بعدما عَمَّت نائبة التطبيع في الساحة العربية إثر زيارة الرئيس السادات عام 1977 كسمة لحقبة التراجع العربي امام الدعم العالمي للصهيونية , عادت لتعمّ هذه الأيام صيحة التقارب بين حكام نجد والحجاز وبين العدو الصهيوني – الماسوني متزامنة مع صيحة ارتفاع اسعار النفط الخام كسمة لعصر تشوّه به الإقتصاد العالمي ومعه المواقف السياسية بسبب جائحة كورونا وجدري القرود وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ,
وأخيرآ صيحة قرب القاء القبض على الفاسدين الذين نهبوا ثروات العراق والتي اطلقها السناتور الأمريكي لندسي غراهام في زيارته التي اجراها للعراق في الرابع من تموز الجاري .
ففي صيحة التقارب وتجاهل ماقام به العدو الصهيوني من قتل متعمد للشعب الفلسطيني ممثلآ بالعديد من الشهداء في القدس وجنين وآخر تلك الضحايا القتل المتعمد للصحفيين وخاصة الصحفية شيرين ابو عاقلة امام العالم الذي شطرته امريكا بالمواقف الى نصفين ; الأول تألف من انظمة ذات اهمية جيوسياسية تأسست بالإستعمار وتبعتها دول صغيرة خضعت لأهداف مادية ,
والنصف الثاني تألف من دول تحررت من الإستعمار وهي الى الآن تناضل من اجل النمو والسيطرة على سيادتها واستقلالها على الرغم من خضوعها لإبتزاز السياسة الأمريكية من حين الى آخر , ويمكن ان نشبّه هذا التجاهل بتجاهل حكام الإمارات وهم يستقبلون رئيس وزراء الهند القومي الهندوسي المتطرف المدعو نارينداري مودي في الثلاثين من حزيران 22 رغم انه وراء التصريحات المسيئة للرسول ولم يعتذر عنها شخصيآ وعلنآ للعالم الإسلامي .
وهذا التجاهل بشكل عام يعبّر عن ان شريحة حكام التطبيع الخاضعين للهيمنة السياسية البريطانية سابقآ والأمريكية لاحقآ , يتبعون المسار المادي التجاري ويجدونه رائعآ ويفضلونه على المسار الفقهي الشرعي الذي جاء به وسار علية الرسول الكريم , بل وانكروه ليؤسسوا انظمة ذات توجه سياسي لايرتكز على تراث الدين الذي تجده عائقآ امام التطور وتغيّر الذوق والمزاج بين الناس وامام الإنفتاح , بل يرتكز على المعايير الجديدة التي يفرضها الكون المتغير .
من الكيانات السياسية التي خضعت لبريطانيا التي هي بدورها صنعت من عملاء هذه الكيانات حكامآ في الأقاليم وعقاربآ لها في المنطقة , هي أولآ الهند التي مازالت تلبي دعوات بريطانيا في إقامة اتفاقيات تجارية وإستراتيجية رغم ان موقفها من الحرب الروسية – الأوكرانية يختلف عن موقف بريطانيا التي تحاول جرها الى المعسكر الذي يشجب الغزو الروسي وكأنها مازالت مستعمرة بريطانية ,
وثانيآ مملكة نجد وحاكمها عبد العزيز آل سعود الذي جعلته بمثابة الأفعى الأولى التي ورثت أملاك الدولة العثمانية , والتي ابتلعت الكيانات الأخرى الصغيرة ليتوج عليها ملكآ وحاكمآ أوحدآ بعدما دعمته من الناحية العسكرية , في حين انها غدرت بالشريف حسين بن علي بعدما دعمته بشكل مزيف لغاية في نفسها واجبرته فيما بعد على التنازل عن عرش الحجاز لآل سعود مقابل ان تنصّب له نجليه على عرش العراق والأردن .
إذن في بيئة صيحة التقارب سيرتكز الصراع العربي – الصهيوني لوحده الآن على الشعب الفلسطيني والدول الداعمة له معنويآ فقط بغض النظر عن الدعم الإيراني الذي لم يُحدث فرقآ في الخارطة الجيوسياسية الفلسطينية التي وُرثت بعد حرب 1967لصالح العرب من ناحية , بسبب فرض العقوبات الإقتصادية المكثفة علي إيران في عهد الرئيس المسيحي – الصهيوني العنصري ترامب بحجة رفضها لإعادة نصوص الإتفاق النووي الى نصوص جديدة تدخل في ضمنها تحديد مديات وتطوير صناعة الصواريخ البالستية من اجل تحجيم دورها في الصراع الفلسطيني – الصهيوني من ناحية اخرى .
وهذا الدعم الذي لم يُحدث فرقآ على الصراع هو الذي خلق حجة اليأس من إيجاد حل للقضية الفلسطينية لدى حكام دول التطبيع الحديثة وهي البحرين والإمارات والمغرب واضمرته السودان وسلطنة عُمان لتحين ساعته , الذين كشفوا عن تلك الحجة وقالوا علنآ في وسائل الإعلام ان العالم يتبدل يوميآ وهم مازالوا متخلفين بسبب القضية الفلسطينية .
