18 ديسمبر، 2024 10:55 م

تفعيل المظاهرات الى مشروع وطني اصلاحي

تفعيل المظاهرات الى مشروع وطني اصلاحي

يشهد العراق في كل عام موجة من الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية في محافظات الجنوب والوسط والعاصمة بغداد تتصاعد وتيرتها مع ارتفاع درجات الحرارة في شهر تموز والتجهيز المتذبذب للتيار الكهربائي بالإضافة الى نقص الكثير من الخدمات وانتشار البطالة نتيجة ايقاف حكومة العبادي للتعيينات منذ تشكيلها بحجة التقشف وعدم وجود التخصيصات المالية اللازمة .

وبالرغم من هذه المظاهرات والاحتجاجات بدأت بصورة عفوية وبحراك شعبي الا ان مسارها سرعان ما تتعرض كالعادة الى التحريف والتشويه من قبل بعض الجهلة والحمقى الذين خرجوا من اجل التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة منتهزين فرصة غياب الحضور الامني في الشارع ، وبهذه الطريقة وغيرها من الوسائل والاساليب الماكرة التي يتفنن بها بعض الجهات السياسية والطائفية يتم تمييع مطالب المتظاهرين وتقنينها الى حد التلاشي والاضطرار للقبول بالوعود الكاذبة للمسؤولين بحل مشاكل البلاد والعباد والذين سرعان ما يطلقون جملة من الأكاذيب تحت عنوان الاستجابة لمطالب المتظاهرين كما حصل في البصرة وذي قار وميسان وغيرها من المحافظات ..

في غضون هذه الاحداث المتصاعدة أنبرت المرجعية الرشيدة لإداء واجبها وتكليفها الشرعي والوطني تجاه الشعب المحروم من أبسط حقوقه المشروعة ، وفي غضون أسبوع ونيف من (2018/7/19) ولغاية ( (2018/7/28) ، كثف سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي نشاطه وحراكه ، وتلخصت بعض معالم ذلك الحراك المرجعي بالعديد من اللقاءات مع رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق ( يان كوبيتش) بالإضافة الى اعداد من الاساتذة والأكاديميين وأعيان المجتمع ، وصدرت أثر تلك اللقاءات ثلاث بيانات عن سماحة المرجع وضع فيها أصبعه على الجروح التي يئن منها الشعب والاسباب التي ادت إليها بالإضافة الى خرائط عديدة للخروج من أتون دواماتها الجارفة الساخنة والمجهولة النهايات .

كان موقف المرجع اليعقوبي من تلك المظاهرات واضحاً من خلال دعوته الحكومة الى (اصلاحات جذرية وفعالة وليست شكلية أو ترقيعية) ، وطالب الحكومة بمنح النخب والكفاءات الوطنية بمختلف اختصاصاتها لتأخذ دوراً في رسم معالم المشروع الوطني الشامل ، وحث سماحته على انهاء عملية العد والفرز وانعقاد البرلمان الجديد ( لتشكيل حكومة مهنية وطنية كفؤة أمينة) وايضاً وضع سماحته الآليات للطريق الصحيح الى تشكيل ( حكومة الخدمات) ، ودعا الحكومة ، كما أكد سماحته من جانب آخر على المتظاهرين ( أن يكونوا واعين ولا يسمحوا للمندسين وأصحاب الأجندات الشخصية والفئوية بمصادرة فعالياتهم وركوب الموجة وحرفها عن مسارها نحو التخريب والعدوان والاضرار بمؤسسات الدولة ) ، واقترح على البعثة الاممية احتضان النخب والطاقات الاكاديمية العراقية في مؤتمر موسع للمساهمة في اعداد برنامج الحكومة القادة .

ومن جهة اخرى دعا المرجع اليعقوبي النخب المثقفة والأكاديمية من أساتذة جامعات وغيرهم الى ان يأخذوا دوراً واضحاً ومحوريـاً في التظاهرات التي تشهدها البلاد لتوحيد المطالب ووضعها على طاولة المفاوضات باتجاه بلورة مشروع وطني اصلاحي واضح المعالم، ولضبط بوصلة حركة الجماهير وحماية المظاهرات من الانحراف واختراق المندسين وخاطفي الانجازات .

واكد سماحته على دور المؤسسات والواجهات المجتمعية كمجلس الأعيان والحكماء والمنظمات الفكرية والاجتماعية في نقل معاناة الشعب وتطلعات المتظاهرين وإيصالها بأمانة ووضوح الى مراكز القرار ومتابعة انجازها وحلحلة المشاكل وتطويقها .

وترى المرجعية الرشيدة أن الحل الحقيقي لمشاكل العراق يكون من خلال التركيز على جذورها وتشخيصها ودراستها ووضع الحلول الجذرية لها وليس من خلال القرارات الارتجالية التي تهدف فقط الى أطفاء الحرائق .

بهذه الرؤية والتحليل المختصر للازمة الراهنة يكون المرجع اليعقوبي مرة اخرى قد وضع الدواء بعد ان شخص الداء وبين أصل وجذور المشكلة ولم يكتفي بأعراضها ومظاهرها ، فالمرجعية الرشيدة كانت على الدوام سباقة في قراءتها الاستشرافية للوضع العراقي وما يمكن أن تؤول اليه الأمور وتنبه وتحذر الجميع وفي مقدمتهم المسؤولين الى بوادر الأزمات وبيان اسبابها والطريق الى الخروج من نفقها المظلم ، الا ان اولئك المسؤولين وغيرهم صموا آذانهم مرارا وتكرارا عن الاستماع لتلك النصائح والتوجيهات البناءة والتي كان يمكن ان تكون سبباً في مرات عديدة لعدم حدوث الأزمات ، وسنتناول بصورة مفصلة في مقالات لاحقة بإذن الله تعالى البيانات الثلاثة لسماحة المرجع اليعقوبي بشأن دواعي منشأ المظاهرات ودور الحكومة في تأجيجها والتسبب باندلاعها وتصاعد وتيرتها ، ونكتفي بهذه القراءة الموجزة في الوقت الحاضر .