تَعْلِيمُ القِرَاءَةِ فِي الوَطَنِ العَرَبِيِّ .. تَنْظِيرٌ وَمُمَارَسَةٌ وتَتْوِيجٌ
قَانُونُ القِراءَةِ .. صَوْبَ تَجْرِبَةٍ فَرِيْدَةٍ :
في ضوء التسارع المعرفي الراهن استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحقق سبقا حضاريا ماتعا ، نعم فعلتها دولة الإمارات العربية المتحدة ، هكذا يمكن توصيف أصداء القانون الأول من نوعه الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 ، وهو مشروع تنويري يمنح المواطن العربي وليس الإماراتي فحسب فرصة ممارسة فعل القراءة بمستوياتها المتعددة وفق إطار تشريعي وثمة برامج ومساقات محددة تحت رعاية وإشراف وتنفيذ مؤسسات حكومية تستهدف في منتجها النهائي ترسيخ وتدعيم بل وتكريس عادات القراءة في دولة الإمارات ، وإن كنت أرى أن هذا الملمح الحضاري الاستثنائي سيتجاوز بصورة متسارعة تخوم الوطن الإماراتي ليعبر صوب كافة البلدان العربية الأخرى .
ولا يمكن للمواطن العربي أن يتغافل عن هذا السبق الثقافي الفريد الذي أحدثته دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدارها قانونا للقراءة ، فهي بذلك تؤسس لمرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني في مسيرته الحضارية ، إذ تتسابق الدول المتناحرة هذه الآونة في استباق التسليح والاستثمار الاقتصادي والتوسع المادي العمراني ، لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ طريق مغاير لسمة العصر الراهن ألا وهو سبيل القراءة ، بمعنى الاستثمار البشري الذي يضمن للإنسان بقاءه الحضاري ، والأبرز من هذا كله فإن تسليح المرء بالقراءة وإحداثياتها هو خير وسيلة للمنافسة الثقافية من ناحية ، ولمواجهة كافة التيارات والاتجاهات الوافدة على البيئة العربية من ناحية أخرى .
نعم بالفعل أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونا للقراءة ، واستطاعت أن تنحى منحى مغايرا لما اعتاد عليه المفكرون التربويون العرب والأجانب على السواء حينما رصدوا لنا كنه القراءة بأنها عملية ميكانيكية أو فك رموز، أي ترجمة الرمز المكتوب إلى صوت ، والتعريفات التي ترى في عملية القراءة عملية عقلية مركبة وذات شكل هرمي يرتبط بالتفكير بدرجاته المختلفة، بحيث إن كل درجة تفكير تعتمد على ما تحتها ولا تتم بدونها .
أو كما رأى جيبسون من أن القراءة عملية اتصال واستجابة لرموز مكتوبة وترجمتها إلى كلام وفهم معناها. بينما يرى دشنت أن عملية القراءة عملية تتعدى فك الرمز وتهجئة الكلمات المطبوعة ، وهي عملية تهدف إلى الوصول لمعنى المادة وفهمها ومن ثم تداخل القارئ بالمادة وتحليلها وعمل إسقاطات ذاتية عليها. أي أن القراءة عملية موضوعية من حيث إدراك معنى المادة ، وعملية ذاتية من حيث التفاعل معها وتحليلها واستخلاص نتائج منها.
أما تايلور فذكر لنا منذ سنوات بعيدة أن القراءة عملية تفاعل متكاملة فيها يدرك القارئ الكلمات بالعين ثم يفكر بها ويفسرها حسب خلفيته وتجاربه ويخرج فيها بأفكار وتعميمات وتطبيقات عملية. ويرى سميث القراءة أنها عملية اتصال تحوي نقل معلومات من المرسل إلى المستقبل يرافقها انتخاب ورفض وقبول.
هذا التحول إلى التطبيق هو ما أكسب القانون أهميته وفاعليته في التنفيذ ، كون القراءة تصبح لأول مرة فعلا عاما لا يقتصر على الممارسة الأكاديمية أو التجريب المدرسي ، لذلك القانون ضمن للقراءة مقاما رفيعا باعتبارها عملية استكشافية تنويرية تأويلية ذات بعد دلالي مقصود، وبهذا التحديد يمكننا أن نذهب مع المحاولات التي ترمي إلى اعتبار القراءة عملية مكمِّلة لعملية الكتابة، فلا قراءة من دون نص مكتوب، وبالتالي فالقراءة هي فعل ذهني منتِج يؤدي إلى استنباط نص جديد يعتمد في تشكله على آليات القراءة كعملية ذهنية ذات بعد مستقل، ربما يستمد بعض سمات تحفزه من النص المكتوب. وحينما يسمع العربي أن دولة الإمارات العربية المتحدة نصت في قانونها للقراءة توفير حقيبة معرفية للمواليد والأطفال ، فإن هذا سيمنح العربي قوة معرفية تمكنه من مواجهة الإشكالات الثقافية المحيطة به من زاوية ، ومن زاوية ثانية فإن وجود حقيبة معرفية بيد المواليد بمثابة حق اعتراف علني بأن هذا الوطن منتج للمعرفة والثقافة ، وأن حق المعرفة أصبح واجبا إنسانيا توفره الدولة لمواطنيها.
قَانُون القِرَاءَةِ .. أصْدَاءٌ ونَتَائِجُ :
والجدير بالرصد في إصدار قانون للقراءة بوصفها حقا إنسانيا يتمتع به المواطن الإماراتي ومن ثم العربي بوجه عام هو ما يحققه هذا القانون من جوانب نفع كثيرة ، فالقراءة غذاء العقل و الروح ، و هي نافذتنا نحو العالم و تعتبر من أهم وسائل كسب المعرفة ، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها و ماضيها ، وستظل دائماً أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم ، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة .
