في الاسابيع الاخيرة حركت ملفات فساد وفتحت مجدداً من حالة التجميد والارشفة الى اعادة النظر فيهما واصدار احكام ضد بعض المتهمين بها، ولكن ماتزال ليست بالمستوى المطلوب لجهة تناسبها مع الجرم والضرر.
البلد ينخره الفساد من القمة الى القاعدة، حتى ان الفساد اصبح ثقافة سائدة في مختلف المرافق، غير ان هناك جذوة للمقاومة بين الناس وبعض القوى الخيرة التي عينها على مصلحة الشعب، الى جانب ان الفساد ذاته وشيوعه وانتشاره بهذه الطريقة اخذ يهدد النخب العليا في الدولة بالسقوط، وينذر بثورة عارمة تطيح بالجميع ومن هنا نرى هذا التحرك على مكافحة الفساد وايضاً محاولة لملمة القضايا ويتجلى ذلك باصدار احكام مخففة وابقاء التحقيقات سطحية ولا يتم التعمق بها.
طبعاً هذا التحرك الخجول لملاحقة الفاسدين لم يرض عنه عتاة الفاسدين الذين قطعوا شوطاً بتشكيل لوبيات فساد ومافيات لم تشهدها البلاد من قبل.
والمفارقة ان هؤلاء الفاسدين الطائفيين في تصريحاتهم الاعلامية شكلوا ما بينهم جبهات عابرة للقوميات والطوائف والمذاهب واية خصوصيات تجمعهم وتوحد مصالحهم وتساعدهم على ممارسة الفساد باشكاله وانواعه.
في الاسبوع الماضي تفجرت فضيحة من العيار الثقيل بمحاولة تهريب المدان عصام جعفر مدير التجهيزات الزراعية من مركز شرطة زيونة في وضح النهار، ومن دون خوف، وذلك مؤشر واضح على التزاوج بين السلطة والمال فالعملية الفاشلة للهروب بينت ان بعضاً من العناصر الامنية اشتركت فيها، الى جانب ثلاثة نواب، احدهم سابق وكشفت عن تسخير آليات الوزارة فيها، وبالاضافة الى المال الذي لعب دوراً رئيساً في الواقعة، وهو امر ليس بمستغرب لان هذا المال الحرام نفسه يشتري المواقع والمناصب وبالتالي لا تبقى حرمة ولا ضمير ولا وازع اخلاقي او ديني، بل ان هذه العملية لها امتداداتها الحزبية بانتحال الصفة او بحكمها وهيبتها وسطوتها على القانون.
عملية الهروب والتحقيقات التي تجري ينبغي ان تكون شفافة ومعلنة على الملأ وبتفاصيلها لتكون حادثة للتربية وللردع، هذا مطلب ملح على الاقل لمداواة جروح الفساد الغائرة في قلوب الناس ومعيشتهم وخدماتهم.
لسنا بصدد بيان اسباب هذه الاستهتار بالقانون والايغال بالجريمة، فهي معروفة وفي مقدمتها التحاصص باسناد المسؤولية وعدم الخضوع للرقابة والقانون، واصبح كل كيان سياسي او غيره نافذاً بالسلطة بازلامه والسلاح الذي يملكه خارج القانون.
اصبحت هناك كيانات تنتهك القانون لانها لا تخضع الى احكامه ويتعذر تطبيقه عليها هي كيان تنظيمي مواز للعشيرة فاي فصيل يستطيع ان يجمع المنتسبين اليه بسرعة في مراكز معينة في حال تم مناداته من احد منتسبيه او مقاره ليرتكب ما يرتكب على وفق (انصر اخاك ظالما او مظلوما) بلا خشية من الاجهزة الامنية التي تتجنب تلبية شكوى المواطن عندما يتعلق الامر بهذه المجموعات المسلحة التي اندمجت بالمناصب ولا تفرق بين المال الحرام والحلال على حد سواء على حساب القانون والمصالح العامة والخاصة.
حادثة الهروب تنبه الى ضرورة مراجعة القوانين وتشديد العقوبات على مقترفيها، لا قيمة للاحكام الصادرة بحق الفاسدين بل ان بعضهم لا يترد على القول اعطني كذا وانا مستعد لسجن ضعف المدة التي تصدرها الهيئات القضائية على وفق القانون النافذ.
لم يكن هناك حديث في اماكن العمل او التجمعات الاخرى الا وهو عن الفوضى والانفلات وضرورة التخلص من مسبباته وفرض احترام القانون، خصوصاً على الجهات النافذة التي بات منتسبوها يستولون على الارصفة والشوارع مروراً بتعسير تقديم خدمات الدولة الى بيع الوظائف ومد اليد على المال العام الذي صار سائباً وقل الذين ينتخون لحمايته حتى ان كان ذلك ضمن واجبهم.
الناس لن يطمئنوا الى اجهزتهم الامنية ما لم تكف عن اخذ الاذن لاعتقال هذا المتهم او ذاك من الجهة الحزبية او المافيا التي ينتمي اليها، يريدون اجهزة امنية يلوذون بها ولا تأخذها في تنفيذ القانون لومة متنفذ فرداً ام جهة تنتزعه من أي مكان واي حضرة وتوقفه للتحقيق مثله مثل أي مواطن آخر.