لا تزال الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة الجديدة تأخذ إشكالا متصاعدة من قبل السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء المكلف المهمات ذات الصلة بالموضوع ، وترافق هذه الجهود مجموعة كبيرة من الإنباء والتسريبات ، جزءا منها صحيح والجزء الأخر مجرد تخمينات أو محاولات محبطة لانجاز هذه المهمة الوطنية ، فوجود حكومة قادرة على قيادة البلاد بالشكل الصحيح واحدة من الأمنيات السعيدة لشعبنا العزيز ، ومن الإخبار التي تناقلت بهذا الشأن هو اتجاه النوايا لتقليص عدد الوزارات إلى 15 وزارة ، ورغم عدم تأكد مصداقية هذا الخبر ونفيه أحيانا فانه لا يفرح الجميع وتعود أسباب القلق من هذا الإجراء هو ما آلت إليه تجربة وزارة الدكتور حيدر العبادي في حكومة تصريف الأعمال الحالية ، فتحت تبويب الإصلاح تم إلغاء وزارة العلوم والتكنولوجيا وتم دمجها بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي كما تم إلغاء وزارات المرأة وحقوق الإنسان ودمج وزارة البيئة بوزارة الصحة وغيرها من الإجراءات التي لم يثبت جدواها ، فما حصل فعلا هو إلغاء منصب الوزير والإبقاء على وكلاء الوزارات ومدراء الدوائر والاقسام والشعب والوحدات وقد وصل الأمر ببعض الوزارات الملغية إلى إبقاء المكاتب والحمايات بحيث تحولت بعض الوزارات ( المرشقة ) إلى شبه منتجعات لبعض الوزراء حيث يذهبون إليها عندما تكون لهم ضيوف أو لغرض الراحة والتخلص من أعباء الوزارة الأخرى (الاصيلة ) ، ولم يدخر بعض الموظفين جهدا حين استثمروا أو استغلوا هذا الوضع للانتقال بالدرجة الوظيفية والراتب إلى أماكن أخرى في الجهاز الإداري الحكومي للحصول على درجات وظيفية اعلي أو امتيازات مادية ومعنوية أفضل من السابق ، وفي داخل الوزارة الواحدة تم التصرف بالموجودات والأثاث للحصول على ماركة سيارة أفضل أو أثاث أجمل أو على درجة ارقي من الفخامة أو غيرها من المزايا والامتيازات ، ولا يخفى سرا إن هذه ( الاصلاحات ) قد أسهمت في زيادة عدد الفضائيين وتشتيت المجاميع المنتجة ذات الكفاءة العالية ، والبعض من الأقسام باتت خاوية من محتواها النوعي لان موجات من الهجرات شهدتها هذه السنوات ، ولو أجريت دراسات موضوعية حول فوائد ومضار الدمج والتقليص لوجد إن الكفة تميل إلى السلبية أكثر من الإيجاب ، لا لان الإجراء خاطئ 100% بل لأنه متعجل ولم يقوم على دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية ، فالسادة الوزراء الذين شملوا بهذا الموضوع لم يكن لديهم الوقت الكافي لوضع المقترحات والبدائل وما سيترتب عن هذا القرار ، وليس غريبا أن نسمع اليوم اصواتا تتساءل عن جدوى الفرار الذي اتخذ وهل في حقيقته إجراءا لأجل الإصلاح آم انه لأهداف سياسية تتعلق بإثبات الذات ؟؟ .