و القراءة ليست هدفا إنما وسيلة التعليم الأولي، و أصبح العالم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والذي يقرأ ويفهم ما يقرأ في سرعة يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينهي القارئ العادي. وتعتبر القراءة وفقا لقانونها الأول الجديد أساس التعليم ووسيلته الأولى، والفرد القارئ فرد نامٍ وقادر على استمرار النمو؛ فالقراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة واعية للكلام المطبوع، وهي السبيل للاتصال بعالم الآخرين، واكتساب معارفهم وخبراتهم التي تجعله قادرًا على العيش بفكر ناضج رحب، كما تكسبه القدرة على التعبير عن نفسه. كما أن القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد الأهل صيغة دائمة للتفاعل الإيجابي مع الطفل من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل، وتبادل الرأي والتعليق على ما يقرؤه الطفل. وقد تكون هذه الإيجابية والتفاعلية هدفا في حد ذاتها؛ حيث أصبحت صفة معبرة عن قدرة الفرد على التعايش والنمو، وهذه المعرفة والتفاعل لن يكونا بغير قراءة.
الإمارات العَرَبِيَّةُ المُتَّحِدَةُ تُؤَسِّسُ لِوَطَنِ التَّنْوِيْرِ:
بموجب إصدار دولة الإمارات العربية لأول قانون للقراءة فهي تضع قدما راسخة على أعتاب مرحلة جديدة وهي الاستثمار البشري والاعتراف بدور القراءة في تنمية التفكير والانطلاق بقوة نحو التنوير الذي ظل حلما بعيد المنال لكثير من مفكري النهضة العربية منذ مطلع القرن العشرين ، حيث صرح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة أن هذا القانون يستهدف الاستثمار في الإنسان بالدرجة الأولى، ويرسخ صورة الإمارات كنموذج ملهم في المنطقة، لافتاً سموه إلى أن هدفه جعل التعلم لكل أفراد المجتمع مدى الحياة، وتعزيز الأصول الفكرية والثقافية لمواطنينا.
وحينما يؤكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بأن القراءة والمعرفة أساس حقيقي للتطوير في دولة الإمارات، ولابد من تضافر الجهود كافة لإنجاح هذا القانون. وقال سموه إن «هدفنا إعداد أجيال يعملون من أجل تفوقنا، وتحقيق رؤيتنا المستقبلية لدولة الإمارات، فإن ذلك يتوافق تمام الاتفاق مع ما ذهبت إليه كافة الأدبيات القرائية المعاصرة التي ربطت بين القراءة والتفكير من ناحية ، والقراءة وإحداث التنوير من ناحية أخرى ، وفي إطار العلاقة التبادلية بين القراءة والفكر تبدو تلك العلاقة في أوضح صورها، فكما يسمو الفكر بلغته، يمكن للقراءة أن تسمو بفكر صاحبها، ويشهد تاريخ الفكر الإنساني أن القراءة كانت أشد الأسلحة الأيديولوجية ضراوة، وهي الوسيلة والأداة القوية في السيطرة على الفكر.
وعن طريق القراءة يقوم الإنسان بالعمليات التفكيرية من تفسير وتحليل وموازنة وإدراك للعلاقات، واستخراج للنتائج وتجريد وتعميم، ثم يصب ناتج كل هذه العمليات عندما تمده اللغة بالرموز التي تحدد له المعاني وتحمل له الأفكار. ولا خلاف على أن القراءة هي التي تحدد الفكر ،وأن الاثنين متلازمان، بل إنه يذهب إلى حد القول بأن القراءة هي الفكر. ويقول في هذا المفكر اللغوي ( همبولدت ) : ” إن القراءة هي العضو الأساسي للفكر ، فالفكر والقراءة هما شئ واحد وغير قابلين للانفصال” .
وأخِيْرًا تَحَقَّقَ حُلْمُ طَه حُسَيْن :
ساعة ما انتهى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من كتابه الماتع ” مستقبل الثقافة في مصر ” في عام 1938 في أثناء رحلته إلى موزين بفرنسا حينما ندبته وزارة المعارف ( التربية والتعليم حاليا ) لتمثيل مصر في فعاليات مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري الذي عقد في باريس ، كتب تقريرا إلى وزارة المعارف تضمن تأكيدا على أن القراءة العامة والحرة والدرسية هي أداة الفكر والحس والشعور ، وأن القراءة هي وسيلة التمكين الثقافي للشعوب العربية بوجه عام ، وتشكيل الشخصية الوطنية .
وفي ضوء هذا الحلم الذي لم يشهده الأستاذ العميد طه حسين فإنه حقا تحقق ، وصار واقعا وليس مجرد أمنيات أو طروحات متناثرة ، فقانون القراءة الأول من نوعه أعاد الثقة بين المواطن والمعرفة ، وصار وثيقة تضمن تأسيس الشخصية الوطنية التي تفكر وتربط وتستنتج من أجل تكوين لبنات صالحة في صرح الوطن الواحد .
ـ القراءة العربية .. تأصيل المهارة اللغوية :
تناول كثير من الباحثين موضوع القراءة كعملية عقلية وحاولوا تعريفها ، وقد تراوحت التعريفات بين التعريف الأولي الذي يرى في القراءة عملية ميكانيكية أو فك رموز، أي ترجمة الرمز المكتوب إلى صوت ، والتعريفات التي ترى في عملية القراءة عملية عقلية مركبة وذات شكل هرمي يرتبط بالتفكير بدرجاته المختلفة، بحيث إن كل درجة تفكير تعتمد على ما تحتها ولا تتم بدونها .
ويرى جيبسون أن القراءة عملية اتصال واستجابة لرموز مكتوبة وترجمتها إلى كلام وفهم معناها. بينما يرى دشنت أن عملية القراءة عملية تتعدى فك الرمز وتهجئة الكلمات المطبوعة ، وهي عملية تهدف إلى الوصول لمعنى المادة وفهمها ومن ثم تداخل القارئ بالمادة وتحليلها وعمل إسقاطات ذاتية عليها. أي أن القراءة عملية موضوعية من حيث إدراك معنى المادة ، وعملية ذاتية من حيث التفاعل معها وتحليلها واستخلاص نتائج منها.
