23 ديسمبر، 2024 8:57 ص

القسم الرابع
قبل إصدار المحكمة الإتحادية العليا لقرارها المرقم (21/إتحادية/2015) ، وموحدتها الدعوى (29/إتحادية/2015) في 14/4/ 2015 ، الخاص بفك قيد السلطة التشريعية جزئيا في تشريع مقترحات القوانين ، وفي واحدة من غرائب نتاجات النظام السياسي الجديد في العراق ، أجازت رئاسة الجمهورية تصويت مجلس النواب على مقترح قانون إنتخابات مجلس النواب ، الصادر بالرقم (45) لسنة 2013 ( بغية إجراء إنتخابات حرة ونزيهة وتجرى بشفافية عالية , ولغرض تمثيــل إرادة الناخب تمثيلا حقيقيا , وفسح المجال للمنافسة المشروعة ، وبعيدا عن التأثيرات الخارجيـة ، ولغرض الإرتقاء بالعملية الديمقراطية شرع هذا القانون ) . إستنادا إلى ما تضمنته المادة (928) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951- المعدل ، لإعطاء مجلس النواب المرونة الكافية في تشريع ما يتعلق بمواضيع الشأن العام ، وتعزيز الثقة المفقودة بين الرئاسات السلطوية الحاكمة ، على وفق مبدأ سيادة النظام السياسي الفاشل والهجين ، إنطلاقا من صيحات وصرخات الكيانات بالإلتزام بالدستور ، والعمل السريع لخدمة وإستقرار العراق في ظل إرادات سياسية طائفية متصارعة ، يجسد صورها بيان رئاسة الجمهورية الموجه إلى هيئة رئاسة مجلس النواب بعنوان مقترح قانون إنتخابات مجلس النواب ، وبالنص الآتي:-

(( صوت مجلسكم الموقر بجلسته (32) المنعقدة بتأريخ 4/11/2013 ، على مقترح قانـون إنتخابات مجلس النواب العراقي المقدم من قبل اللجنة القانونية في مجلسكم ، ولما كان (مقترح) القانون هو ( فكرة ) على وفق رأي المحكمة الإتحادية العليا في العديد من قراراتها ، مما كان ينبغي إحالة تلك الفكرة إلى إحدى الجهتين المحددتين في البند (أولا) من المادة (60) من الدستور ، وهما ( رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ) ، ولما كانت قرارات المحكمة الإتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة بمقتضى المادة (94) من الدستور ، ولما لم يتم الإلتزام بحكم البند (أولا) آنف الذكر ، بإرسال ذلك المقترح إلى رئيس الجمهورية أو إلى مجلس الوزراء ، لتقديم تلك الفكرة كمشروع قانون إليكم من قبل إحدى الجهتين المذكورتين ، ولتلافي إحتمالات الطعن بمقترح ( إنتخابات مجلس النواب العراقي ) ، في حالة الطعن به أمام المحكمة الإتحادية العليـا مستقبلا ، فإن رئاسة الجمهورية وبعد الإستئنـاس بآراء خبـراء الدستور ورجال القانـون ، (( تأذن لكم وتجيـز الإجـراء )) الـذي قمتم به ، بتشريع القانـون المذكـور دون الرجوع إلينـا أو إلـى مجلس الوزراء ، على إعتبار أن ( الإجازة اللاحقة في حكم الوكالة السابقة ) ، إستنادا لما تضمنته المادة (928) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 ، آملين أن يكون هذا الإجراء هو الأخير حفاظا على مصداقية وسمعة مجلس النواب الذي نعتز به ونحرص عليه جميعا .)) .

