الاحياء تتساقط بشكل سريع من يد اعداء الانسانية وتعود الى احضان القوات العراقية المسلحة بكل مكوناتها وهي تنجز تقدما مذهلاً والمعركة توشك على نهايتها وخلاص اهلنا من الاشرار والنصر بات قريباً والزمن ينحني اجلالاً لهذا الانجاز العظيم.
لكن هناك الكثير من الاسئلة تدور في ذهن المجتمع حول المستقبل السياسي بعد الانتهاء من المجاميع المسلحة الارهابية ، من اهمها ان هذه العصابات تركت العديد من انماط الخلاف خلفها بين الطبقات المختلفة في المناطق التي تم السيطرة عليها وخاصة المتورطين مع هذه العصابات من افراد العشائر التي ينتمون اليها وبالضد منهم من تعاون مع الدولة في القضاء عليها وحافظات على اصالتها واعتقد ان الحكومة سوف تلاقي صعوبة في محاولة السيطرة على هذه الخلافات لوجود انواع مختلفة من الاسلحة بيد الطرفين وهي المشكلة الاعمق كما ان دور بعض الفئات السياسية التي لاهم لها إلا استغلال الظروف لصالحها في تعميق الخلافات لارتباطهم بدول معروفة في دعم الارهاب والتي لاتكف عن سياساتها العدائية لشعبنا .
أن استغلال الظرف الحالي في الخروج إلى وضع العالم أمام حقيقة التضحيات الجسام التي قدمها ويقدمها هذا الشعب نيابة عنه في ميادين القتال هي من الامور المهمة الملقاة على عاتق الدولة اضافة الى تحكيم الداخل وهناك مهام ثلاث على الحكومة اذا ما ارادت ان تكون ناجحة يجب ان تلتفت اليها وهي :- توافر بنية تحتيَّة مناسبة ، و القدرة على ممارسة دورها كحكومة في وضع حد للتدخلات الخارجية من قبل بعض الدول في دعم الارهاب وخلق الازمات ، وتحمل فكرة وطنية جامعة تعمل عليها. وسيتوجب منها أن تستفيد من الفرص السانحة لتطبيق إصلاحات جذرية. وتطهير المؤسسات من العناصر الدخيلة واللوبيات المعشعشة في اداراتها منذ سقوط النظام السابق و لوضع حد لصعود البعض على أكتاف البعض الاخر ليصل الى ما يطمح عليه وما يعتري نتيجة الصعود في أغلب الحالات عن طريق الأنانية ونكران الجميل و التسلق على حساب من بسطوا لهم قلوبهم وأفكارهم ويقابل ذلك بأن لا يساهم البعض في النجاح المحقق بل الاساءة والطعن من الخلف وعدم المواكبة .
ان العمل بانفعال من اجل تحقيق مصالح انية امور ليست من صيغ الاخوة الوطنية ولايمكن قبولها لدى الشارع لان البلد يحتاج الى همة ابناءه الخيرة للبناء بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية ولايمكن لها ان تجني ثمارها في ظل تمزق النسيج الوطني والسعي لاستغلال جراحه واللعب عليه وفق ما تتطلبه ارادات الكتل الضيقة والمجموعات الغير سليمة الاهداف فقط وعليها التفكير بالعراق لان الوطن واحد.يجب علينا ان نعرف بأن البلد مهدد بمنعطف خطير وتجربته لا زالت فتية وفي طور النشوء وغضة الطرف وهزيلة القوام ويعاني معظم سياسيه قصر في النظر ويتطلب من كل العراقيين الشرفاء ولمحبي ارضهم وشعبهم الحذر عما يجري وخطورة المرحلة التي قد تؤدي بالبلد الى الهاوية… ومع الاسف ان هناك اطراف لايهمها ولاتعرف من شئ اسمه وطن لا من قريب ولا من بعيد وعليها علامات استفهام وتعجب واصبحت العملية السياسية سلعة او وسيلة للضغط على الاخر لجني المكاسب وتبادل الصفقات طبق شعارات مزاجية او مساومة لمصالحهم الذاتیة لا صلة لها بالمواطنة وعلى اساس الربح والخسارة والتصيد بالماء العكر لان هدفها تقسيم العراق وانهاء المشروع السياسي والبحث عن المنزلقات والفتن والتأزم والكرسي والسلطة من اجل نحر الشعب والامة حسب ما ترغب اليه دول المال … حب الوطن ليست مجرد نصوص دستورية وقانونية، وتحويل اختصاصات وموارد مادية وبشرية، من هنا الى هناك، وإنما يريدها أن تقوم على الغيرة الوطنية الصادقة و على الوحدة الترابية لبلادنا كما ان المرحلة تستوجب من الكتل العمل بمصداقية للشعارات التي رفعتها خلال المرحلة الماضية والابتعاد عن الازدواجية والمواقف المتزلزلة بموقف اكثر حكمة والرجوع الى المشروع الوطني المبني على المشتركات والثوابت لاثقافة التقاتل الطائفي والنعرات المتطرفة والتخندق خلف متاريس الفئوية وغيرها لانها ثقافة مبتذلة ولايمكن قبولها.علينا ان نفتخر بأصالتنا ، ونزهوا بانتمائنا، ونشدو بوطنيتنا، ونفتخر بشعبنا ، يشده الأصول، وتحركه العواطف، ويدفعه الحنين إلى الارض كله، وتسكنه هموم الشعب بأسره، وتربطنا مع افراد الوطن وشائجٌ متينة وأواصر من المحبة الرشيدة المبنية على الحكمة ، فقط لاننا ابناء وطن واحد، علينا التجرد من كل صفةٍ اولاً، والتخلية عن كل لقب، والنأي بالنفس عن كل قبيلةٍ وعشيرة ثانياً ، والاستعلاء عن كل عصبيةٍ وفئويةٍ وحزبيةٍ”، ولنكتفي بكوننا من ارض الرافدين مهد الحضارات والترقي والانبياء والائمة الاطهار والمقدسات، وكفانا سوى هذا الاعتراف بأننا نكون قريبين من بعضنا البعض، وأن نشارك هموم وافكارالبعض للاخر.
تحقيق النصرعلى الارهاب لم ياتي اعتباطاً انما نتاج عطاء من الدم والمال و لايمكن المحافظة عليه ما لم تكن الحكومة قادرة على تعزيز وحدة اطيافة المختلفة وفئات المجتمع وجمعهم تحت مظلتها وحسب الكفاءة بعيداً عن المحاصصة ، وإقناع الجميع بأنَّ مستقبلهم هو مع الدولة الموحدة والارادة المشتركة في الحياة ، وليس مع الجماعات المتشددة الفارغة من الانسانية ولاتعترف إلا بنفسها فقط . وفوق هذا وذاك فإِنَّ العراق ابتلي بنخب تهتم بمصالحها الذاتية فقط ، وهي لا تنسى شيئاً من خلافاتها وتاريخها، لكنها لا تتعلم شيئاً أَيضاً.
ما يشهده العراق ما هو إِلا نموذج لا يختلف عن ما تشهده مختلف دول المنطقة والنخب غير مبالية بالنتائج ، منشغلة بهمومها فقط مع وجود الانقسامات و التوقعات والطموحات تلاشى الرؤى والافكار تضمحل وتنصهر في بودق الصراعات الذاتية ، الساسة منشغلون بما تهيؤه الأطراف الدولية المتصارعة على الأرض العراقية من فتن ورؤى تقسيم وارهاب ،و غير قادرون على معالجة الأمور بمفردهم بسبب ثقل التدخلات الخارجية وبسبب الفايروسات المدمرة التي بثت في الأرض العراقية وغياب المعالجات الشمولية التي تخص مجموع العراق ،وحتى المؤسسات التي ينتخبها الشعب فأنها لاتعمل لأجل العراق بقدر ما تتشظى الى الأتجاهات التي بدأت منها .
النخب في هذه المنظومة السياسية الغير منسجمة والُمعقدة وغير العادلة التي ألحقت ضرراً فادحاً بالشخصية العراقية ومشروعها الحضاري واخرت البلاد عن الحضارة بقرون بسبب المناكفات والازمات المفتعلة ، قد خلخلت وعن سابق قصد أركان وحدة الشعب العراقي وهزت بعنف بنيان التآخي الديني والقومي للمجتمع وشككت بكل ما هو وطني جامع عروة العراقيين٬ وأطلقت العنان للتطرف والإرهاب والجهل والانعزال واما التضخم في الادارات والمؤسسات فحدث ولاحرج عن الترهل الكبير فيها وعجزه عن التصدي لمشاكل البلد يتعدى الحدود العراقية، وهذا أفسح المجال لتحويل المشاكل السِّياسيَّة إِلى صراعاتٍ طائفيَّةٍ تتغذى عليها الجماعات التي تعتاش على كراهيَّة الآخرين. الارهاب لم يهزم بعد والعنف مستمر، لكن هذه لن تكون هي المشكلة الخطيرة في المدى البعيد . ان التحدي الاكبر هو توحيد العملية السياسية التي اضعفتها الصراعات الطائفية . وايجاد الوسائل لإستيعاب تنوعه السكاني المركّب من هويات جرى دمجها وتسييسها اعتباطاً لان إعادة بناء الدول المنقسمة من الصعب بقائها في ظل مشاريع مضللة اذا لم يجري هيكلتها بالطرق السليمة المعمقة فكراً وثقافتاُ وكلنا امل ان في ان نتجاوز المرحلة بسلام تفاءلوا بالخير تجدوه