أما تايلور يرى في القراءة عملية تفاعل متكاملة فيها يدرك القارئ الكلمات بالعين ثم يفكر بها ويفسرها حسب خلفيته وتجاربه ويخرج فيها بأفكار وتعميمات وتطبيقات عملية. ويرى سميث القراءة أنها عملية اتصال تحوي نقل معلومات من المرسل إلى المستقبل يرافقها انتخاب ورفض وقبول.
وتوصف القراءة بأنها استخلاص للمعنى من المادة المطبوعة أو المكتوبة، أو القدرة على فك رموز المعاني من الأشكال المكتوبة ، وتتضمن القراءة سلسلة متكاملة من المهارات الثانوية مثل الإحاطة بنظام الحروف الهجائي وعلاقة بعض الحروف مع بعضها لتشكل صوتاً لغوياً آخر ، كما تتضمن أيضاً المهارة الذهنية و الحركة الآلية الخفيفة للعين .
والقراءة يمكن تعريفها من حيث هي عملية استكشافية تنويرية تأويلية ذات بعد دلالي مقصود، وبهذا التحديد يمكننا أن نذهب مع المحاولات التي ترمي إلى اعتبار القراءة عملية مكمِّلة لعملية الكتابة، فلا قراءة من دون نص مكتوب، وبالتالي فالقراءة هي فعل ذهني منتِج يؤدي إلى استنباط نص جديد يعتمد في تشكله على آليات القراءة كعملية ذهنية ذات بعد مستقل، ربما يستمد بعض سمات تحفزه من النص المكتوب. وفي كثير من الأحيان تثار مجموعة تساؤلات حول مصطلح تعريف القراءة، وهل يمكن تعريف القراءة الاستنطاقية في مرحلة الاكتشاف على أساس أنها وحدة قرائية متكاملة بمعزل عن القراءة التأويلية التي تسهم إلى حد ما في تشخيص الهوية النهائية لمفهوم القراءة؟.
وكانت هناك محاولات في فلسفة المعنى، مفادها أن القراءة يجب أن تكون مؤدية إلى منتج ذهني، منتج متمثل برد الفعل تجاه النص المكتوب، وإلاّ فالقراءة تصبح مجرد محاولة عقيمة لا يمكن تأطيرها بمصطلح القراءة، لأن القراءة الاستنطاقية بمستوييها البنيوي والتفكيكي تعمل على تحري شبكة العلاقات والرموز والبنى على أساس مكونات داخلية للنص تثير استفزازاً في ذهنية القارئ، ومن دون القراءة التأويلية التي تستثمر رد الفعل الذهني لإعادة صياغة وتشكيل ردود الأفعال تلك إلى وحدة معرفية مستقلة تعطي انطباعاً عن هوية النص المكتوب من حيث النوايا والأهداف.
ومن التعريفات السابقة نلاحظ أن كثيراً من الباحثين يرون في القراءة عملية عقلية ويساوونها بالتفكير ، أي أن القراءة عملية تفكير، وهم يستبعدون الأخذ بقضية فك الرموز تعريفاً للقراءة، لأن فك الرمز وتحويل الحروف المكتوبة إلى أصوات لا يتعدى كون القارئ يقوم بعملية آلية وقراءته في هذه الحالة آلية ليس فيها تفكير، وهي أشبه بالقارئ العربي عندما يقرأ نصاً مكتوباً باللغة الفارسية التي تكتب بحروف عربية، وقارئ الإنجليزية ، ويقرأ الألمانية التي لا يعرفها.
ولكن القراءة الحقيقية تبدأ من اللحظة التي يحول فيها القارئ تحويل الرموز إلى أصوات. والقراءة على هذا الأساس هي عملية معقدة تشمل تقييم القارئ للكلمات وعلاقتها مع بعضها في الجملة وقبول معنى ورفض معنى آخر، وتتداخل فيها قدرات عقلية مختلفة وتتأثر بمعطيات داخلية تتصل بالقارئ، وعوامل خارجية تتصل بالنص والظروف المحيطة ، وجميع ذلك يؤثر على صورة الاستجابة النهائية للمادة المقروءة ، وعليه فإن القراءة تشتمل على جميع مقومات التفكير.
إذن فعملية القراءة -كأداء معرفي- تعتبر عملية متكاملة تمر بمجموعة مستويات، تبدأ بالاكتشاف أو التحري الأول وأحياناُ يسمى الانطباع الأول، ثم مرحلة الاستنطاق التي تعمل على تحليل البنى الداخلية وتفكيكها لتمهد للقراءة التأويلية في إعادة تشكيل الوحدات المعرفية إلى منتج نهائي يصف سلوك ودوافع النص المكتوب.
وإلى هذا التعريف، يمكننا القول إن القراءة تتبع تسلسلاً منطقياً في التعامل مع المنجز المكتوب، تعاملاً مثالياً لا عشوائياً في استدراج النص إلى مناطق أكثر إشراقاً، أو بعبارة أخرى تعمل القراءة مع النص المكتوب عملاً تنقيبياً من حيث قصدية واضحة، إذ لا نص من دون غاية أو دافع معين، وتحديد هذه القصدية في تشكيل الرؤية الأولى لعملية القراءة التي تمثل عملية تدوينية تتضمن الاكتشاف والتأويل معاً. ويجب الإشارة هنا إلى أن أنماط القراءة، التي تمثل وحدات قرائية متكاملة، إنما تميل إلى تخصيص الرؤية المنتَجة، هذا التخصيص يأتي من خلال تحديد البنى والعلاقات التي تسهم في إنتاج نمط القراءة.
وعلى سبيل، المثال القراءة اللغوية للنص هي منتَج معرفي لكل ما يتعلّق بإحداثيات لغة النص المكتوب، وهي تمثل التأثير الفني والسلوكي لبنيات اللغة في الشكل الخارجي للنص، وتأثيرها في معالجة وحدات البناء النفسي، ووحدات النسق الرمزي والإشاري، أي إظهار حالة التشكل اللغوي للنص وعلاقتها التبادلية بالوحدات البنائية الأخرى.