ولغرض الإيضاح فقد نصت المادة (928) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951- المعدل ، على إن ( الإذن والأمر يعتبران توكيلا إذا دلت القرينة عليه ، والإجازة اللاحقة في حكم الوكالة السابقة ، أما الرسالة فلا تعتبر توكيلا ) ، وقبل ذلك فإن النظام البرلماني دستوريا لا يحتاج إلى إذن أو إجازة السلطة التنفيذية في التشريع ، بعد سلب إختصاصات السلطة التشريعية بدعوى أن مقترح القانون يستلزم تحويل الأفكار إلى مشروع قانون ، حيث لا يجوز لأية جهة كانت بالطعن في القانون الصادر على أساس إنه مقترح فكرة ، سيما وإن بعض الجهات السياسية إتخذت من ذلك سبيلا لتحقيق أغراضها ، خاصة فيما يتصل بمصالحها المستحصلة من المواضيع العامة ومنها الإنتخابات تشريعا وإجراءات ونتائج ، ولكننا نتساءل عن غياب ذلك النص القانوني عن بصر وبصيرة السلطة التنفيذية وقضاة المحكمة الإتحادية العليا في الحالات السابقة ، وعن عدم مراعاة الأخذ به فيما يتصل بالتشريع والطعن ، وما هو قرار المنتهى التشريعي لما عطل من القوانين بقرارات المحكمة لذات السبب والنتيجة ، حيث لا يمكن القبول بأن يكون الدستور وعلى الرغم من كل سيئاته ومساوئه ، أقل شأنا ومنزلة من مستوى القانون في تسلسل التشريعات النافذة ، إلا إذا وقف القضاء العراقي ممثلا بالمحكمة الاتحادية العليا عاجزا ومرتبكا أمام هذه الفوضى القانونية ، المتمثلة في تفسير المحكمة الاتحادية العليا بالتفريق بين مشاريع ومقترحات القوانين ، بشكل غير موفق في معالجة الخلل القانوني ، المتجاوز على حرمة مهام وإختصاصات مجلس النواب في تشريع القوانين ، وإن أصبح ذلك التوجه آلية يتم بموجبها تحويل مقترحات القوانين إلى مشاريع للقوانين ، على وفق إجتهاد ورؤية المحكمة الإتحادية العليا حصرا ، ولهذا كان على مجلس النواب أن لا يلجأ إلى غير ذلك الطريق ، تلافيا لحجب حق إعداد صيغ مقترحات القوانين والتصويت عليها وتشريعها وفقا للأصول ، ومن ثم إعتبار ذلك وسيلة طعن بيد الكيانات السياسية التي لا تمتلك غير الإبتزاز السياسي والتهديد بالنقض ، في حالة عدم الاستجابة لإملاءاتها ومصالحها ، وبدلا من أن تعيد المحكمة الإتحادية النظر في قرارها السالب لحق السلطة التشريعية في التشريع ، تفاجئنا رئاسة الجمهورية برأي سياسي في إطار غير دستوري ، خاضع لمؤثرات الدعاية الإنتخابية المسبقة ، غير المانعة من إمكانية الطعن بعدم دستورية القانون من الناحيتين الشكلية والموضوعية ، إلا إذا كان هنالك توافق سياسي على عدم الطعن بالقانون قبل يوم الإنتخابات ، مع إدراكنا بأن لا يلقى أي رأي لمختص أو مهتم مهني ، إهتمام السمع بآذان صاغية ، كما لم ولن نجد في السلطات الثلاث من يفند ذلك الرأي مهنيا ، لعدم إمكانية الإبتعاد عن ملابسات السياسة وألاعيب الحكام السياسيين ، بسبب الإصرار على :-

1– عدم إرسال مقترح القانون إلى السلطة التنفيذية ( رئيس الجمهورية ) من أجل تحويله إلى مشروع قانون ، في وقت لم يعرف مكان تواجد رئيس الجمهورية الغائب عن منصبه منذ أكثر من سنة لغرض العلاج ، كما لم يتم إرسال المقترح إلى ( مجلس الوزراء ) لعدم وجود الثقة والإطمئنان على تحويله إلى مشروع قانون ، مع علم مجلس النواب المسبق ، بأن إقرار المقترح

من قبله مباشرة سيكون عرضة للطعن في دستوريته لدى المحكمة الإتحادية العليا ، وفي المجمل فأن ذلك من إشكاليات العمل السياسي غير المتجانس وغير المريح ، الذي لايخدم شعبا ولا يبني وطنا ولا يؤسس لدولة مدنية متحضرة وقوية .

2- تجاهل أغلب الكيانات والكتل السياسية للنتيجة المتوقعة لتشريع القانون ، وعدم الإكتراث لمخاطر نقض القانون في حالة التصويت عليه وإقراره من قبلها تحت قبة البرلمان ، لأنها تريد عرقلة إجراء الإنتخابات ومن ثم تأجيلها لأي سبب كان ، ومنها ما يروج له من أنتهاء الخلافات بشأن تجديد الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء ، بأحداث مصطنعة تستدعي إعلان الأحكام العرفية الموجبة لتأجيل الإنتخابات .

3- تجاوز نائب رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية ، كونه ليس رئيسا للجمهورية بالإنتخاب ، ولا يحق له ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية الحصرية ، وإن حل محله في ظروف غياب وخلو غير دستوري ، وذلك ما لم يدركه مستشاري نائب الرئيس من القانونيين وخبراء الدستور ، الذين إستأنس برأيهم وأفادوه دون إبلاغه بأن الدستور العراقي هو القانون الأسمى والأعلى في العراق ، ولا يجوز لأي قانون أن يعلو عليه ، ولا يحق أن تمنح رئاسة الجمهورية توكيلا من خلال هذا الإذن ، والنظام في العراق نظاما برلمانيا وليس نظاما رئاسيا ذو صلاحيات تشريعية .

إن عموم الشعب لا يعلم أن السلطات الثلاث لم تصن الدستور ولم تحترمه يوما ، وقد تلاعبت

بأحكامه دون أن تقوم المحكمة الاتحادية العليا بدورها الرقابي المباشر على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ، ولكنها تستجيب لأية دعوى طعن تقدم بالذريعة والمبررات ذاتها ، لأن الوكالة السابقة للمحكمة الإتحادية في الفصل بين السلطات ، أولى من الإجازة اللاحقة للسلطة التنفيذية بالإذن .

وفي مسألة أخرى أود عرضها على فقهاء القانون الدستوري ، لبيان وجهة نظرهم في صحة تفسير جملة ( تكفل الدولة ) الواردة في أكثر من نص دستوري ، ومقترح أن تحل مكانها جملة ( تلتزم الدولة ) ، بالإستناد إلى تفسير جملة ( وكفلها زكريا ) الواردة في القرآن الكريم ، التي تعني ضمها إليه ، أي جعلها منه ، لها ما له وعليها ما عليه ، لإختلاف العلاقة التنظيمية بينهما في الوصف والتصنيف ، حيث يمكن تسوية ما يترتب على الكفالة الشخصية بالتنازل عن الحقوق كلا أو جزءا ، بينما لا يمكن ذلك في إطار التنازل بالكفالة الرسمية عن الحق العام ، مما ينبغي إيضاح المعنى والمقصود والمدلول ، لأن كلمة ( تلتزم الدولة ) واضحة وفيها إلزام محدد للدولة تجاه ما تتكفل به ، أما كلمة ( تكفل الدولة ) فهي متعددة المعاني وغير واضحة الإلزام للدولة بفعل محدد ، حيث تعني ( تتعهد الدولة ) أو ( تضمن الدولة ) أو ( ترعى الدولة ) تحقيق ممارسة حق معين بدون ضمه إليها ، لأن علاقة الدولة بالمواطن ، علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والأنظمة ، بمعنى وجود القيد المانع من خروج ممارسات الحريات على ما تقرره من ضوابط ، بل وتفرض الجزاءات العقابية على ما تعتبره مخالفا للنظام العام أو مخلا بالآداب ، وعليه فإن إستخدام كلمة ( تلتزم ) بدلا من كلمة ( تكفل ) ضرورة واجبة ، ليكون الدستور ينبوعا دافقا بما يغني التشريعات المختلفة ، دستور لا يغير القانون مقاصد ومعاني كلمات مواده ، دستور يجعل القانون يسير داخل إطاره ولا يخرج عن حدود الوضوح والحسم فيه ، دستور غير قابل للتفسير والتأويل لأكثر من معنى ومقصد وحسب الأمزجة والأهواء الشخصية غير المؤسسة على أسس وقواعد البناء الصحيح والسليم .