لو تصفحنا ما سرده لنا التاريخ في الكتب والمخطوطات بدءًا من الكتب السماوية -والقرآن أولها- وأحاديث نبينا محمد (ص) والأولياء والأوصياء (ع)، لوجدنا العامل المشترك الجوهري بينها جميعا هو حث بني آدم على المحبة والتآصر والتعاون في أمور الحياة جميعها، فرادى وجماعات، إذ تتبلور التوصيات والتبليغات وتتمحور النصائح والمواعظ بالحب والوئام، ونشر التسامح وإفشاء السلام. ومن هذا المبدأ قامت الشراكات والتعاملات على الأصعدة كافة ما بين الأفراد منذ اول النشء البشري الى يومنا هذا، وهي آخذة بالتوسع والتشعب مع متطلبات الحياة. فنرى اليوم الشراكات على الصعد التجارية والعلمية والسياحية والعسكرية والطبية والسياسية على قدم وساق، إذ تتسابق الدول والأمم بالتعاون فيما بينها، بصرف النظر عن ديانات شعوبها او قومياتهم او أعراقهم. ناهيك قطعا عن التعاون بين أبناء البلد الواحد والبلدة الواحدة، فهو بتحصيل حاصل يصب في مصلحة الجميع، ويسهم مباشرة في تقدمهم وازدهار بلدانهم دون استثناء.
العراق لايختلف عن باقي الدول من حيث مقومات التقدم والازدهار، فهو غني عن الوصف فيما يمتلك من كنوز تحت أرضه، من نفط ومعادن ومواد أولية لاتتوفر مجتمعة في دولة من دول العالم إلا ما ندر، فضلا عما موجود فوقها من مياه وأراض تصلح للزرع وعيش الضرع، مايكفي لجعله في مصاف الدول المتقدمة، لاسيما ان الشراكات معروضة عليه منذ منتصف القرن الماضي، من قبل الدول والشركات العالمية، التي وجدت في هذه الرقعة الجغرافية خير أرضية للاستثمار وتوسيع منشآتها، وهي بذات الوقت فرص لانفتاح العراق على منافذ عدة في قارات العالم الذي يسبقه كثيرا في كل المجالات والأصعدة.
منذ ست وثلاثين سنة وحتى يومنا هذا، مازال صدى تقرير سمعته من إذاعة (مونتي كارلو) عام 1980 قبيل الحرب التي زجنا بها القائد الضرورة آنذاك يرن في مسامعي، مفاده ان العراق سيتحول قبل نهاية الخطة الخمسية 1980- 1985 من دولة نامية الى دولة متقدمة. ومن المؤكد ان التقرير لم يُبنَ على تهيؤات او تصورات وهمية، بل كان مبنيا على دراسة مستفيضة أتت بهذا الاستنتاج. وبما ان الحروب جميعها خاسرة لامحالة، ولافوز فيها لكل الأطراف المشاركة بنشوبها، حتى التي حققت فيها مايسمى نصرا، فقد صار ذاك التقرير هواءً في شبك، وذهبت آراء المحللين الاقتصاديين أدراج الريح.
اليوم في عراقنا الجديد، لم يعد هناك قائد ضرورة متى مالوح بيده على (كونة) على الجميع الانصياع لأمره، والذهاب الى سوح الوغى، او متى ما شاء العزف على طبول الحرب على الجميع ان يغنوا معه (إحنا مشينا للحرب) أي أن مسببات العزلة والتخندق والانطواء ومقاطعة الأمم والمنظمات الدولية لنا لم تعد قائمة. أليست هي فرصة ذهبية على أصحاب القرار استغلالها وتجييرها لصالح البلد، للنهوض به من الكبوة التي طال وقوفه عليها؟ أوليس الانفتاح الى العالم يتطلب التأقلم معه بكل جديد يأتي به كنا معزولين عنه عقودا خلت؟ ألا يحث وضع العراق الجديد على بدء الشراكات بيننا نحن العراقيين، لاسيما شراكات بتغيير مخلفات ماتراكم من العقود الأربعة التي مرت سحابتها السوداء تاركة آثارا سيئة في نفوسنا وطبائعنا.
إذن، هي دعوة من حاضر عراقنا الى من تمسك بسلبيات ماضيه، لنبذها والالتفات الى الحاضر بإيجابياته، لبث الروح من جديد بتقرير إذاعة (مونتي كارلو) وإحيائه وتفعيله.
[email protected]