وبالإدراك نفسه يمكن وصف القراءة النفسية والقراءة السيميائية على أنها أنماط قرائية تمثل وحدات متكاملة، وكذلك القراءة التي تتناول مفهوم الزمان أو المكان، مضافاً إلى ذلك أية قراءة تعمل على تشخيص عنصر محدد من عناصر الكتابة لتمارس عملية فعل القراءة كوحدة شمولية لمجموعة قراءات تسهم في تشييد مفهوم القراءة العام، أي صيرورات تتشكّل من مستويات القراءة الاستكشافية أو الاستنطاقية بمستوييها البنيوي والتفكيكي، مروراً بمستوى القراءة التأويلية لتطرح رؤية شمولية لجانب من جوانب النص المكتوب، وهنا علينا التمييز بين القراءة النمطية التي تمثل صيرورة متكاملة، والقراءة غير الكاملة التي تقتصر على مرحلة الاكتشاف فقط، والتي تسمى أحياناً باللاقراءة لعدم طرحها مفهوماً محدداً عن هوية النص المكتوب.
وبهذا الفهم لعملية القراءة، نكتشف أن القراءة من حيث هي أداء معرفي أو نشاط ذهني مسلّط بقصدية لتقصّي مساحات نص مكتوب، هذا التقصي محكوم بآليات وعي متوازنة وبنيويات تخطيطية واضحة ترسم ملامح الغايات المرجوة من وراء القراءة، هي عملية اكتشاف واستنطاق، تحليل وتفكيك، تأويل وتدوين، أو بعبارة أخرى هي دورة معرفية متكاملة تمثل مجموعة صيرورات واستحالات لتؤدي إلى إنتاج نص جديد يمكن تسميته بنص القراءة.
وتمر القراءة في مستويات مختلفة ، وذلك حسب هدف القارئ ومهارته في القراءة. وقد قسم جراي هذه المستويات إلى ثلاثة مستويات أطلق عليها قراءة السطور، وقراءة بين السطور، وقراءة ما وراء السطور. وأطلق عليها آخرون اسم المستوى الحرفي والمستوى التفسيري والمستوى التطبيقي . وقد أطلق البعض على مستويات القراءة هذه أسماء أخرى هي مثل القراءة الحرفية و القراءة التفسيرية. القراءة الإبداعية. القراءة الابتكارية. القراءة الناقدة ، والقراءة التفاعلية، وأخيرا القراءة التأويلية.
ـ أهداف القراءة وأنواعها :
القراءة غذاء العقل و الروح ، و هي نافذتنا نحو العالم و تعتبر من أهم وسائل كسب المعرفة ، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها و ماضيها ، وستظل دائماً أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم ، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة .
و القراءة ليست هدفا إنما وسيلة التعليم الأولي، و أصبح العالم ينظر للقراءة بنفس الأهمية التي ينظر بها للكلام والمشي، والذي يقرأ ويفهم ما يقرأ في سرعة يمكنه أن ينجز من الأعمال أضعاف ما ينهي القارئ العادي. وتعتبر القراءة أساس التعليم ووسيلته الأولى، والفرد القارئ فرد نامٍ وقادر على استمرار النمو؛ فالقراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة
واعية للكلام المطبوع، وهي السبيل للاتصال بعالم الآخرين، واكتساب معارفهم
وخبراتهم التي تجعله قادرًا على العيش بفكر ناضج رحب، كما تكسبه القدرة
على التعبير عن نفسه. ولا يخفى على أحد أن قدرة أطفالنا وشبابنا على
التعبير عن الذات أصبحت غير كافية وغير دقيقة.
كما أن القراءة ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي الوسيلة الأولى
للتعلم والمعرفة والتفاعل الإيجابي، خاصة إذا ما اعتمد الأهل صيغة دائمة
للتفاعل الإيجابي مع الطفل من خلال القراءة بالمناقشة والتحليل،وتبادل
الرأي والتعليق على ما يقرؤه الطفل. وقد تكون هذه الإيجابية والتفاعلية
هدفا في حد ذاتها؛ حيث أصبحت صفة معبرة عن قدرة الفرد على التعايش والنمو،
وهذه المعرفة والتفاعل لن يكونا بغير قراءة.
و يمكن حصر أهداف القراءة على اختلاف أنوعها في تحقيق جودة النطق وحسن الأداء وتمثيل المعنى ، و كسب المهارات القرائية المختلفة كالسرعة، والاستقلال بالقراءة، والقدرة على تحصيل المعنى ، وإحسان الوقف عند اكتماله، ورد المقروء إلى أفكار أساسية ، وتنمية الميل إلى القراءة ، و الكسب اللغوي ، والتدريب على التعبير الصحيح عن معنى ما يقرأ. فضلا عن تنمية مهارات الفهم ؛ ويكون لكسب المعلومات، أو الانتفاع بالمقروء في الحياة العملية، أو للمتعة والتسلية والتذوق، أو لنقد الموضوعات. كما أن القراءة تعد الوسيلة الأولى لفهم القرآن الكريم و السنة الشريفة وتعرف واستقراء معانيه الدقيقة .كذلك الاطلاع و المعرفة على تجارب الأمم و الشعوب و الاستفادة منها.
أنواع القراءة :
أما بالنسبة لأنواع القراءة فيمكن النظر إليها من الزوايا التالية :
أـ من حيث التهيؤ الذهني للقارئ:
1ـ قراءة للدرس.
2ـ قراءة للاستمتاع.
ب ـ من حيث أغراض القارئ:
1ـ القراءة السريعة العاجلة.
2ـ قراءة لتكوين فكرة عامة عن موضوع متسع.
3ـ القراءة التحصيلية.
4ـ قراءة لجمع المعلومات.
5ـ قراءة للمتعة الأدبية.
6ـ القراءة النقدية التحليلية.
ج ـ من حيث الشكل والوسيلة في تلقيها وممارستها:
1ـ القراءة الصامتة.
2ـ القراءة الجهرية .
ـ القراءة الصامتة :
وهي عملية فكرية لا دخل للصوت فيها أنها حل للموز المكتوبة وفهم لمعانيها بسهولة ودقة ، فهي قراءة تحدث بانتقال العين فوق الكلمات وإدراك مدلولاتها دون صوت أو همس أو تحريك لسان. ويتسم هذا النوع من القراءة بمجموعة من المزايا من أهمها ما يلي :
1ـ تعتبر من الناحية الاجتماعية أعظم وأكثر انتشاراً من القراءة الجهرية.
