تعنيف الزوجة .. من وجهة نظر دينية وانسا نية وقانونية

تعنيف الزوجة .. من وجهة نظر دينية وانسا نية وقانونية

كان المجتمع الجاهلي ينظر للمرآة على أنها سلعة رخيصة او بهيمة من البهائم التي يمتلكونها ، فيتصرفون بها كيف شاءوا, لأن المرأة في اعتقادهم هي عالة على زوجها , فحرموها من الميراث بقولهم: لا يرثنا إلا من يحمل السيف، وامام هذا الازدراء المر لم يكن للمرأة سوى الاستسلام , والاعتقاد بأنها خلقت لكي تكون هكذا حالها واستحقاقها في الحياة , فاذا الزوجة ولدت عندهم بنتا ساد الحزن في بيت زوجها وفرقوا بنتها عنها دون رحمة وانسانية وأودوها (دفنوها حية) ويعود سبب تلك الكراهية لها إلى أن حياة الجاهلية كانت قائمة على الحروب والغارات والسلب والنهب، والبنت لا تستطيع فعل ذلك فكرهوا ولادتها وتعللوا بخوف من عارها , وبعد ان جاء الإسلامُ رفع مكانة المرأة وكرَّمها ، فأمر الزوج بحسن معاشرتها كما في قوله تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ) سورة النساء (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ) سورة البقرة .
لقد أمر الله تعالى بأن يُعاشر النساء بالمعروف ، والمعروف كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل.
اما النبي محمد ص فقال ( استوصوا بالنساء خيرًا) – (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله)- (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة) – (خيرُكم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي) – (يا أنجشة، رويدك سوقًا بالقوارير) وهذا الحديث الاخير تشبيه بديع يوحي بجمال نظرة النبي ص لهذا الجنس اللطيف ، فالمعلوم أن القارورة تُتخذ غالبًا من الزجاج؛ فهي سهلة الكسر، وبالتالي يكون القاسم المشترك بين المرأة والقارورة هو سهولة كسرها، كذلك القارورة لا تُظهر إلا ما مُلئت به من مادة طيبة ، فكذلك الزوجة مهما ملأها الزوج بشيء من المعاني، فاضت به وأظهرته في شتى صورعلاقتها معه , وكان رسول الله ص يطبق مبدأ الحلم مع زوجاته، فلم يكن يغضب منهنَّ لنفسه.
لقد ضرب رسول الله ص المثل للرجال فى صبره على زوجاته، فعندما أهدت إحدى زوجاته طعاماً للسيدة عائشة التى كانت لا تجيد الطهى، فمن غيرتها ضربت إناء الطعام بيدها فكسرته، ووقع الطعام على الأرض ، غير أن رسول الله ص لم يستاء من ذلك , ولم ينهرها، بل قدر أنها امرأة فقال لها: ( يا عائشة لقد أخطأتى وعليك كفارة إناء بإناء وطعام بطعام , فبمنتهى الحكمة يعلم الرسول زوجاته حسن التصرف، وهذا نوع من الصبر الجميل على الزوجة، وفى نفس الوقت حسن المعاملة لها وتعليم للأمة الإسلامية كلها كيف نتعامل مع المرأة فى لحظات العنف، حيث كانت معاملته لهن فيها مودة ورحمة وصبر عليهن حتى فى غضبه , كان لا يضرب واحدة منهن ولا يعاقبها عقاباً شديداً.
لقد تجلت عظمة الرسول الاعظم ص في تربية النفوس، وترسيخ قواعد الأسرة؛ بالمحافظة على استقرارها، وأمانها وسعادتها , فما أعظم هذا النبي! وما أبلغه في تربية القلوب، والحفاظ على المودة والرحمة، حتى حال النزاع والخلاف.. اما سيرة الامام علي(ع) مع زوجته السيدة فاطمة(ع) فكانت نموذجاً رائداً يُحتذى به ، فكان يجلّها ويحترمها ويقدّرها ويكرّمها ولم يبدِ تجاهها كلمةً واحدةً تؤذي مشاعرها , وقد عبّر عن هذا المعنى عند وفاتها بقوله
(فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان) .. صحيح ان السيدة فاطمة امرأة استثنائية ، لكنّ الامام تزوج بغيرها، فكان يحترمهن جميعاً من موقع احترامه لإنسانية المرأة، وله قول عظيم بحق كل النساء عموما(لا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى، وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُول)
لهذا على الزوج الصالح لا يضرب زوجته أبدا إمتثالا للتوصيات المتكررة من نص القران الكريم وقول النبي الكريم ص
بقي ان نذكر بإيجاز قصة الحجاج بن يوسف الثقفي مع زوجته هند بنت المهلب فقد دخل الى غرفتها وسمعها تقول
وما هند إلا مـهـرة عــربـية سـلالة أفـــراس تحللـها بـغـل
فإن ولدت مهرة فللـه درهـا وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل
فلما سمع الحجاج بيتي الشعر عاد أدراجه غاضباً دون أن تنتبه هند لوجوده، وأراد أن يجازيها على قولها ذاك بالطلاق، فبعث إليها صداقها (مئتي ألف دينار) مع غلامه , لنتأمل في سلوك الحجاج المعروف عنه جباراً عنيداً في سفك الدماء وقطع الرؤوس ابى ان يعاقبها عقابا جسديا او كلاميا بل اكتفى بطلاقها مع ضمان حقوقها الشرعية , لانه يدرك ان العرب يعيِّرون الرجل الذي يرفع يده على المرأة ، بل يعيِّرون حتى أبناءه من بعده , والى اليوم لازالت هذه المأثرة العظيمة حاضرة عند الكثير من الناس.
اليوم في مجتمعنا اصبح الزوجان يختارون الطلاق بسبب تعنيف الزوجة وهذا ما يجعلها تطلب الطلاق للتخلص من واقعها المؤلم.
لقد اكدت مصادر احصائية ان 28% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق، وأنّ 70% من قضايا الطلاق يتم رفعها من قبل النساء وأن أغلب الراغبات في الطلاق يتنازلن عن حقوقهن في سبيل الانفصال بسبب العنف الذي يمارسه الزوج .
لقد ظهرت مودة جديدة بالزواج من اكثر من امرأة ليست حاجة بل بطرا للذين ارتفعت مواقعهم في السلطة وزادت اموالهم فجاه , فباتوا يفضلون الزواج بالأجنبية على العراقية خاصة السوريات .. فالمرأة العراقية تقف خلفها عائلتها لتحميها من الزوج الذي بات يمارس العنف والإهمال وحرمان الحقوق، لكن السورية لن تخلق مشكلة مع العراقي بأي وضع كان مقابل استقرارها من حيث السكن والمعيشة, فقلّة قيمة المهر للمراة السورية وبُعدها عن عائلتها يجعلها مفضلة عند العراقي الذي ينسى او يتناسى بان هذه المرآة لا يعرف عن ماضيها وسلوك عائلتها شيئا وهو شرط ديني واخلاقي في اختيار الزوجة الصالحة كما هي عادتنا واعرافنا في العراق .
ان جميع الاديان ضد تعنيف المرأة , فالدين والعقل والانسانية يحرّمون ضرب المرأة , فكرامة المرأة هي اقدس الاقداس ولا بد من الحفاظ عليها من خلال نصوص القرآن والسنة , صحيح ان القانون يعاقب الزوج المعنف اشد عقوبة قد تصل الى السجن لسنوات , لكن ليس بإمكان القوانين والمحاكم القضائية ، أن تحد من ظاهرة العنف وسريانها في المجتمع ، بل لابد أن توجد بجانب القانون تربية أخلاقية اجتماعية وأسرية ، لتسهم هي بدورها في إعداد الجو والمناخ الملائم لبسط ثقافة التسامح واللاعنف بين المرآة وزوجها.
اخيرا نصيحة للذين يمارسون العنف مع زوجاتهم , ما رأيت رجلاً يستلذ بإهانة المرأة إلّا وهو كان مهان ومعنف في طفولته ، فمن يكرمهن إلا كريم ومن يهينهن إلا لئيم , فلا تهانُ المرأة إلا في بيت رجل جاهل ,أما في بيوت المتعلمين فالنساء أميرات. فهناك من يعتقد ان تعنيف النساء رجولة وقوة بينما هو قمة الضعف والحقارة .
د.راجي العوادي
اكاديمي وكاتب مستقل
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات