23 ديسمبر، 2024 6:41 م

كلُّ الطيور لها تقاسيمُها الوترية ، مُسوّرة بأغاريدَغجرية،  لها نفَسٌ من وله ٍ طازَج،  يمورُبين الضلوع ، يضمّ ذوائبه المتشعبَة طيّ كرٍ ّوفرّ ، فالمدى  دثّرَ أطرافَه ُ بفراغ العلب. . انا مذ رماني رحمُ أمي جرفتني قارعة ُالضياع غشّني مجدٌعبثيٌّ، فرجّعني الى جذوري عارياً من كلّ تلد ، فالهوى مثل ُالهواء كان ضدي ، مزّق غناءَ شراعي ، وشاخ ثمة عزّي ، تورّم عشبُ رُوعي، تيبّسَ رَيثي ، وغام سعيري . ايُّ صبح سلس في انتظاري ؟ حسبيَ أني حسوتُ بقيّة َ حزني، وكتمتُ خزينَ رؤاي ، غشّني هاجسُ يأس ، فتعالَ يا حظُّ ُّ، خذ ْمني
عَتهي ، دَعْني في ضحى الصخد، وخلّ ِالبسمة تتوسّدني، يتوردُ أويتوعّر ُفيّ زمنُ القطاف ، فالعيونُ الناعساتُ لظى الترقّب . تبيتُ جُلّ ميقاتها تقيسُ قامة َ مَنْ يمرّ، تترجّلُ بلا تعب في قيوظ الدنانير، واللغو الصاعد من قيعان الغرف المسترخية طيّ الظلمة ، كأنّ في شِعابي اخُوّة َ كلمات لم تُضرسْ بعدُ، وجهُك الطفلُ يتمرّغُ في الفُوضى، يقطفُ فرصَ السعد. اشهدُ انّ هذا الملاذ متخمٌ بالمفاجأة ، عدْ معيْ الى مبتدأ الشوط ، نمارسْ لعبتنا ، أنا في انتظار الكلم تهطلُ من عسل شفتيك، بها أثبتُ شأني وفرادتي ليمكثَ ضوعي وصوحي وشاطئي ……
بك أيّها التسامحُ أشدُّ ازري ، بقُربك تتشبثُ قُواي ، ذلك أنّ تحت افيائك تشمخُ كبرياؤنا ، توغّلُ بنا في دروب المستحيل . نحنُ خلائقُ التوافق ..لا يجرح ُ لدينا لسانٌ اذناً بمبذول الكلم . بل ترعرعنا وتربّيناعلى ان نتفق. فهنا المأوى والملاذ تحت فيء الشجرة . أمانٌ كالنسيم يتدفق من كل ّحنية . لنكنْ خلائق نتصل بالأمل .
……………………………………… ثمّ
كنتُ اجتازُ ممرّاً ضيّقاً طويلاً وحسبُ . والجدران من حولي صفرٌبنيّة ، بين كلّ بضعة أمتار على اليسار باب، موصد أو مفتوح . ومثلها على يميني نوافذُ مٌطلة على فضاء أجرد . تذكّرتُ اني عشتُ في احدى هذه الغرف . ففيها سريران وبضعة مقاعد ومطبخ صغير وحمام . اذن ، هي شقة صغيرة .كانت نافذة المطبخ تُطل على مبان ، قريبة وبعيدة ،  وغابة ، وطريق ترابي ناحل يحاذي ذا المبنى .عبرتُ الممر الطويل برمته من دون توقف ودفعني بابٌ الى الخارج، صرتُ على البلاط الترابي بعد ثلاث درجات . على ميسرتي عمالٌ يقومون بصبغ تخوت طويلة ممّا يستعملُ في مقاهي بغداد الشعبية . كانت رائحة السبرتو تصعدُ من خلال صبغ الدملوج . اذن، ما زال الاهتمامُ قائماً بالمهاجرين ، القادمين من اصقاع الدنيا العربية والأسيوية والأفريقية . كنتُ ، خلال سكني في احدى غرف هذا المُجمع ، اجلسُ مع اكاديمي سوري يحمل الجنسية الأمريكية ، جاء الى هذه المدينة بصحبة زوجته التي تدرس علم الجينات من اجل الحصول على شهادة الدكتوراه . كان الرجلُ في اجازة مرضية بسبب خلل في صمامات القلب .