كان عندما يريد احد الشباب إكمال نصف دينه، فان الأقارب أولى من غيرهم، وكما جرت العادة في الزيجات التقليدية تكون ابنة العم لابن عمها، وفي حال تقدم غريب لخطبتها فـ(النهوة) هي التي يأخذ دورها في إفشال هذا الزواج، وقد أعطى العرف العشائري حق (الفيتو) للأولاد العم في جعل الفتاة معطلة أو رهينة حتى يجعل الله لها مخرجاً. قد تكون الأعراف العشائرية في الزواج في الريف أقوى منها في المدينة التي تكون في الغالب ذات تركيبة سكانية متنوعة، لذا تلجأ بعض الأسر الراغبة في البحث عن فتاة مناسبة لابنهم إلى (الخاطبة)، وهي من نساء المحلة اللاتي يترددنَ على البيوت بحكم عملها كـالدلالة والحفافة، وهذه الأخيرة تعد صالون المحلة النسائي الذي يحلو فيه حديث الزواج من خلال كلمات المديح والإشادة التي بهذه وتلك الفتاة التي تُطلق الأمهات عند هذه المرأة على أملٍ في الحصول على ابن حلال مناسب لبناتهن. وتحصل الخاطبة على مبالغ مالية من الطرفين (أهل ولد والبنت) معا ،وكلما كانت الأعطيات جيدة كان العمل دؤوباً ومثمراً. بعد هذه المرحلة يأتي دور أهل العريس الذين يرسلون لجنة تقصي الحقائق مكونة من ذويه من النساء من اللاتي أكثرهن خبرةً ودرايةً في أمور معرفة أحوال الفتيات، والوقوف على حقيقة الأمر عن كثب. وتكون أم العريس هي من تترأس هذا الفريق التي يقوم بفحص الفتاة من الرأس إلى أخمص القدم حتى أن بعض العجائز لاسيما الجدات يقمنَ بقرص الفتاة، وشدها من شعرها للتأكد من سلامة النطق وغيرها من الأمور غير واضحة للعيان. تكون (أم العروس وحبايبها) على علم بقدوم فريق تحري هذا، لذا يعملن على إظهار الاهتمام والحفاوة، وحسب الموقف حين يحتاج إلى المرونة والشدة والمباهاة ،أي (وحدة ترفع والأخرى تكسب). وعادة ما تجري هذا المباحثات بسرية دون علم الرجال الذين تكون مهمتهم رسمية إلى حد ما في تحديد المهر، ومراسيم الزواج، وعقد القران وإحضار وجهاء المحلة.
عندما تعود لجنة التقصي يسود البيت مناقشات محتدمة حول الفتاة، وفي حالة وجود قناعة كاملة من الجدين والأبوين يتم مفاتحة الشاب عن وجود رغبة في تزوجه والعروس المناسبة موجودة ،وتبدأ الأم بوصف (كنة المستقبل) بالأوصاف متعارف، منها : العيون ساعة، الحلك فستقة، الخشم كبابيية، الطويل خزرانة) ثم تختم الأم كلامها ” تكول للكمر غيب وانه مكانك ” . أوصافٌ مبالغ فيها لأجل تحبيب الولد في هذا الزواج.
أما الرجال ،فاغلبهم يعرف بعضهم بعضاً، مجرد أن يتم يطرح اسم معين تكون الإجابة :هي بنت فلان الفلاني ويعمل كذا وكذا ثم يعدد أفراد الأسرة فرداً فرداً. هذا معلومات يمكن الحصول عليها بكل سهولة من اقرب صديق، وربما يكون خير من يُسأل عن هذا الأمر هو مختار المحلة الذي يعرف المنطقة وعوائلها.
ولا يشاهد الشاب فتاته المختارة من قبل الأهل، ألا في ليلة العرس،عندها يكون الفأس وقع بالرأس ،وفي حال يكتشف أن الأوصاف غير مطابقة : العيون دكم جابي ، الحلك حلك جرية ،الطول بستوكه ،والخشم منكار لقلق)،هنا لابد من الخضوع للأمر الواقع والقبول القسمة والنصيب أن تأخذ مجراها، وعليه فقط سماع (هوسات) العرس المتناقضة، لاسيما عندما تكون العروس (ملحة): ” فصوص روبه ياكفاها، وين دورها ولكاها” ! أو عندما يهزج احدهم في عرس مطلقة أو أرملة” جبنالك برنو ما ملعوب بسركيها ” كناية عن عذرية الفتاة، وأنها لم يسبق لها الزواج من قبل ،والأدهى والأمر من كل هذا عندما يتكفل الأبوان بدفع كل مصاريف الزواج ويردد حبايب العريس( جد ذراعه وعرس بيه).
أما اليوم، فتغير الوضع عن ذي قبل،(الخاطبة) أصبحت مواقع التواصل ،وهنا لابد من الاستعانة بخبير في التجميل حتى يتأكد أن الفتاة جمالها رباني بعد أن اختلط البال بالنابل.