ولا يفصد من السطور السابقة وضع العصا داخل العجلة أو عرقلة الإجراءات التي ستتخذ لتشكيل الحكومة وإنما الاستفادة من الأخطاء الماضية وعدم الاصرارعلى تكرارها لان ( الخطأ ) الذي طبق في الحكومة الحالية سبقته أخطاء مماثلة لم تتم الاستفادة منها ، فقد سبق وان اتخذ قرارا بدمج المصارف الحكومية وإلغاء تخصصها وجعلها عامة وبعد سنوات قليلة ثبت فشل هذا الإجراء فأعيد التخصص لهذه المصارف ( الصناعي ، الزراعي ، الإسكان ، غيرها ) ، وفي سنة 1987 تم إلغاء ودمج العديد من الوزارات والدوائر وكان ضحيتها عشرات الآلاف من الموظفين الفائضين ثم ألغيت اغلب تلك القرارات ، بل إن بعض الأجهزة توسعت كثيرا رغم إنها كانت مشمولة بالإلغاء ، ولا نعتقد إن إلغاء ودمج الوزارات سيكون صحيحا (بالضرورة ) عند تشكيل الحكومة الجديدة لأننا بحاجة إلى تأكيد الكفاءة في القيادات التي سيتم اختيارها والفاعلية في الحكومة وليس إضعاف الأجهزة الإدارية ، ومن الممكن جدا المضي بسياسات الإلغاء والتقليص والدمج بعد المباشرة وظهور الايجابيات والسلبيات بعد تطبيق البرنامج الحكومي الجديد فالهياكل الإدارية تتبع البرامج وليس العكس ، ويثير البعض العديد من التساؤلات حول أسباب اللجوء لتقليص الوزارات في حين إن هناك قصورا قي الأداء ومنح الحقوق والعجز شبه الكامل في الإنتاج وفي تقديم الخدمات ، وفي مقابل ذلك تتوسع الصنوف والتشكيلات العسكرية والأمنية في حين يعيش البلد حالة جيدة من الاستقرار الأمني وتتم معالجة ما تبقى من الجيوب الداعشية والمجاميع الإجرامية يوما بعد يوم ، وتوجه الدولة هو نحو المدنية وتقليص عسكرة المجتمع ، والقصد من ذلك هو ترشيد القرارات بخصوص التوسع أو التقليص في الأجهزة والتشكيلات العسكرية والمدنية ليكون ذلك بشكل متوازن وموضوعي بما يعوض شعبنا جزءا من الحرمان الذي عانوا منه في الحقوق ومنها متطلبات العيش الكريم الذي أوصل معدلات الفقر إلى أرقام مخيفة بالفعل .
ونود الإشارة ها إن الدمج والتقليص غير المحسوبين بشكل دقيق له نتائج كارثية تنعكس على مجريات الحياة السياسية وغيرها ، فنحن على وشك الاستغناء عن الكفاءات الحقيقية والمهمة سواء التي درست في الخارج أو التي اكتسبت أعلى الخبرات ، ونقصد بالأخص منهم نهاية جيل خمسينيات القرن الماضي وبداية الستينات إذ ستتم إحالتهم إلى التقاعد حتما بسبب بلوغ السن القانونية مما يستوجب تحقيق اعلي استثمار منهم بنقل خبراتهم إلى ما يليهم من الأجيال وليس تعبيد الطرق لخروجهم من الوظيفة ، فالنسبة الأكبر من عدد الموظفين حاليا هم ممن اتوظفوا بعد 2003 واغلبهم لم تتاح الفرص في التصدي لمعظم المشكلات لان الكثير من المشاريع توقفت لأسباب متنوعة ، كما إن اغلب الوزارات الموجودة حاليا لديها قوانين وتعليمات وسياقات خاصة بها وإلغائها يعني إلغاء ما تم بنائه خلال عقود تشريعيا وعمليا والاضطرار للبدا من جديد ، وهي إضاعة للجهود والوقت والإمكانيات ، ومن جهة أخرى فان الإلغاء والدمج يربك الاستقرار المجتمعي ونحن بحاجة لطمأنة الناس وتامين رزقهم واستقرارهم بشكل يعيد اللحمة الوطنية ويجعل جميع الجهود متوجهة نحو هدف البناء وإعادة الاعمار و الاستقرار ونعزيز الأمن ، ونود التذكير هنا إلى إن التغييرات غير المحسوبة قد توفر بيئة مناسبة للفساد وخاصة عند ضعفاء النفوس مما يتطلب قدرا كبيرا من الرقابة للمحافظة على المال العام ، وهناك أسبابا أخرى عديدة تدعوا المخلصين للتاني في موضوع تقليص عدد الوزارات بدون حسابات ومقدمات ، ونتمنى من فريق السيد عادل عبد المهدي أن يأخذها بنظر الاعتبار ونحن لسنا ضد التغيير بل نؤمن به عندما يكون في التوقيت المناسب وضمن خطط توضع لهذا الغرض وتأخذ جميع الاحتمالات .