2ـ توفر الوقت لكونها أسرع من القراءة الجهرية لتحررها من أعباء النطق.
3ـ تعين على الفهم وزيادة التحصيل أكثر من القراءة الجهرية لأن الذهن يكون متفرغاً من الأعمال العقلية الأخرى التي في القراءة الجهرية.
4ـ تعتبر أدعى إلى سرعة التفكير بالمقروء.
5ـ تعتبر أجلب للسرور والاستمتاع لأن فيها انطلاقاً وحرية.
6ـ فيها تعويد للقارئ على الاطلاع والاعتماد على النفس.
مجالات استخدام القراءة الصامتة:
1ـ قراءة الصحف والمجلات والقصص والنوادر للتسلية وقضاء وقت الفراغ.
2ـ قراءة الرسائل والبرقيات والإعلانات.
3ـ قراءة كتب الثقافة العامة.
4ـ قراءة كتب الأدب لما فيها من متعة فنية، وفهم دقيق لأنماط سلوك الناس في الحياة.
5ـ قراءة البحوث والآراء.
6ـ القراءة داخل المكتبة.
كيف تدرس القراءة الصامتة؟
من المهم جداً للمعلم أن يسعى لتحسين قدرة طلابه على القراءة، وهذا لا يتحقق بكثرة القراءة بل يتحقق بطريقة تدريس هذه المهارة. فكثيراً ما يلجأ بعض المعلمين إلى القراءة الصامتة لإشغال الطلاب حتى يتمكنوا هم من أخذ قسطِ من الراحة في ظل تكدس الحصص وكثرة الأعمال الملقاة على عاتقهم. ولكن على المعلم أن يفكر جيداً بما يحتاجه الطالب لكي يكون قارئاً جيداً. حيث إنه يحتاج إلى:
1- أن يقرأ قراءة صامتة جيدة سريعة.
2- أن يستطيع استخراج معلومات من القطعة التي يقرأها.
3- أن تصبح لديه المقدرة على تخمين معنى الكلمات الجديدة من خلال السياق العام للقطعة.
4- أن يستطيع تتبع الأفكار و المعلومات الموجودة بالقطعة.
5- أن يستطيع التعرف على بعض الكلمات بسرعة ومن خلال شكلها.
وعند تدريس القراءة الصامتة ننصح المعلم بتنويع طرق تدريس هذه المهارة حتى تخرجها من أسلوب الرتابة المملة والروتين المحبط. واليك اقتراحاً بإحدى هذه الطرق:
1- ضع أسئلة مسبقة على القطعة المراد قراءتها واطلب من الطلاب قراءتها والتفكير في إجاباتها قبل الشروع في قراءة القطعة.
3- اطلب من الطلاب الشروع في قراءة صامتة للقطعة وأن يحاولوا إيجاد إجابات للأسئلة القبلية.
4- الطريقة المثلى للقراءة هي الطريقة الجماعية، كل مجموعة تتكون من طالبين يتناقشان فيما بينهما.
5- في هذه الأثناء قم بالتجوال بين الطلاب لمتابعة سير الأمور والمساعدة في بعض الأمور التي تتطلب ذلك.
6- بعد انتهاء المدة المحددة للقطعة، اطلب من كل مجموعة أن تتأكد من إجاباتها من المجموعة المجاورة لها.
7 – اطلب من الطلاب أن يخبروك بالإجابات التي لديهم
8- اطلب من الطلاب أن يخبروك سبب إعطاء هذه الإجابات. كأن تطلب منهم أن يعطوك كلمة أو جملة من القطعة تثبت إجاباتهم.
9- اطرح أسئلة أخرى أكثر عمقاً واطلب من الطلاب الإجابة عنها.
وللقراءة الصامتة أهداف مختلفة، وتتغير طريقة التدريس بتغير الهدف ، منها القراءة من أجل المعلومات ؛ هي الطريقة التي تم شرحها أعلى وتتلخص في وجود أسئلة قبلية وبعدية توضح الفائدة العلمية التي خرج بها الطالب من خلال قراءته للقطعة و من خلال الأسئلة التي أجاب عليها قبل وبعد قراءة هذه القطعة. والقراءة السريعة، وتستخدم للتدريب على القراءة السريعة، على المدرس أن يختار القطع القصيرة والبسيطة التي تكون مفرداتها في متناول الطالب حتى لا ينشغل في البحث عن المعنى و تعرقل انطلاقته في القراءة، وهنا لابد من تحديد وقت قصير للقراءة وحاول أن تكون الأسئلة بسيطة. والقراءة من أجل استعادة المعلومات، وهذا النوع من القراءة يتلخص في أن يقرأ الطلاب قطعة معينة ثم يطلب منهم المعلم إغلاق الكتب ثم يحاول الطلاب تذكر ما بعض الكلمات أو الجمل التي قرءوها. وبإمكان المدرس اختبار ما تذكره الطالب بأن يكتب على السبورة نفس القطعة مع ترك فراغ لبعض الكلمات ويطلب من الطلاب أن يحاولوا تذكر هذه الكلمات المفقودة.
وكذلك القراءة من أجل القواعد، و لهذا النوع من القراءة يختار المعلم القطعة التي تحتوي عدة جمل حول قاعدة معينة كالأزمنة Tenses أو المبنى للمجهول passive أو الكلام المنقول reported speak ويطلب من الطلاب أن يضعوا خطاً تحت كل ما يتعلق بهذه القاعدة ثم يقوموا بشرح سبب استخدام هذه القاعدة في هذا الموضع بالتحديد.
فضلا عن القراءة من أجل البحث عن الكلمات:، وفي هذه القراءة يذكر المعلم كلمة معينة ويطلب من الطلاب أن يبحثوا عنها في القطعة ثم يحددوا السطر الموجودة فيه، ثم ينتقل إلى كلمة أخرى وهكذا. وبإمكان المدرس أن يختار كلمة تكررت عدة مرات في القطعة ثم يطلب من الطلاب أن يعدوا عدد المرات التي ظهرت فيها هذه الكلمة. والهدف من هذه الطريقة هو إكساب الطالب مهارة البحث عن الكلمات عن طريق سرعة الملاحظة.
ب ـ القراءة الجهرية :
وهي قراءة تشتمل على ما تتطلبه القراءة من القراءة الصامتة من تعرف بصري للرموز المكتوبة ، وإدراك عقلي لمدلولاتها ومعانيها ، وتزيد عنها التعبير الشفوي عن هذه المدلولات والمعاني بنطق الكلمات والجهر بها، لذلك تعتبر القراءة الجهرية أصعب من القراءة الصامتة وتستغرق وقتاً أطول. إن هذا النوع من القراءة يتلقى فيه القارئ ما يقرؤه عن طريق العين وتحريك اللسان واستغلال الأذن. وأساس ذلك النطق بالمقروء بصوت عال يسمعه القارئ وغيره، وينبغي أن تكون هذه القراءة ممثلة للمعنى ،طبيعية وخالية من التصنع والتكلف وإجهاد الصوت.
أما مزايا هذا النوع من القراءة فهي تعتبر أحسن وسيلة لإتقان النطق والإلقاء المعبر وتمثيل المعنى ، كما تعتبر وسيلة للكشف عن أخطاء النطق من أجل علاجها ، وتعود القارئ الشجاعة وتبعده عن الخجل وتبعث فيه الثقة بالنفس، بالإضافة إلى أنها تبعث بالنفوس حب القراءة لأنها تسر القارئ والسامع فيشعر كل منهما باللذة والاستمتاع بالمادة المقروءة ، وأخيرا تساعد على تذوق الأدب واستبطان المواقف الجمالية فيه.
أساليب تطوير مهارة القراءة الجهرية:
توجد أساليب كثيرة لتطوير مهارة القراءة الجهرية قدمها المتخصصون في مجال تعليم المهارات القرائية، من أهمها:
ـ التدريب على القراءة المعبرة عن المعنى، ويكون ذلك من خلال استخدام حركات الأيدي وتعابير الوجه.
2. ـ التدريب على القراءة السليمة الخالية من الأخطاء الإملائية، من خلال ضبط شكل الكلمات والنطق السليم لمخارج الحروف.
3. ـ التدريب على القراءة الجهرية أمام الآخرين بصوت واضح وأداء مؤثر دون تلعثم أو خجل، فهذا يمنح المتدرب على القراءة بثقة بالنفس والشجاعة.
4 ـ تلخيص النص قبل قراءته، لاينه يمكن القارئ من التركيز في أثناء القراءة.
5 ـ التدريب على الإحساس الفني والانفعال الوجداني بالنص.
6 ـ التدريب على ترجمة علامات الترقيم إلى ما ترمز إليه من مشاعر وأحاسيس، ليس في الصوت فقط بل حتى في تعابير الوجه.
7. يفضل أن تكون القراءة أمام زميل أو أكثر، فهذا يعود القارئ على ممارسة القراءة الجهرية كما يساهم في كشف الزملاء لأخطائه.
8. التدريب على القراءة السريعة، من أجل أن لا يمل المستمع للنص من بطئ القراءة فيفقد النص لأهميته..
القراءة السريعة :
تهدف القراءة السريعة إلى اكتساب المعرفة بصورة أكبر ، وهي مهارة يمكن اكتسابها، والقراءة السريعة ( التصويرية) تختصر خطوات القراءة إلى خطوتين فقط وهما:. النظر إلى الكلمة المكتوبة ، و فهم الكلمة المكتوبة. فالفرق بين القراءة العادية والقراءة التصويرية كالفرق بين الرجل العادي والعداء فكلاهما يقطعان مسافة واحدة ولكن الزمن يختلف ولم يصل العداء لهذا الزمن إلا بالتدريب والمران المتكرر ،فلو بذل الرجل العادي تمارين كالتي بذلها العداء لاستطاع أن يصل في نفس الوقت.
طريقة القراءة السريعة:
1 ـ بحث عن المعلومات وراء الكلمات ولا تكتفي بالنظر إلى الكلمات لأنه ليس غرضنا من القراءة معرفة معاني الكلمات فتلك نعرفها من السابق وإنما غرضنا هو فهم العلاقات بين الكلمات والجمل .
2 ـ لا تركز على الأصوات التي تثيرها الكلمات في ذهنك للبحث عن المعنى بل ركز على علاقات المعنى بين الكلمات والجمل أستخدم القلم المتحرك أو يدك عبر الصفحات، ويجب ألا تتوقف يدك أو قلمك عن كل كلمة بل حركها بسرعة فهمك للجملة وللفقرة ككل فالعينان تتبعان اليد أو القلم المتحرك لا تحرك فمك أثناء القراءة .
ـ مهارة المجاراة وضبط السرعة ، ويقصد بها القراءة السريعة مع الفهم السريع وهذه المهارة ليست كالمهارات السابقة، فهي تحتاج إلى الكثير من التدريب، كما تتطلب الاستمرار في التطبيق. -. وهي لهذا تعتمد على المرونة، أي “القدرة على قراءة النصوص المختلفة بالسرعة الأكثر اتفاقا مع غرض ونوعية النص فكثير من الطلبة يخفقون في الإجابة عن الأسئلة في الامتحانات ليس لعدم معرفتهم بالإجابات الصحيحة وإنما للبطء في قراءة الأسئلة.
ـ التخمين : هي العملية الذهنية التي يقوم بها الدماغ قبل قراءة النص فقد يوحي العنوان بأفكار قد تكون في صلب الموضوع فيتنبأ القارئ بما يمكن أن يكون في صلب الموضوع ويمكن التدريب على هذه المهارة بالتكرار ومقارنة النتائج حتى يصبح لدى الإنسان فراسة وهي قد تبرز تجاه كاتب معين فقد تقرأ عنوان مقال معين لكاتب محدد ثم تخمن باقي الموضوع وإذا راجعت النص ووجدت ما خمنت قريبا ، فإنك في المرة القادمة قد تقترب أكثر، ويمكن التدريب على هذا النشاط الذهني
وفائدة هذا النوع من المهارة يكفي أن تتيح فرصة التفكير للإنسان وتمرين فكره؟ أو ليس التفكير هدف عظيم بحد ذاته؟؟ ثم إن التدريب المبكر على هذه المهارة تساعد الطالب في حياته العملية في الحاضر والمستقبل، فهي أداة رائعة لقياس النتائج قبل وقوعها، فيتجنب ما هو سلبي ويقبل على ما هر إيجابي.
4ـ مهارة استخدام مفاتيح الأسئلة السبعة وهي:
أـ السؤال الذي يبدأ (من) للاستفسار عن الأشخاص
ب السؤال الذي يبدأ(ماذا) للاستفسار عن الأشياء
ج ـ السؤال الذي يبدأ( هل) يكون الجواب النفي أو الإيجاب
د ـ . السؤال الذي يبدأ( كيف ) للسؤال عن الهيئة وهو يحتاج إلى تفسير .
هـ ـ السؤال الذي يبدأ(كم ) للسؤال عن العدد
و ـ السؤال الذي يبدأ( متى للسؤال عن الزمن
ز ـ . السؤال الذي يبدأ ( لماذا) للسؤال عن السبب أو المبرر .
ـ الفهم القرائي:
يعد الفهم القرائي أهم مهارات القراءة، وأهم أهداف تعليمها، فتعليم القراءة يستهدف في كل المراحل والمستويات التعليمية تنمية القدرة على فهم ما تحويه المادة المطبوعة. والقراءة الحقيقية هي ” القراءة المقترنة بالفهم، وإذا كانت القراءة عملية عقلية معقدة تتضمن عدة عمليات فرعية؛ فإن الفهم هو العملية الكبرى التي تتمحور حولها كل العمليات الأخرى ، فالفهم هو ذروة مهارات القراءة، وأساس عمليات القراءة جميعها، بل إن الفهم عامل أساسي في السيطرة على فنون اللغة كلها .
والفهم القرائي عملية تشير إلى التقاط معنى اللغة المكتوبة أو المنطوقة، ويتطلب ذلك عمليات عقلية مركبة لتعرف المعاني أو تداعياتها، وتقويم المعاني المعروضة، واختيار المعاني الصحيحة . ويكاد يتفق كثير من التربويين على المصطلح، فيرى فتحي يونس (2001) الفهم القرائي عبارة عن ” ربط خبرة القارئ بالرمز المكتوب ، وتفسير الكلمات في تركيبها السياقي، وتنظيم الأفكار المقروءة، واختيار المعنى المناسب ” .
ويعرفه مصطفى إسماعيل (2002) بأنه ” عملية عقلية يقوم بها القارئ للتفاعل مع النص مستخدماً خبراته السابقة، وإشارات السياق لاستنتاج المعاني المتضمنة في النص” .
ويرى نايف معروف (1991)أن الفهم القرائي هو ” القراءة الاستيعابية الواعية بالسرعة المناسبة، واستنباط الأفكار العامة والمعلومات الجزئية، وإدراك ما بين السطور من معان وما وراء الألفاظ من مقاصد” ، ويشير زكريا إبراهيم (1999) إلى الفهم القرائي بأنه ” عملية الربط الصحيح بين الألفاظ والمعاني، بل الربط بين مجموع الكلمات والمعنى الكلي لها” .
ومهما اختلفت وجهات نظر التربويين فيما يتعلق بالفهم القرائي ، فإن معظمهم يتفقون على أن الفهم القرائي هو العنصر الأساسي في عملية القراءة، ويتوقف الفهم القرائي على خلفية القارئ ومدى نموه اللغوي، وقدرته على تفسير كلمات الكاتب وتحويلها إلى أفكار ومفاهيم.
ويقصد بالفهم القرائي من خلال ما سبق من تعريفات أنه عملية عقلية معقدة، تعني استخلاص المعنى من المادة المقروءة لخدمة فهم النص المقروء، وتفسيره ونقده، والقدرة على القراءة في وحدات فكرية، وفهم الكلمات من السياق، واختيار المعنى الملائم لها ، وتطبيق الأفكار وتفسيرها في ضوء الخبرة السابقة.
وتشير الكتابات التربوية إلى أن الفرد الذي يقرأ ، ويفهم ما يقرؤه ، يمكن أن ينهي من الأعمال والواجبات أضعاف ما ينهيه الفرد العادي، كما أن المجتمعات تعتمد في تحقيق تقدمها الاجتماعي والاقتصادي على قدرات أبنائها في تحصيل المعارف واكتساب الأفكار، وتقصي ما بها من حقائق، وفهمها، والموازنة بينها.
ويشير كيوشر Keusher ( 1988) إلى أن الهدف الرئيس من تعليم القراءة هو الفهم ، وإذا لم يتحقق ذلك انعدمت الفائدة من القراءة، فقد يتلفظ التلميذ ببعض الكلمات ويقوم آخر بمتابعتها وتصحيحها، ولكن هذا يخلق موقفاً سمعياً غير طبيعي، ويستحيل على التلميذ أن يقوم بالعمليات الأساسية في القراءة، تلك المقترنة بالفهم والاستجابة .
ويمثل الفهم همزة الوصل بين عمليتي النطق والنقد، لأن فهم الظاهرة في العلم يساعدنا على تحليلها والتحكم فيها والتنبؤ بنتائجها، كذلك فهم المقروء يساعدنا على الربط بين المفاهيم واستخلاص النتائج، ونقد المادة المقروءة. لذا فإن الطلاب في تعلمهم للقراءة يجب أن يكون شغلهم الشاغل هو القراءة من أجل الفهم.
ويوضح فتحي يونس(2001) الأسباب التي تجعل رجال التربية يهتمون بالفهم في القراءة ، منها أن هناك علاقة وثيقة بين القراءة الجيدة والفهم، تظهر في أن القراء الضعفاء يخطئون بمقدار 5,8 خطأ شفهياً في كل 100 كلمة، ويرى أن 51% من أخطاء الضعفاء في القراءة ترجع إلى تغيير المعنى، بينما لا ترجع أخطاء القراء المجيدين إلى ذلك.
