بانت على “بهلول” امارات الغضب الساطع وهو يبصر عبر شاشة تلفزيون مقهى الطرف فوهات النيران وسحب الدخان وتراصف الجثث في عربات الدفع، ويرى التفحم والصراخ والركض اللامجدي والخراب الفذ في سلسلة الانفجارات التي ضربت العاصمة.
وبكى، نعم بكى “بهلول” على هذا الشعب الذي التم عليه الأعداء والاصدقاء. وكان يجهش بالبكاء ويتحدث بصوت متهدج عال، فهوّن عليه صاحب المقهى “سيد جابر” وهدّأه، بل ونهره وعنّفه لوماً اذ كيف يقول أن الأعداء والأصدقاء قد اتفقوا على شعبنا..
كفكف “بهلول” دمعه ورتَّب جلسته، وبدأ يشرح لسيد جابر كيف ان الحكام المتنفذين أخذتهم الحمية على “القنفة” الرئاسية ووقفوا أمامها حِدادا، وكيف أنهم شبهوا المتظاهرين السلميين مرة بالمنفلتين ومرة بغير الراشدين ومرة بالزومبيات ومرة بالمعتدين ومرات بالخارجين عن القانون، وكيف انهم يطالبون بمعاقبة الشعب المطالب بحقوقه، وكيف أنهم لا يتعظون!
كذلك شرح له كيف أن السادة المتنفذين حصّنوا المنطقة الخضراء بالأسلاك المربوطة بالكهرباء، وكيف أبدلوا قائد حمايتها بآخر أكثر ولاءً لهم من سلفه الذين اتهموه بحبّ الشعب.
هذا في الوقت الذي تُستباح فيه الحارات الشعبية، وتتحوّل فيه الشوارع الى برك للدم، وكيف تضج وسائل الاتصال والاعلام بصور المنكوبات من أمهاتنا وبصور الضحايا من أطفالنا.
وشرح لسيد جابر أيضا أن لهو حكامنا الأصدقاء بالحفاظ على خضرائهم واستبسالهم في الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم وحقائبهم، مكّن الأعداء من اختراق مناطقنا الشعبية غير المحصنة وغير الملتفت اليها أصلا، بل المهددة بالعقاب والعقوبة لأنها تظاهرت واعتصمت ولم تسكت.
وكشف بهلول لسيد جابر تستر الحكام الأصدقاء بعباءة الاصلاح فيما هم يخافون من تنفيذ أية خطوة إصلاح حقيقية، بل وقعوا على وثيقة شرف للحفاظ على حصصهم في كعكة العراق.
وأخيرا أعلن بهلول أن المتنفذين يجادلوننا في الاصلاح، هذا الاصلاح الذي صار معناه واضحا جليًّا بيّنا مثل كروية الأرض، ولكن الحكام الأصدقاء أصبح واحدهم “معاندا ورافضا مثل جليس ملا عبود الكرخي، وبارك الله بالملا على ما قال يومذاك”. فطلب سيد جابر أن يعرف الحكاية، فشرحها له بهلول.
في أحد مقاهي بغداد احتدم مرة النقاش بين المُلا عبود الكرخي وبين صديق له لا يؤمن بكروية الأرض. فكان المُلا كلما حاول إقناع صديقه بهذه الحقيقة، كان هذا يشتد عنادا وتزمتا وتصلبا في رأيه، حتى أنه كان يقاطع المُلا بين الحين والحين قائلا:
– متروح تشتري ابعقلك تمر أشرسي، مولانه لو الأرض مثل البرتقالة چان وگعنا على روح أبوه للملعون ابن الملعون (ماجلان).
في هذه الأثناء مرّ من أمام باب المقهى أحد المكارية وهو يردد بأعلى صوته:
– وين ابن الحلال، وين چسّاب الأجر والثواب، وين اللگه زمال ضايع يدلينا والحلاوة “مجيدي”.
فما كان من المُلا عبود الكرخي الا أن يخاطب الدلال:
– تعال دلال، جيب المجيدي، وأخذ زمالك.
وأشار الى صديقه الذي لا يؤمن بالتظاهرات..