حيناً كنا نتحاورُ وحيناً يسمعُ اليّ وأنا اقرأ له احدى قصصي الجديدة . كان يغفو احياناً بسبب الملل الذي يغشاه فاوقظه من اغفاءته .وألومه ، فيُجيبني : / أنا لا استطيعُ ملاحقة واستيعاب صورك الكثيفة ، لذلك اغمضُ عينيّ لأسمعك وحسبُ / ولطالما أمضينا امسيات ماتعة قبل ان تأتي زوجتي وانتقل الى شقة مستقلة .فالغرف كانّها توائم ، واذا كان عددُ افراد العائلة كبيراً فتُمنح شقتين متجاورتين لأنّ بين كل واحدة بابٌ يُفتح أو يوصدُ حسب الطلب . حين تركت المكان صرت في حنية اخرى ، بل في عيادة طبيب كان يقوم بفحص مريض مُدمن . كتب له علاجاً ومضى كلاهما واختفى ، وجاء طبيبٌ ثان يحمل علبة حبوب ، ناولني اياها : / هي حبوب المورفين ، عليه أن يتعاطاها ، حبة ً أو حبتين في اليوم ، ان رأيته اعطها اياه / أنا لا أعرفه / ظننتك صديقه / لكن الطبيب الآخر منعه من تناولها / هزّ يده مستاءً وغادرني . كنتُ في حيرة : فمَن اصدّق ، ذاك يمنعه وهذا يسمح له تعاطيها .بعد حين وجدتُني في مكان آخر : ربّما داخل قطار توقف في محطة مجهولة . كنتُ اجلس جوار الباب ، فجأة ً توقف الى جوارنا قطارٌ آخر جاء من الجهة المعاكسة . نزل سائقه وصعد الى عربتنا وبدأ يتحّثُ مع احدهم في شأن عائلي . كنت احملُ بيدي مسبحة بنيّة الحبات غالية ، فجأة انقطع الخيط وتبعثرت حباتها ، ترك الرجلان حوارهما وانشغلا بجمع الحبات المتفرقة ، وانضمّ اليهما آخرون ، أخرج سائق القطار منديله الوسخ فرمى كلّ واحد ما جمعه فيه : / اظن أن معظم حباتها تمّ التقاطها وعليك اعتماد خيط متين / شكرته ، ثمّ افرغتها في جيبي واعدتُ اليه منديله . لا أدري متى غادر قطارنا تلك المحطة ، لكني رأيتني في صالة طويلة أجلس على سريري اقرأ في ورقة ، دخل القاعة شاب وناولني مظروفاً :  كلفوني بايصالها اليك / وخرج تاركاً اياه بيدي . كنتُ ابانئذ عاطلاً عن العمل ، وربّما اعطيتُ هذا الملاذ مع ثلاث وجبات طعام مجانية لقاء القيام بتصحيح بحوث يكتبها طلبة الجامعة نهاية الفصل الدراسي . حين انتهيت من قراءة الورقة فتحتُ المظروف بتثاقل ولا مبالاة ، ثمّ صُعقتُ وفوجئت ، يا للسعادة : فقد عيّنتني احدى وزارات الثقافة في بلد خليجي مستشاراً ثقافياً براتب خيالي مع شقة مؤثثة . كدتُ ارقص طرباً . وبرفقة الكتاب بطاقةُ السفر مفتوحة لأسبوعين . سأخبر عائلتي التي تُفاجَأ بهذا الخبر الخيالي . واقدّم فوراً الى ادارة هذه المؤسسة طلباً لاعفائي . واغادر وضعي البائس الى الأبد …
…………………………………….
