23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

هذه السطور ليست سردا تاريخيا، بل مثل واضح على التحولات والنقاط الحرجة، والحلول
الترقيعية في حياة الامم التي ينجم عنها تغييب الجماهير وانحراف المسيرة وتبدل الاهداف،
متجسدة بالأصنام والغلو بالرموز او تحريف الحقائق، لتقف الشعوب حائرة عاجزة عن تغيير
واقعها.
فلما رفض سادة مكة دخول الحجيج إلى البيت الحرام في عصر الجاهلية كما يصفه كتبة التاريخ،
وذلك لشدة الفوضى التي يتسبب بها الحجيج عند تأدية الطقوس العبادية، متداخلة مع البيع والشراء
وترويج بضائعهم، لذلك قرروا تحديد أماكن تبعد عن مكة ليلتين او اكثر، يجتمع فيها الحجيج
ويتداولون الاحداث الهامة، ويتبادلون الآراء والافكار، ويعرضون بضائعهم ويهيئون أنفسهم
للحج. فنشأت ثلاثة مواقيت حسب الطرق التي كانت تسلكها قوافل الحجيج القادمة من كل فج
عميق، تجتمع فيها القوافل قبل الدخول الى مكة، أشهرها عكاظ، وبين المجازين، والثلث لم يذكر
كثيرا في التاريخ. ومع مرور الوقت اصبحت تلك المواقع موسما للتفاخر وترويج البضائع،
لتتحول الى أسواق بعد ان تفاقم موقفها وأشتهر ذكرها، ما جعل الحجيج وغيرهم يعجون
ويضجون بأصواتهم في كل مكان من ارجاء الجزيرة العربية وغيرها، إعلاء لأحسابهم وتفاخرا
على غيرهم، ودفعا للتنافس من اجل زيادة واردات السوق، إلى الحد الذي جعل هوازن تنقل اكبر
آلهتها (جهار) إلى السوق، وتعد هذه نقطة انقلاب حرجة في مجرى الاحداث، مدعية بذلك انها
تبارك بيعها وليس تظاهرا على الاقوام الاخرى، لتثبت سيادتها على السوق، بذلك يكون مؤشرا
على تغيير الاهداف. فكان موسما رائعا للترويج والبيع بسم الله والاصنام التي كانوا يدعون انهم
يتقربون بها زلفى الى الله، فيملكون بذلك الاله والعباد.
وهكذا فعل الأغلب حفاظا على مكانتهم وقدرة آلهتهم وحماية لموقعها في نفوس القبائل، حتى
اصبح هذا الموسم أهم من الحج نفسه. والأمثلة كثيرة على الانحراف عن الغاية الحقيقية. ولا يفوتنا
ان نذكر قوم نوح الذين فشلوا في دحض افكار وطروحات نبي الله نوح (ع) فألبسوا الحق بالباطل
وخيموا على مجتمعاتهم بالشبهات، لطمس الحقائق وادخال المجتمع في دوامة الصراعات
تغيير دعم قارئ الشاشة