والقارئ الجيد هو الذي يفهم ما يقرؤه، ويلتقط المعاني، وهو قادر على أن يستوعب الموضوع، ويستنبط التفصيلات والأساسيات من الأفكار، ويقرأ بعناية وفي تمهل، والقارئ الجيد قارئ منتج، قادر على إعادة بناء النص، فهو يربط بين خبرته السابقة ومعارفه وما يقرؤه لينتج أفكاراً جديدة.
ويحدد كل من فتحي يونس و محمود الناقة (1998) خصائص القارئ الجيد، والعوامل التي تساعده على الوصول إلى مرحلة النضج في القراءة، وهذه العوامل هي :
أ ـ يفهم القارئ ما يقرأ، والقراءة عنده وسيلة للتعليم ولاتباع توجيهات ولحل مشكلة ، ويرجع إلى قراءته لأغراض واضحة، ولديه خلفية من الخبرة وكثير من معاني الكلمات التي تقدره على التفسير بدقة لكل ما يقرأ.
ب ـ يتفاعل القارئ الناضج مع الرموز التي يواجهها ، ويتعرف على الكلمات بسرعة، ويفهم المعنى على وجه العموم، وحينما يقابل الكلمات غير المألوفة أجو الجديدة فإنه يستخدم عدة وسائل مساعدة مثل: السياق، وصيغة الكلمة، والتحليل التركيبي، والتحليل الصوتي، والمعجم.
ج ـ يكيف القارئ الناضج قراءاته حسب الأغراض التي يقرأ من أجلها، فلا تجري كل الأنواع القرائية الفعالة في طرق واحد في كل المواقف، فطريقة القراءة مرنة تبعاً لأغراض القارئ والمادة التي يقرؤه.
د ـ يقوم القارئ بنقد ما يقرؤه ،وهذه القدرة مهارة مهمة في المجتمع الديموقراطي.
وإذا كان الفهم يمثل أحد أهم العمليات المعقدة التي تشتمل عليها القراءة، فإن له من الأهمية ما للقراءة في حياة الطلاب، حيث يعد أحد مهارات الكفاءة اللغوية لما له من أثر واضح في اكتساب الخبرات، واتساع الأفق.
ـ مهارات الفهم القرائي:
لمكانة الفهم القرائي فقد حظي باهتمام التربويين والمربين، فقاموا بتحديد مهاراته، ومستوياته، وتقديم بعض الإجراءات والأساليب التي تزيد من فعاليته، وتنمي مهاراته المختلفة. فمن حيث المستويات تصنيف كالاهان و كلارك Callahan & Clark (1982) الذي قسم الفهم القرائي إلى ثلاثة مستويات هي: قراءة ما على السطور ، وقراءة ما بين السطور، وقراءة ما وراء السطور.
وتصنيف شيك وشيك Cheek & Cheek (1983)الذي صنف مهارات الفهم القرائي إلى ثلاثة مستويات هي : المستوى الحرفي، والمستوى التفسيري، والمستوى الناقد، واقترح أوكرمان و أوكرمان Aukerman & Aukerman ( 1993) تصنيفاً لمهارات الفهم إلى أنماط هي : النمط الحرفي، والنمط التفسيري، والنمط الاستيعابي، والنمط التطبيقي، والنمط النقدي، والنمط الوجداني. في حين أشار أحمد حنورة(1982) إلى مستويات ستة للفهم القرائي هي: مستوى الكلمة، ومستوى الجملة، ومستوى العبارة والفقرة، ومستوى المقال، ومستوى التعبير ، ومستوى البحث عن المعلومة.
ولعل هذه التصنيفات تمثل محاور عامة تتضمن عدداً من المهارات القرائية الخاصة المرتبطة بالفهم القرائي ، وهذه المستويات تتصف بالتداخل من ناحية ، واقترابها من مهارات الدراسة من ناحية أخرى. ولا يمكن النظر إلى مهارات الفهم القرائي دون مراعاة مظهريها الأساسيين ؛ وهما الجانب اللغوي، والجانب التفكيري المعرفي، باعتبار أن اللغة والتفكير يعتمد كل منهما على الآخر .
فاللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار ، بل إنها هي نفسها التي تشكل تلك الأفكار، وأن الجانب اللغوي بما يحمله من قدرات لغوية يؤمل إكسابها للتلميذ لا ينفصل عن أي جانب فكري يتضمن هذه القدرات، ولا يمكن عزل اكتساب اللغة وتعليمها كمهارات عن التطور المعرفي والفكري الذي يمثل أداة بناء مع اللغة .
ولعل التلازم والاقتران بين اللغة ومهاراتها وبين التفكير ومهاراته يعد منطلقاً جديداً جيداً لتصنيف مهارات الفهم القرائي؛ ذلك لآن سيطرة المتعلم على هذه المهارات وسهولة استخدامه لها يعتمد على التزامه وإتقانه لبعض الأساليب المعرفية واستراتيجيات التفكير التي تمكنه من ذلك ، لاسيما الاستراتيجيات التي تسهم في تحكم القارئ في سلوكه القرائي.
وباستقراء الكتابات التربوية والأبحاث العلمية السابقة في مجال الفهم القرائي، يمكن تحديد مهارات الفهم القرائي في القدرة على القراءة السريعة للمقروء وفهم وتفسير المقروء، و تحديد الفكرة الرئيسة في المادة المقروءة.و ربط الخبرة السابقة بالمعاني المتضمنة في النص المقروء ، والتنبؤ بالأحداث داخل النص المقروء.
أخيرا لم تعد القراءة ترفا أو ضربا من الرفاهية ، بل أصبحت ضرورة معيشية وواقعا من شأنه خلق حالة من الالتحام الوثيق بين المواطن ووطنه ، وبين المواطن وهويته ، وأخيرا بينه وبين العالم من حوله الذي يعتبر القراءة والثقافة المرتكز الرئيسي للتنوير والنهضة .
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية (م)
ـ كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر