اغلب التقنيات المتقدمة الحديثة، هي وليدة العقل الصناعي الغربي المعاصر ، بشقيه الأمريكي والأوروبي، بنية وعتادا، يضاف لهما اليابان، وإلى حد ما الصين، التي بدأ نجمها يسطع في مجال التقنيات الرقمية، وباتت تزاحم التقنيات الغربية، بل وتنحيها من بعض الأسواق، بفعل أسعارها المتهاودة، التي تتناغم مع مداخيل المستخدمين، وتلبي رغباتهم، حتى وإن لم تكن تقنياتها بنفس المستوى من الجودة.
وتجدر الإشارة إلى أن التقنيات الرقمية،ومنها تقنيات الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، على سبيل المثال، قد شاعت في الاستخدام على نحو مريع، في كل القارات، وفي كل البلدان، المتقدمة منها، والنامية،على حد سواء، وبشكل لا يكاد يصدق.
ولعل توأمة تلك الأجهزة الذكية ذات التقنيات الرقمية، بالشبكة العنكبوتية، زاد من وهج الإستخدام،بشكل ملفت للنظر، حيث بدأ الإستخدام يتضاعف بشكل يقترب من المتوالية الهندسية، إذا جاز التعبير،نتيجة سرعة الاتصال، وتنوع تدفق المعلومات، وتعدد مواقع التواصل.
والملفت للنظر أن شريحة المستخدمين، قد ذابت بين مختلف حلقاتها، كل متطلبات معايير الاستخدام العلمية، وانتفت معها الحاجة إلى الخبرة المتراكمة، فباتت تضم في ساحتها الواسعة ، حامل الشهادة العليا، والمتعلم، والأمي، وعالم الذرة، وصباغ الأحذية، وبائع الخضراوات، وسائق العربة. كما اضمحل معيار العمر بين كبير السن، والشباب، والصبية، والأطفال حتى بعمر سنتين، أو ثلاثة سنوات،بعد أن أصبح الكل مستخدماً ، ولكن الأطفال تميزوا عن بقية الشرائح في الاستخدام، بشكل ربما يفوق في البراعة، وإتقان التفنن ،قدرات الشيخ الكبير.
ويظل سر سهولة الإستخدام بهذه الطريقة المتناهية في اليسر، بحيث بات يتقنها المستخدم، أيا كان عمره، ومستوى تحصيله العلمي،دون مواجهة صعوبة تذكر، أمرا يبعث على الدهشة، لاسيما، وان التقنيات الجديدة ، تحتاج ابتداءً إلى تدريب، وتلقين، لفترة مناسبة، حتى يتمكن المتدرب من اتقان استخدامها على النحو المطلوب .
ويلاحظ أن هذه التقنية الساحرة حقاً، قد انتزعت رغبة المستخدم، وجردته من حرية الإرادة، عندما ارغمته على الالتصاق بها، وحملته على الاستغراق في استخدامها حد الإدمان، عندما عزلت المستخدم عن وسطه الاجتماعي الحقيقي،حيثُ انفصل في تواصله عن محيطه، وأصدقائه، وعائلته، وذلك باندماجه كلية مع فضائها، وربما أصبح يعاف حتى تناول وجبة طعامه في وقتها، بل وربما يعمد إلى تأجيل قضاء حاجته في التبول، حتى يصل مرحلة الاضطرار.
وهكذا فنحن اليوم في مجتمع التقنيات الرقمية الحديثة ، قد أصبحنا أمام عصرنة صاخبة، تتميز بتقنية متمركزة في الإبداع، والعتاد، والبرمجيات التطبيقية،وحتى في التوريد، في نفس الوقت الذي تبدو فيه متواشجة، مع لامركزية استخدام مفتوحة بلا قيود،وذلك بغض النظر عن تداعيات الاستخدام ، وهو امر ملفت للنظر، بلاشك ، ويتطلب وقفة متمعنة، تعيد للإنسان المعاصر مجدداً، حس التواصل الحقيقي، ودفئ الارتباط الاجتماعي الفعلي مع مجتمعه، وبيئته، والذي خطفته منه هذه التقنية العجيبة .