ألعجز في الموازنة العامة يعتبر من أكبر المشاكل الاقتصادية التي تواجه معظم دول العالم وتهدد اقتصاداتها وحكوماتها, وتحدث هذه المشكلة عندما يفوق الانفاق الحكومي على العائدات الواردة الى الموازنة فيؤدي الى تراكم الدين العام ومن ثم الركود الاقتصادي, ولمعالجة هذا العجز وتقليله الى أقل مايمكن تلجأ الحكومات الى مختلف الحلول الاقتصادية المتاحة لذلك ومن أهم هذه الحلول الناجحة والمجربة هو ( تخفيض الإنفاق الحكومي ورفع سقف الضرائب العامة).
في العراق لو ناقشنا هذا الحل بشقيه وربطناه بتأثيراته الأساسية على المواطن البسيط الذي يعتبر هو الحلقة الأهم في أي حل تفكر به الحكومة لوجدنا أن الشق الأول من الحل ليس له تأثير مباشر وسلبي على المواطن فيجب التركيز عليه وتطبيقه بشكل حقيقي لمعالجة المشكلة,أما الشق الثاني من الحل فستكون له تأثيرات سلبية كبيرة على المواطن فيجب التعامل معه بحذر شديد وبدقة متناهية قبل اتخاذ القرارات, ولتوضيح الفكرة أكثر فان على الحكومة اتخاذ إجراءات حقيقية لتخفيض وضغط أوجه الانفاق الحكومي بشكل حقيقي وجاد وليس الاقتصار على الاجراءات الشكلية والثانوية التي اتخذتها الحكومة عند اعدادها لموازنة عام 2017 لأنها لن تساعد في حل المشكلة بشكل حقيقي, فالمطلوب اتخاذ قرارات جريئة لخفض وتقليص الكثير من النفقات التي يمكن الاستغناء عنها وأهمها ضغط نفقات الرئاسات الثلاثة التي لاتزال أرقامها ضخمة جداً لاتتلائم مع الوضع الاقتصادي الذي يمر به البلد وكذلك يجب تحديد الايفادات الحكومية الكثيرة والتي تكلف الموازنة مبالغ خيالية وتحديدها بالحالات الضرورية جداً وحصرها بأعداد قليلة وتقليل مخصصاتها ومنع ايفاد الحمايات الشخصية للمسؤولين خارج البلد, وكذلك اعادة النظر بالأعداد الكبيرة من عناصر الحمايات للمسؤولين وتفعيل القوانين والتعليمات التي نصّت على تحديد أعدادها لأنها تكلف الموازنة مبالغ طائلة يمكن الاستفادة منها في أوجه أخرة مهمة, وكذلك التركيز على محاربة الفساد بشكل حقيقي وذلك بتفعيل دور القضاء العراقي على أخذ دوره المفقود في القصاص من الفاسدين والعمل على إبعاده من التأثيرات السياسية والحزبية التي أفقدته دوره الحقيقي في ذلك.
أما الشق الثاني من الحل المتاح للحكومة وهو رفع سقف الضرائب بشكل عام فهو حل يمسّ حياة المواطن البسيط بشكل مباشر ويجب على الحكومة أن تتعامل معه بحذر شديد لأن تأثيرات تطبيقه ستكون مباشرة وسلبية على متوسط دخل الفرد وستخلق مشاكل اقتصادية جديدة, فالمواطن العراقي يعاني أساساً من انخفاض كبير في قدرته الشرائية وقلة فرص العمل وانتشار البطالة وقلة الخدمات الرئيسية نتيجة الظرف الاقتصادي والأمني الحرج الذي تمر به البلاد, لذا يتوجب على الحكومة أن تبعد المواطن البسيط من دائرة التأثيرات السلبية لقراراتها وحلولها التي تتخذها وذلك بأن تحصر الزيادات الضريبية على طبقة مرتفعي الدخل من السياسيين والتجار وكبار الموظفين وكذلك استبعاد الزيادة في الضرائب على الخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والوقود والماء لأن أي ارتفاع في أسعار
هذه الخدمات سيؤثر على أسعار السوق بشكل عام وبالتالي سينعكس على المواطن وسيخلق مشاكل كبيرة, اضافة للخدمات فان السلع والمواد الضرورية لحياة المواطن يجب أن تكون مستبعدة من الزيادات الضريبية ومنها المواد الغذائية والمواد الطبية الرئيسية والمستلزمات الدراسية والملابس وغيرها من الضروريات الرئيسية للمواطن, ويمكن رفع أسعار الضرائب على المواد والسلع الأخرى التي تعتبر من الكماليات وهي كثيرة جداً وتأثيرات ارتفاع أسعارها ستكون أقل على حياة المواطن الفقير وستحقق ايرادات كبيرة لخزينة الدولة.
دعوتي للحكومة عندما تدرس مشكلة العجز في الموازنة وعند وضعها للحلول واتخاذها للقرارات أن تضع مصلحة المواطن العراقي المسكين نصب عينيها وأن تفكر قبل التوقيع على أي قرار بمدى تأثيره على المواطن البسيط الذي يعتبر القيمة العليا في المجتمع.