحاصصة، ثم التسليح والتجهيز ؛ حيث دمر الجيش الأمريكي والعصابات الايرانية والكردية وغيرهم معظم أسلحة الجيش العراقي وسرقة الباقي السليم منها.
لقد كانت عملية سحب القوة الأمريكية الضاربة من العراق نهاية عام 2011 بمثابة جرس الانذار للساسة العراقيين، حيث وقف رئيس الوزراء والمعنيون بالملف الأمني أمام حقيقة ضعف القدرة على مواجهة التحديات، وعدم أمتلاك جيشهم أية امكانات للدفاع عن العراق عند تعرضه لعدوان خارجي أو حتى عند مناكفة الأقليم الكردي للمركز وأستعراض قوته المنظمة أمام قطعات محدودة التسليح تمثل قوات الجيش العراقي الاتحادي أو قوات عمليات دجلة، لذلك كان موضوع التسليح مهما جدا للحكومة العراقية، ولان الحكومة الامريكية تتعامل ببطأ شديد مع طلبات التجهيز العراقية لجأ المالكي الى موسكو العطشى للعودة الى سوق السلاح العراقي وما يعنيه من عودة النفوذ الروسي لهذا البلد ظنا منه أنه رئيس وزراء لدولة مستقلة ذات سيادة من حقها أن تبرم العقود مع من تشاء ضمانا لامنها ودفاعا عن حدودها، لكن في حقيقة الأمر فقد غاب عن المالكي أن جهود كبيرة ومهولة تبذل من قبل الولايات المتحدة واسرائيل لعرقلة اعادة بناء الجيش العراقي واعادة بناء منظومته اللوجيستية والتسليحية من خلال التوجه الى مصادر التسليح الأخرى، كما غاب عنه تماما أن الولايات المتحدة لم تحتل العراق لازاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عن السلطة وتسليم هذه السلطة لحفنة من اللاجئين وهو أحدهم في دول شتى وربما هو الآن على علم كامل بان الهدف الرئيس للاحتلال الأمريكي بالاضافة الى نسف الدولة العراقية كنظم ومؤسسات، كان تدمير الجيش العراقي.
رئيس وزراء العراق الآن ربما يجب أن يعرف أسباب الاحتجاجات الكبيرة على صفقة السلاح الروسي، فهي بالاضافة الى ما يدعيه بعض من مخاوف غير مبررة، فانها ما زالت ضمن حدود استراتيجية التقويض الأمريكية الأسرائيلية والتي تؤكد ضرورة متابعة العراق وسيكون هذا الأمر في سوريا لاحقا والى حد ما يجري تطبيقه في ليبيا ، وهذه المتابعة تعني محاصرة أي جهد لتعظيم قدرة الجيش العراقي الحالي من خلال وسيلتين، الأولى حظر توريد الأسلحة اليه بما يشكل منه جيشا غير قادر على أن يؤدي فعلا ملموسا على الأرض في أية مواجهة ممكنة، والثانية تحريم تمكينه من استخدام التقنيات والتصنيع العسكري نهائيا حتى لا يتمكن من تطوير اسلحة أو أعتدة كما فعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. لذلك فان عملية تقويض الجيش العراقي مستمرة وأن هناك أجهزة رسمية في اسرائيل والولايات المتحدة مسؤولة عن ذلك، وأن هناك حملة يقودها الجنرال يعقوب عايش رئيس شعبة العمليات السابق في الجيش الاسرائيلي عنوانها أوقفوا تقديم السلاح الى العراق تجري بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية.
ان سياسة الحكومة العراقية التابعة الى حد كبير لارادة وأجندات الحكومة الايرانية جعلتها سببا معلنا من موضوع الاعتراض على تسليح الجيش العراقي، فالكثير من المراقبين بالاضافة الى أسرائيل ودول أقليمية مهمة مثل تركيا تعتبر تسليح الجيش العراقي بهذا الأسلوب وبهذا الانفلات سيشجع العراق بادارته الحالية الى الانضمام لمحور طهران دمشق وهو موضوع يجب أن يحاصر الآن أكثر من أي وقت مضى، كما يخشى كثيرا من انتقال أي سلاح أمريكي أو روسي متطور لايران وهو يعني خرقا كبيرا لاسرار ماكنة السلاح في هذين البلدين المتقدمين، كما أن الولايات المتحدة وعلى لسان رئيس جهاز استخباراتها المركزية السابق الجنرال ديفيد بترايوس لن تسمح لاية قوة دولية أن تنتزع منها مكاسب الحرب الأمريكية على العراق ومصالحها التي نشأت هناك بعد ذلك فهل تصور ساسة العراق الذين أرتضوا بالصعود فوق أظهر الدبابات الأمريكية لتوصلهم الى بغداد، أن تكون نتائج هذا الاحتلال مقيدّة للعراق وقرارات العراق الى هذا الحد؟ هل تصوروا أن يكون الحصول على الطائرة المقاتلة لجيش العراق عملية معقدة تحتاج موافقات الولايات المتحدة وتركيا واقليم كردستان والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر وربما يعرض الأمر لاحقا على مجلس الأمن الدولي؟ هل يمكن أن يتفكرّوا بعد أكثر من عقد من الزمن مليء بالتخبط كيف يمكن الخلاص من هذا الفخ الكبير الذي شاركوا في نصبه للعراق حاضرا ومستقبلا؟
المهم في موضوع تأسيس الجيش العراقي بذكراه الـ 92 القول، أن قادة جيش العراق قبل الأحتلال وضباطه وجنوده الذين هم كل أبناء الشعب العراقي لم يتخلوا عن جيشهم منذ أن بدا في الأفق حقيقة تمكّن الجيوش الغازية للعراق عام 2003 من أحتلاله، لم يتخلوا عن جيشهم فكانت هناك عدة تنظيمات عسكرية بعضها مقاوم للأحتلال الأمريكي ثم الصفوي، والآخر مؤرخ ومتابع لعلاقاته مع أقرانه، ولكن يبقى الأهم أن تتشكل في العراق ارادة سياسية تستطيع أن تحشّد حولها العراقيين من جديد، ومثلما أنطلقت قوات فوج موسى الكاظم عام 1921 لتغدو عقود من الزمن أقوى جيشا في الشرق الأوسط، يستطيع العراقيون أن يبنوا جيشا وطنيا قوميا عقائديا حين تتوفر للعراق ارادة سياسية وطنية وقومية مخلصة، وحتى ذلك الحين نقول لكل فرد في جيش العراق الباسل هنيئا لكم تاريخكم المشرف وأن الشعب ينتظر دوركم في عمليات اعادة تصحيح التاريخ واعادة العراق الى عصره المجيد من جديد.