وإذا تبلور بالتقارب قرارآ للتطبيع بين مملكة نجد والحجاز في اثناء الزيارة المقررة لرئيس امريكا الصهيوني بايدن الى الرياض في منتصف تموز 2022 , فإن العلاقة بين هذا الجزء من الجسم العربي وبين الكيان الصهيوني ستنتقل من السرية بينهما , والتي دامت لسنوات عديدة , الى العلن . اما السودان وسلطنة عُمان ومعهما موريتانيا فسيعلنون التطبيع بشكل سافر خضوعآ للهيمنة السياسية الأمريكية ومملكة نجد والحجاز في وقت لاحق .
ومما يدل على دواعي هذا التطبيع الذي يبدو كسباق يمنح من يشترك فيه جائزة , هو إيضاء فكرة بناء شرق أوسط جديد يجاري اوربا في ذهن ولي العهد الحجازي – النجدي الشاب الذي اعلن عن ذلك بنفسه بكلمة القاها في اعمال النسخة الخامسة من مبادرة مستقبل الأستثمار التي اقيمت بالرياض في السادس والعشرين من اكتوبر 2022 .
والجديد في هذه العلاقة التي يدفع بها بايدن لتكون علنية وتقف معه اوربا العنصرية , انه يرمي الى خلق محور للتطبيع بقيادة مملكة نجد والحجاز , وهذا ممالاشك فيه يكشف ان امريكا وعدت ولي العهد بهذا الحلم كمكافأة لسباق التطبيع وحل جميع المسائل المتعلقة بينهما لاسيما في قضية اغتيال عدنان خاشوقجي التي يقف ورائها ولي العهد وعودة العلاقات بينهما ليهنأ بمنصبه الذي نبذته العديد من الدول المحبة للسلام بشكل عام , وامريكا رغم ديمقراطيتها المزيفة ورغم انها وعدت بجعل المملكة دولة منبوذة بشكل خاص , ولكن من اجل ان تستثمر ذلك كورقة ضغط لجر الأمير الشاب الى ذلك الحلم بعربة التطبيع الملكية التي حان موعدها.
ولايستبعد من ان امريكا ارادت لولي العهد النجدي أن يضطلع بدور الأفعى الثانية فيصل الى ابعد من ذلك في حلمه , كأن يغيّر ماورثه تحت اسم المملكة العربية السعودية الى إرث اسم جديد وهو المملكة العربية المتحدة السعودية في خضم ذلك الشرق الأوسط الجديد ليضم حلمين الى قائمة احلامه فيحطم بهما رقم سلفه الشيخ عبد العزيز آل سعود الذي استحوذ على الأراضي العربية إبان الثورة العربية الكبرى وتحالفه مع بريطانيا الإستعمارية ,
وليكون الباني والمؤسس لهذه المملكة الجديدة التي ستؤول الى امبراطورية بسلسلة من الملوك والأميرات وعلى طريقة امريكا التي حلمت بالقوة العسكرية وتم لها ذلك فطردت جنود بريطانيا المحتلين من اراضيها عام 1776 وأستحوذت على اراضٍ مكسيكية تعادل مساحة العراق بالمؤامرات والحيلة وعلى ممتلكات بريطانيا ومواليها على الأراضي الأمريكية وعلى اراضي عربية في الشرق الأوسط بعد معاهدة سايكس-بيكو , سيما ان الدول المحيطة بالمملكة هي دول ضعيفة وخاضعة للهيمنة السياسية والإقتصادية لها ومن السهولة ان تنضم اليه لقاء احلام يوزعها عليهم بما يتناسب .
ولو نقرأ مراحل خلق محور التطبيع من زاوية أخرى , نرى ان الدول التي كانت خاضعة للإستعمار البريطاني جميعها مازالت عقاربآ موالية وخاضعة للإبتزاز السياسي لها وعلى رأس تلك الدول الواقعة في الشرق الأوسط هي مملكة نجد والحجاز والبحرين والإمارات وقطر والكويت والسودان والأردن ومصر في عهد حسني مبارك وعهد السيسي ,
وهذا الوعد الفارغ الذي وعدت به امريكا للمملكة يتشابه مع ; أولآ , وعود اوسلو التي كانت جميعها مهينة للقضية الفلسطينية من بينها ان الكيان الصهيوني لايعترف بفلسطين كدولة ذات سيادة وإنما ذات حكم ذاتي على الضفة الغربية وغزة فحسب , ورغم الوعود المهينة ولكن لم يتحقق منها شيئآ , بل أن الكيان استحوذ على اراضٍ فلسطينية تقع ضمن اتفاق اسلو بالقوة وامام انظار العالم كله ,
ثانيآ , يتشابه مع وعد تجهيز الإمارات بطائرات أف 35 . ثالثآ , يتشابه مع وعد ان تكون مملكة البحرين في أمان تام من المعارضة الوطنية ومن تهديدات إيران الإسلامية التي يتحجج بها امراءها , مما تسبب في نشر الكيان الصهيوني بمعاونة امريكا مجموعة من منظومات رادارات للإنذار المبكر كخطوة اولى على دعم الأمن للإمارة الصغيرة ولدولة الإمارات ايضآ .
ولكن هذا الإفراط بزخرفة الوعود الأمريكية التي جعلت من فم الأمير ان يتبجح كونه هو الذي سيتولى امر هذا الحلم الذي سينجب عن واقع حقيقي مئة بالمئة متناسيآ ان العالم الذي اختاره ليصنع به هذا الحلم سيفقده دوره في قيادة العالم الإسلامي وستتقلص به الثقة الدينية ليتمحور مع الصهاينة اكثر فأكثر كرد فعل تعكسه الحالة النفسية التي صنعتها له تلك الثقة المتقلصة وسيخسر بالنهاية كل شيء وستلعنه الأجيال .
وليعلم الذين وقّعوا على اوراق التطبيع انهم بالحقيقة وقعوا على قانون يحظر النضال ضد الصهيونية فحسب من ناحية , وانهم لم يضعوا الحصان امام العربة من ناحية اخرى , اي ان التطبيع لاينتمي للعقيدة الإسلامية ولم يلد من رحمها لا من بعيد ولا من قريب , وسيظل النزاع بين العرب واليهود قائمآ الى يوم الدين او يحضى الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة بالأرض كاملة .
وهذا الكلام يعرفه الغرب المسيحي – الصهيوني وتعرفه الماسونية العالمية ويعرفة بني اسرائيل الذين هم الأتباع الحقيقيين للنبي موسى عليه السلام , والغرب العنصري يعرف ان ولي العهد سيصدق حتى لو قيل له ان بالتطبيع ستذهب النوق الحمر الى اسواق تل ابيب معززة مكرمة وستكف عن اكل الكلأ والأصداف والأملاح واكياس النايلون لتأكل الهمبرغر والبرغل والأرز وستدفع فواتيرها سلطات الكيان بالدولار , ولاقيود رسمية على تجولها في شوارع تل ابيب إذا رغب السادة رعاتها الذين سيتحولون بحلم ولي العهد الى قادة للعيس في الصحراء بفضل التطبيع , وهذا بسبب الذهنية التي عبثت بها امريكا طيلة عقود حتى انجبت هذه الأحلام الشريرة في عقول هؤلاء العقارب الذين صنعوا بسلطانهم السوء نفسه الذي صنعته الدولة الأموية والعباسية على حساب الدين والتراث الإسلامي .
وهناك اسباب كثيرة على الإعتقاد ان زيارة الرئيس بايدن الى المملكة وزيارة عضو الكونغرس الأمريكي لندسي غراهام تقعان ضمن إطار هذا الإبتزاز السياسي كما ورد في الأسطر السابقة , ففي ما يقوم به غراهام وهو ينشر تصريحاته الداعية الى متابعة الفاسدين وإعادة المليارات المسروقة الى العراقيين ماهي إلا لإختطاف تأييد الشعب العراقي له , وهو من جانب آخر إيحاء يدعو به الى التطبيع لخلق واقع خيالي كالواقع الخيالي بجعل الشرق الأوسط اوربا جديدة , وما هذا الواقع الخيالي إلا مكافأة تقدمها امريكا للعراق .
ولعل سائل يسأل : كيف تعيد امريكا اموال العراق المسروقة وهي نفسها التي سرقت كنوزه وآثاره وحتى غطاء العملة من الذهب , وسرقت نفط سوريا ومازالت اثناء غزوها لهما ؟
الجواب : ان ماينطبق على الدول الخاضعة للإبتزاز السياسي بعد استقلالها من الإستعمار وتنصيب الحكام المدجنين عقاربآ عليها , ينطبق على المدجنين من السياسيين بسياسة امريكا اثناء الغزو وبعده , فهؤلاء ليسوا رجالآ اسوياء , بل اكباش فداء وعقارب صنعتهم ليليق بعالمها المادي الليبرالي الذي يجرهم الى التطبيع , كما صنعت الكيان الصهيوني لتحقيق الأهداف البعيدة , على الرغم من ان هذه العقارب غير معروفة لحد الآن بشكل واضح .
ختامآ , ان الدول التي تبنى بالأحلام وفي عالم مادي خال من الدين والأخلاق لابد من نهايتها سواء بسقوطها كما سقطت الامبراطوريات السابقة وتجزأت الى ممالك عديدة , أو تكون موالية الى دول اخرى الى الأبد , وما تقارب ولي عهد المملكة من الكيان الصهيوني إلا كتقارب الأفعى من العقرب لغايات مادية ستزول بحتمية زوال امريكا التي زيفت العلاقات والمنظمات الدولية وشجعت على بروز دور المسيحية – الصهيونية والماسونية الصهيونية والعنصرية الأوربية اثناء الحرب الروسية – الأوكرانية بالقوة ومعها الكيان الصهيوني العنصري , وقد قيل من قبل أن وراء كل صباح مغرب .