إذا ما كان المنشور عن تقرير اللجنة الحكومية المكلّفة التحقيق في أحداث البصرة صحيحاً، وهو صحيح على الأرحج، فإن التقرير غير ذي فائدة وإن عمل اللجنة غير ذي قيمة حقيقية، وكأن الإثنين لم يكونا في الأساس.
الغاية من تشكيل اللجنة التي تمثّلت فيها كل الأجهزة الأمنية والعسكرية العليا، هي الوقوف على حقيقة ما جرى في البصرة مطلع شهر أيلول الماضي، وبخاصة لجهة أعمال العنف المندلعة على هامش الاحتجاجات الشعبية السلمية، التي نجم عنها مقتل أكثر من 20 شخصاً من المحتجّين وإصابة العشرات من المحتجين أيضاً ومن عناصر الأمن، وإحراق وتخريب مقارّ حزبية ودوائر حكومية ومبنى القنصلية الإيرانية في البصرة.
التقرير المنشورة تفاصيل عنه منذ يومين لا يحقّق الغاية المنشودة.. إنه تقرير بائس إذ يعمد إلى التضليل ومجانبة الحقيقة. تكفي الإشارة، مثلاً، الى أنه يورد الرقم 9 لعدد الضحايا فيما تقارير الدوائر الرسمية، الصحة والشرطة، ومصادر تنسيقيّة الاحتجاجات اتفقت على أن العدد يصل الى 25. هل أرادت اللجنة بهذا التخفيف من جسامة الخسائر في الأرواح؟.. ألم يدرك أيّ من أعضائها أن مقتل شخص واحد خارج القانون هو خسارة جسيمة لأهله وأحبته وأصحابه والمجتمع بأسره؟
القضيّة الجوهريّة التي أنشئت اللجنة الحكومية من أجلها لا يعكسها التقرير، فما مِنْ تحديد واضح ودقيق للمسؤوليات. التقرير يُبرِّئ عناصر الأمن من أيّ عمل أدى الى قتل أيّ شخص.. هل هذه هي غاية تشكيل اللجنة؟.. لنقبل بهذا، مع أنه حتى الشرطة وسائر قوات الأمن في أكثر الدول تحضّراً وديمقراطية، كبريطانيا مثلاً، ليست بهذه الطهرانيّة والمهنيّة اللتين سعى التقرير لإسباغهما على أجهزة الأمن في البصرة.
لنقبل بما جاء في التقرير على هذا الصعيد، ولنبرّئ عناصر الأمن من أي عمل جرمي، لكن هناك قتلى وجرحى بالعشرات.. التقرير يتّهم”مندسّين”بأنهم القتلة والمخربون ومشعلو الحرائق.. هذا كلام غير ذي جدوى لأنه معروف ومُصرّح به منذ البداية. رئيس الوزراء حيدر العبادي ومساعدون له ومسؤولين في محافظة البصرة قالوا مثله، بل إن العبادي أشار الى عناصر مسلحة من”أحزاب وميليشيات”بوصفهم المسؤولين عن أعمال القتل والحرق والتخريب. ما كان منتظراً هو أن تكشف اللجنة الحكومية في تقريرها تفاصيل مفيدة في هذا الصدد.
مرّة أخرى، التقرير، بصيغته هذه، غير ذي نفع وفائدة، فهو يعيد الى الأذهان نتائج أعمال العشرات من اللجان التحقيقية المُشكّلة على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، التي لم تنته أعمالها الى نتائج ذات قيمة. وهذا التقرير، كما مثيلاته السابقة، له مردود سلبي في الواقع، فهو يعزّز الشعور بعدم الثقة بالدولة وأجهزتها الأمنية والإدارية، فضلاً عن أنه لا يفيد في شيء على صعيد أخذ العبرة مما حصل في البصرة وتجنّب تكرار ما حدث مستقبلاً.