23 ديسمبر، 2024 4:31 ص

تغيير الصفات الشخصية وعلاقته بانعدام الثقة

تغيير الصفات الشخصية وعلاقته بانعدام الثقة

الثقة بالآخر عرفت كمفردة حسب آراء علماء الاجتماع والفلاسفة بمصطلحات وجمل عدة ، لعل أبرزها هو الاعتقاد بصدق احد الأشخاص واخلاصه.
وذهب آخرون إلى وصفها باليقين او الايمان بأحدهم ، في حين فسرها بعض آخر بأنها الركون والاطمئنان إلى شخص ما يرونه جديرا بتلك الثقة ، مع وجود تفسيرات أخرى لعل أبرزها يذهب الى أن تلك الكلمة تطلق على من يعول عليه وحامل الاسرار والناصح وكذلك القريب منك دون منفعة او مصلحة ما.
ان الثقة بأشخاص محددين تعد احدى مقومات وركائز مفاهيم الخير والشر لدى الانسان في الاغلب ، كونها تعتمد في سلوكياتها المجتمعية على المقارنة بين من يستحقون منح تلك الثقة او العكس ، وبالتالي فإن تعاملاته التجارية او الوظيفية او علاقاته مع محيطه تكون مبنية على هذا الأساس وبصورة لا ارادية أحيانا اذا ما استثنينا انحياز الانسان في بعض الأحيان لمصالحه في انتهاج مخالف لما اشرنا اليه سلفا.
وبناء على ما تقدم فإن الباحثين في علم الاجتماع يرون ان فقدان هذه الصفة لدى الانسان ، هي نتيجة لانعكاسات حياتية معينة او خذلان البعض من الأعزاء او صدمة الانسان في أحبائه ستدخله في ازمة نفسية خطرة جدا تسمى (ازمة الثقة) وتوصف هذه الازمة بأنها من اخطر المشكلات التي بإمكانها تدمير العلاقات الإنسانية كافة في حياة الفرد ، كما من شأنها التأثير على مدى رفاهية الإنسان وقدرته على الحياة بصورة طبيعية بين الناس.
لذا ، فإن واجبنا يحتم علينا ككُتّاب أن نقف عند هذه المرحلة التي من الممكن ان تواجه أيا من الناس وتترك من السلبيات السلوكية الشيء الخطر والذي لو وصل إليه الإنسان ، فإن انعكاساته ستظهر على المجتمع ككل وليس على الفرد المعني فقط.
ان المعالجات التي يمكن لنا ان نحصن انفسنا من خلالها ونقي ذاتنا من الوقوع بين ظلمات هذا المرض السايكولوجي الخطر ، تعتمد بالأساس على طبيعة الشخصية الإنسانية وقدرتها على الصمود بوجه أي صدمة اجتماعية يمكن ان تتلقاها سواء من الذين يمتلكون ثقتنا او ممن كانوا يمثلون قيما اجتماعية عليا من الشخصيات العامة.
وهنا يتبادر الى ذهن القارئ الكريم سؤال يتعلق بكيفية مقاومة هذا الشعور الذي يصل أحيانا الى مرحلة اليقين او الايمان ، ولعل الإجابة عن ذلك الاستفسار تكمن وباختصار فيما اشرنا إليه ، في القدرة الذاتية للفرد ، وتعزيز هذه القدرة المقاومة لذلك الشعور يعتمد على عوامل عدة منها بدءا النظر الى المجتمع بشكل نسبي لا مطلق أي بمعنى ان الحالات ذات التماس مع الفرد المعني لا يمكن اعمامها على كل المجتمع أي ان هناك تراوحا بين الصفات الإيجابية والسلبية صعودا ونزولا في شكل يشابه الى حد كبير الخط البياني الهندسي ، فأحيانا نشهد صعودا في القيم الإيجابية يقابلها هبوط في الصفات المبتذلة واحيانا العكس.
كل ذلك يعتمد على طبيعة المرحلة التي يمر بها ذلك المجتمع على صعد مختلفة ، منها الصعيد السياسي او الثقافي او العلمي او الديني ، وجميع ذلك يرمي بحمله على السلوك الأخلاقي للإنسان.
ان النظرة النسبية للتعامل الإنساني ستجعلنا نتعامل بحرفية وعلمية مع أي ظاهرة مجتمعية سلبية ، ونحصن ذاتنا العليا من الوقوع في شرك اليأس الذي يقودنا الى أزمات نفسية كبيرة ، منها أزمة انعدام الثقة بين الفرد ومجتمعه ، والناجمة من الأساس عن تلقيه صدمات كان السبب فيها بعض الأشخاص الذين وثق بهم يوما.
وأخيرا ونتيجة لما تقدم ، فإننا نرى ضرورة تحصين الذات علميا وعاطفيا من خلال تعزيز القدرات العقلية والقلبية في آن واحد ليتسنى لنا مواجهة مثل هذه المخاطر ، ولعل المقارنة بين (الخطأ والخيانة) ، إحدى ابرز أوجه ذلك التحصين ، حيث ارتأينا أن نذكر ذلك متأخرا كي يبقى في مخيلة القارئ ويستطيع من خلاله ومن خلال استحضاره دائما ان يعامل الخطأ على أساس حجمه والخيانة على أساس حجمها ولا يدمج بين المفردتين ليرميهما ضمن ساحة الثقة التي لم ولن تكن يوما شيئا من وحي الخيال.