في تقديري ؛ فالأيام العالمية في العالم العربي؛ يبدو لي أنها بدون معنى ولا قيمة لها ؛ بقدر ماهي إلا زينـة وعادة ذئبنا على إحيائها ؛ وتفعليها من فراغ إلى فراغ أشـد. إما مرضاة أو إرضاء لغرورنا ؟ أم إرضاء للآخر الذي أنتجـها ؟ أم عربونا بأننا لا زالنا بشكل أو آخر مستعمرين ؟ او نحييها لكي ليستحمر بعضنا البعض ؟ كـمثل هذا اليوم ( العالمي)الذي نحن فيه [( الثامن : آذار = مارس)] فـهل المرأة العربية تحتاج لهذا اليوم لإحياء فعاليتها ووجودها؛ وإعلاء صرختها ؟ فكم من يوم مـرَّ صرختْ واحتفلتْ فيه ! وتلاه آخر واحتفلت به وصرخت فيه !! ولا جديد ولا تقدما في عمق أيامها المتوالية. إذ لازالت بضاعة ولازالت مستعبدة ؛ والأدهى أنها أمست تلك المرأة في العقد الأخير مستباح عرضها ومستباح دمها في حروب الهيمنة والكراسي و الفتن والطائفية في بؤرالتوتر العربي / الخليجي. والعربي/ الغربي . إنها لفوضى سوريالية المفاهيم والمعاني؛ دماء ورصاص ومجاعة وجثث ومفاوضات؛ وتلك المرأة العربية لاوجود لها ( الآن) إلا في قاموس الاغتصاب والتشريد والنكاح… وفي هذا السياق سعيت أن أقـدم نموذجا للمرأة العربية كيف كانت تفكر؟ وكيف كانت تكتب ؟ وكيف كانت تنظر للأمور ؟ قبل أن يلج اليوم العالمي للمرأة فضاء الأمـة العربية (! ).
ولنتأمل لهذا النموذج الذي عَـمَّـر ( 87 سنة) لقد صادفته في الصفحة – 34 /35 – من مجلة الرسالة :السنة الأولى العدد 22 بتاريخ الاثنين- 16 شعبان 1352 الموافق – 4 ديسمبر1933 ( تلك) مجلة أسبوعية للآداب والعـلوم والفنون
صاحب المجلة ومديرها ورئيس تحريرها المسئول – أحمد حسن الزيات .
رسـالــة المـرأة – بقلم أسـماء فـهمي
اختص الرجال بالنبوءة دون النساء ، وعـد الرجال ذلك الاختصاص بطبيعة الحال بابا للتفاوت بينه وبين المـرأة ومبرر للتعالي عليها ، ولكن المرأة وإن لم تنل هذا الشرف في الأديـان السماوية فإنها في الأمـم الوثنية القديمة كمصر واليونان قد بلغت من تقدير الإنسان حد التأليه ؛ فَـعبَدها السنين الطوال… وأقام لها أبدع الهياكل وأجمل التماثيل والنصب، فكـانت مثلا المعبودة إيزيس التي عدها قدماء المصريين رمزا للفضائل النسوية من حنان وشجاعة وصبر ووفاء، تنافس الآلهـة الآخرين بوفرة قرابينها وكثرة قاصديها. وكذلك عَـبَد أفروديت وفينوس ملايين البشر من إغريق ورومان، إذ كانتا رمزا لصفة مرغوبة في المرأة وهي الجمال… منبع الوحي والإلهام . والعرب الذين لم يقيموا التماثيل للمرأة في جاهليتهم ولا في إسلامهم جعلوها حلية في صدر قصائدهم التي لها ما للهياكل المصرية من جـلال وفخامة . وما للتماثيل الإغريقية من خلود وجمال؛ فجرت العادة أن يترنـَّم الشاعر باسم المرأة في مطلع قصيدته وإن لم يكن الموضوع موضوع غـزل وهيام ، وذلك اعتراف بليغ بما للمـرأة من أثر في عبقريتهم وفنهم . والعالم الحديث يقدر ما في المرأة من قوة الوحي والإلهام بطريقة لا تختلف كثيرا عن طرق الأقـدمين. ففي عالم الفن مثلا تستخدم المرأة للتعبير عن العـواطف السامية والمعاني الرقيقة فنـرى ؛ وات(watt ) الفنان القدير يمثل الأمـل في غـادة فتانة تجلس على سطح الكرة الأرضية تحت سـماء لا ينزع فيها غير نجمـة واحدة ترسل قبسا ضئيلا من الضوء، تحاول أن تعزف نغـما على قيثـارة ليس بها غير وتـر واحـد… كذلك تشان يمثل الربيع بما فيه من حيـوية متدفقة، وأمـل باسم، وجمال فاتن في ( فلورا) الشهيرة ذات الحسن الرائع. والمثال المصري “” مختار” في تمثال نهضة مصر، يمثل مصر الحديثة التي أخذت تلقي جانبا أغـلال الخمول بفتاة قروية ممتلئة جمالا ونشـاطا. ولم نـذهب بعيدا في ضرب الأمثلة وبين أيدينا غلاف
مجلة ” الرسالة” ترى فيه المرأة حاملة شعلة الوحي والثقافة . على أن وحي المرأة ورسالتها لا يقتصران على عالم الفـن وإنما يلعبان كذلك دورا خطيرا في الحياة العملية وخصوصا في أشد الظروف الحياة صعوبة وخطرا، فنرى المرأة تصحب الجيوش إلى ميادين القتال لا لتضميد الجراح فحسب، بل لتقوية العزائم وبـث روح الاستبسال والتضحية في النفوس أيضـا (…..) ورسالة المرأة للرجل تنسجم مع رسالتها السالفة وتتفق مع أغراض وحيها، فتيار المادة في نفس الرجل ونـفس المرأة قـد طغى وأقام حجابا بينهما وبين المثل العليا. وأصبحنا في عصر قلما يصغي فيه لوحي غير وحي المنفعة الذاتية ، ونـتج عن ذلك ضعـف روح الاستبسال من أجل الوطن والمبدأ والعـقيدة ، وصرنا نفر من المقاومة إذا أبصرنا الخصم أكثر منا عددا وأعظم عـدة ، فكأن الغرض مجرد الانتصار لا تأدية الواجب وإراحة الضمير بصرف النظر عن النتائج . فرسالة المرأة في هـذه الحال هي الحث على العودة إلى تعاليم الفروسية، لأن أهم ما يفتقر إليه الرجل حقا تلك الروح السامية التي أكسبت العصور الوسطى جل مالها من جلال ووقار. فقد كان الفارس يخوض المخاطر ويركب الأهوال في سبيل عقيدته ووطنه ، وكان يضع الشرف والكرامة فوق الحياة نفسها ، ويرتبط؛ بالعهد ارتباطه بدينه . وليس معنى الرجوع إلى ذلك العصر هو امحاء تلك الفضائل في عصرنا ، فالواقع إن تلك الصفات تسود اليوم أكثر بـلاد الغرب، وهي مصدر ما يعتز به من إبـاء وكبرياء واستقلال وحرية .
وهناك غرض آخر لاختيار ذلك العصر، فقد كان على رغم خشونته وقسوته مدينا بالكثير من فضائله إلى وحي المرأة. إذ قضت التقاليد أن يتطلع كل فارس إلى سيدة شريفة يتوسم فيها العظمة والنبل ، فيعمل على كسب إعجابها بأن يخوض الغمار باحثا عن المجد مدفوعا بروحها مترنما بذكرهـا.
فإذا كانت المرأة قد قامت بمثل هـذا الدور يرغم انحطاط مركزها وفي عصور امتازت بقسوتها وبأن الكلمة العليا فيها كانت للسيف؛ فهل تعجـز المرأة الراقية في عهد الاستقرار والأمـن عن أن نسلهم أشبال السلم وهي التي على ضعفها قد ألهمت أسود الحـرب ؟