أمّا بعدُ
في الفندق الغرائبي لدينا سريرٌ ننامُ عليه ثلاثتُنا : أنا وأخي وعجوزٌ ترتدي ثوب النوم . أنا في الوسط ، هي على ميمنتي ، وأخي على ميسرتي .  هي تنقلبُ يميناً ويساراً ةتُصدرُ شخيراً عالياً . أنا حبيسٌ بينهما ، لذلك قررتُ ترك السرير . كانت رؤوسنا تُجاه الممرّ وأرجلنا نحو الجدارالرصاصي العاري من كل زينة .  وبصعوبة سحبتُ نفسي الى الوراء ، وهويتُ ، سقطت عجيزتي على البلاط الصقيل . لم أحسّ الماً . لكن ، أين نحنُ ؟ أفي فندق ؟ ليس فندقاً على أيّ حال ، بل صالة طويلة شبه فارغة الا من سرير هنا وآخر هناك . لكن ليس حوالينا نزلاء آخرون .  وأغرتني برودة البلاط فاستغرقني النومُ . نمتُ بلا وسادة أو لحاف . لكن لمَ لم انتقل الى احد الأسرة الفارغة ؟ لعلّ النعاس سمّرني في مكاني . فتحتُ عينيّ ، كان الصبحُ يشقشقُ في الخارج : ضوءاً واغاريدَ طيور، ونسماتٍ بليلة ًتنهمرُ من النوافذ المفتوحة .لكنّ الأغرب اني مُذ فتحت عينيّ فوجئتُ بثلاث فتيات مراهقات يحرّكنَ سيارات صغيرة تنطلق بسرعة ويركضنَ وراءها الى أن تتوقف . واذا لم ابالغ فقد كادت احداها أن ترتطم بعيني اليمنى وما زال رأسي على البلاط . تُرى مَن ْ يكنّ ؟ / لقد استيقظ ، همست احداهن / انّه مُسالمٌ لا يضمرُ شرّاً ، اضافت الثانية / والثالثة ُ لم تقل شيئاً ، بل رمقتني بعدوانية مُبطنة ، أنا أعرفُ لغة العيون . وبصعوبة وقفتُ على رجليّ ، كان سريرُنا فارغاً ، ومُضطرباً ، ترى أين مضيا : اخي والعجوز . فجأة ً نطقت الكاظمة ُ غيظها : / انهما في المطعم يتناولان الفطوروبوسعك أن تلحق بهما اسرع قبل أن ينفدَ الطعامُ والقهوة / كان البابُ المُفضي الى المطعم قريباً مني وعلى ميسرتي . بيدَ اني توجهتُ نحو الطرف الآخر ، في أقصى اليمين ولم أكد اخطو بضع خطوات حتى نبهتني احداهن : / المطعمُ هناك على اليسار .لم أعرها اهتماً وتركتُ المكان ورائي مكتظاً بكركراتهن وحركاتهن السريعة الضاجة .كان الضحى مُنوّراً في الخارج . نهارٌ صيفي خلّاب . يذرو ضوءاً مخمليّاً يوقظ الحواس الخاملة . … ثمّ تساءلتُ : / الى أين ستمضي بي خطاي ؟ / لكن قطع تداعياتي صياح رجل خرج من فوهة احد الدكاكين : / استاذ ، لقد انجزنا تجليد كتبك ، توقف رجاءً لتأخذها معك / لا اتذكّر اني دخلت هذا المحل و سلمت كتباً لتجليدها ، بيد انه صرخ بنبرة جادة : / انظر ، هذه فاتورتك ، وعليها اسمك والمبلغ الذي دفعت . اوه ن يبدو أنك نسيت ، لا عليك كلنا نمرُّ بهذه الحالة / ناولني كيسَ بلاستك ثقيل وتركني عائداً الى دكانه . ومضيتُ انا الى الفندق ، ساترك الكيس جوار سريرنا . غير أن السرير كان مشغولاً بالفتيات الئلاث اللائي كنَّ يقفزن فوق الفراش ويكاد ضجيجُ صراخهن يفجّرُ القاعة . كنتّ عزمتُ على ولوج المطعم والخروج من الباب الى الشارع . ثمة طريق فرعي يمكن من خلاله النزول الى احشاء المدينة ، ولعلي التقي اخي ونتغدّى معاً . وما أن اوصلتني سيارة التاكسي الى وسط السوق ، حملتني خطاي الى مكان آخر ، حنية في احشاء ذاكرتي نسيتُها من أمد طويل …..