صدر عن الاتحاد الدولي للمبدعين في العراق مؤلفٌ إبداعي جديد بعنوان: “الإبداع والابتكار في العراق القديم والمعاصر”.
وعلى أثر ذلك، أُقيم حفل توقيع وتوزيع الكتاب في مقر الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، وجرى توزيعه على المبدعين الذين ذُكروا فيه, وقد تشرفتُ شخصيًا بتأليف هذا الكتاب إلى جانب نخبة متميزة من الباحثين العراقيين.
وقبيل الحفل، وُجِّهت الدعوات إلى بعض المبدعين المشاركين في المؤلف، إضافةً إلى ذوي الراحلين منهم، لاستلام نسخهم من الكتاب.
لكن مع بدء الفعالية، فوجئتُ بأن عدد الحضور لم يكن بالمستوى المطلوب، فناديتُ أحد الزملاء وسألته: “لماذا الحضور قليل؟” فأجابني: “لقد دعونا من كان متاحًا، والعدد جيّد من حيث النوعية لا الكمية.”
حينها، اعتليتُ المنصة وتحدثتُ عن قيمة الكتاب، وعن أهمية الثقافة في العراق، وطرحتُ أمام الحاضرين تساؤلات لا تزال تؤرقنا:
لماذا تشهد بعض الاحتفالات الفنية والغنائية حضورًا جماهيريًا واسعًا، وتغطية إعلامية مكثفة من قنوات فضائية ومصورين يحرصون على إبراز مظاهر البذخ والتبرج، بينما تُهمل المنتديات العلمية والثقافية والأدبية؟
من المسؤول عن هذا التراجع؟
ولماذا اتجهت شرائح واسعة من المجتمع نحو التافه والمبتذل؟
بل الأدهى من ذلك، أن وسائل الإعلام باتت تتناقل أحداثًا منافية للعُرف والأخلاق، ويتباهى بها البعض وكأنها إنجازات، في حين تُهمّش الثقافة الجادة والمحتوى الراقي، بل تكاد تغيب عن المشهد تمامًا.
لقد أصبح المحتوى الهابط يتصدر “الترند“، في وقتٍ يعاني فيه العاملون في المجالات الثقافية والعلمية من الفقر المادي والمعنوي، بينما نرى رموز الابتذال في أبهى حال، تحيطهم الأضواء، ويتسابق الإعلام على تغطية أخبارهم، لأنها ببساطة “الأعلى مشاهدة”.
هذا هو واقع فرضه أولئك الذين يدعمون التفاهة، ويضعونها في صدارة المشهد العام.
أما الحديث عن “مبدعين” أو “مبتكرين” أو “أدباء ومفكرين”، فهو – للأسف – في واقعنا معدوم مع سبق الإصرار.
رسالتي هنا إلى من يُروّج للتفاهة ويغذيها :
سيأتي يومٌ من عند الله، تتساقطون فيه كأوراق الخريف في رياحٍ عاتية، تقذف بكم إلى الهاوية.
وحينها، ستندمون على ما صنعتم، من دعمٍ لأشخاص وجهاتٍ هابطة، سعيًا وراء أصوات انتخابية أو شهرة زائفة، واسترضاءً لجمهورٍ يختبئ خلف “الكيبورد”.. والسلام.