تغيب التركمان من قائمة السفراء وحجب متواصل لدورٍ أصيل

تغيب التركمان من قائمة السفراء وحجب متواصل لدورٍ أصيل

لطالما كان التركمان، المكون الثالث الأصيل في العراق، جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والتاريخي للبلاد. فتاريخهم العريق ودورهم المحوري في بناء الحضارة العراقية يشهد له القاصي قبل الداني وتسطره المصادر العربية والأجنبية على حد سواء. ومع ذلك، لا يزال هذا المكون يواجه مسلسلاً طويلاً من التهميش والإقصاء وصل اليوم إلى منعهم من تمثيل العراق في المحافل الدولية كسفراء وهو ما يعد فصلاً جديداً من فصول هضم حقوقهم المشروعة
إن محاولات إقصاء الدور التركماني ليست وليدة اليوم، بل هي امتدادٌ لسياسات بدأت منذ الاحتلال البريطاني للعراق عام 1918م، وتفاقمت تبعاتها مع معاهدة لوزان التي ألقت بظلالها السلبية على التركمان في العراق. اليوم يأتي قرار وزارة الخارجية العراقية بتغييب التركمان عن قائمة السفراء ليؤكد استمرار هذا النهج المؤسف.
لقد درجت العادة على أن يكون تمثيل جميع المكونات العراقية في السلك الدبلوماسي أمراً بديهياً، يعكس التنوع الثري للبلاد ويعزز صورتها في الخارج. فالسفير لا يمثل نفسه أو مكونه فحسب، بل يمثل العراق بكل أطيافه. وحرمان التركمان من هذا المنصب الهام، أسوة ببقية القوميات والمكونات الأخرى، هو إجحاف بحقهم وتجاهل لتاريخهم وإسهاماتهم.
هذا التهميش المستمر لا يضر بالتركمان فحسب، بل يضر بالعراق ككل. فكيف لدولة تسعى لبناء نفسها على أسس العدالة والمساواة أن تتجاهل مكوناً بهذا الحجم والأهمية؟ إن إقصاء التركمان من المشهد الدبلوماسي هو حرمان للعراق من كفاءاتهم وخبراتهم التي يمكن أن تثري العمل الدبلوماسي وتعزز مكانة العراق دولياً.
إن محاولة إلغاء الدور التركماني في العراق أشبه بمحاولة حجب أشعة الشمس بالغربال؛ فوجودهم ضارب في جذور الأرض العراقية، وحقوقهم لا يمكن إنكارها. على وزارة الخارجية العراقية والحكومة بشكل عام، أن تراجع سياساتها وتصحح هذا المسار الخاطئ. يجب أن تدرك أن العدالة والمساواة في التمثيل هي أساس بناء دولة قوية وموحدة، دولة يحتضن فيها الجميع ويشعرون فيها بالانتماء الكامل.
لذا، يجب على الجهات المعنية أن تعمل على إنهاء هذا التهميش وأن تضمن للتركمان حقهم في التواجد والتمثيل في جميع مفاصل الدولة، بما في ذلك السلك الدبلوماسي، بما يتناسب مع ثقلهم التاريخي والديموغرافي وبما يخدم مصلحة العراق ووحدته.
تُعد الديمقراطية نظام حكم يقوم على مبدأ المساواة والعدالة ويُفترض بها أن تكون حاضنة لجميع المكونات، تضمن حقوقها وتشركها في صنع القرار دون تمييز أو تفضيل. فالعراق، بتاريخه العريق وتنوعه المجتمعي الغني، أحوج ما يكون إلى تطبيق هذه المبادئ لضمان استقراره وتقدمه. إن إنصاف جميع المكونات وتوزيع الحقوق بشكل عادل ومتوازن، دون تفضيل مكون على آخر، هو من أهم متطلبات الديمقراطية والسلم المجتمعي. وقد أثبتت التجارب على مر العصور أن تهميش أو تغييب أي مكون، مهما كان حجمه، له تأثير سلبي مدمر على العملية السياسية برمتها وقد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وإذكاء الصراعات.
لقد مر العراق بفترات عصيبة نتيجة لسياسات الإقصاء والتهميش التي مورست ضد مكونات معينة. ففي السابق، أدت سيطرة فئة معينة وتغييب مكونات أخرى إلى تفاقم الأزمات السياسية والأمنية وخلقت بيئة خصبة للاستقطاب والنزاعات. اليوم  ورغم التحولات الديمقراطية التي شهدها العراق بعد عام 2003، ما زلنا نشهد بعض الممارسات التي تكرس التهميش وإن كان بأشكال مختلفة.
على سبيل المثال يواجه المكون التركماني وهو مكون تاريخي وأصيل وله إسهامات حضارية كبيرة، تحديات مستمرة في الحصول على حقوقه الكاملة. فتغييبهم عن المناصب السيادية أو تقليص دورهم في المؤسسات الحكومية، لا يعكس فقط إجحافاً بحقهم، بل ينعكس سلباً على صورة العراق الديمقراطية أمام العالم. فكيف يمكن لدولة تدعي الديمقراطية أن تستثني مكوناً أساسياً من التمثيل العادل؟
  العراق لن يبلغ أقصى إمكاناته إلا عندما يشعر كل مواطن، بغض النظر عن انتمائه، بأنه شريك حقيقي في بناء وطنه وأن حقوقه مصونة ومكانته محفوظة. فالديمقراطية الحقيقية لا تتجسد فقط في صناديق الاقتراع، بل في قدرة الدولة على احتضان جميع أبنائها، وتوزيع الحقوق والواجبات بعدالة، لتظل ركيزة للسلم المجتمعي والاستقرار السياسي الدائم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات