مدخل
أحيانا وفي خضم مرحلة التلقي والبحث، يحاول الإنسان أن يستبق خطوات المعرفة ليضع تعريفا محدد لفكرة أو مجموعة أفكار لمّا تتبلور بعد بغية فهمها أو جعلها مصطلح تفهم من النطق وترسخ هذه المعاني في زوايا الذاكرة وربما تكون أحيانا خارج المعنى المراد فعلا…. ويعمم ذا الخطأ بالتقليد وهو يحمل المعنى القاصر خصوصا إذا كان المتبني له مفكرا أو كاتبا.
“المجتمع” إحدى هذه الكلمات التي تناقلتها الناس فنرى تعريف المجتمع بأنه مجموعة من الناس في بلد معين فيقال المجتمع الفرنسي أو الروسي …الخ..
المجتمع، المجموعة، الجماعة
الصحيح أن العدد من الناس بلا تفاصيل يسمى “مجموعة” من البشر، وإذا كان للمجموعة هدف واضح المعالم تسمى “جماعة”، فتكون بذلك جماعة للصلاة مثلا أو العمل السياسي وما يؤدون هو عمل الجماعة كصلاة الجماعة مثلا، وإذا أصبحت قوانين تحدد المعاملات والتبادلات وفق نظام يحدد العلاقات تسمى عند ذاك “بالمجتمع” وليس للموقع الجغرافي أثر لكن ما يرتقي بهم هو النظام وما يميزه من قوانين وأعراف وثقافة جراء الاحتكاك والمعاملات.
فالمجتمع: هو مجموعة من الناس كثرت أم قلت يحدد علاقاتها نظام محدد وأفكار ومشاعر ولا يحدد برقعة جغرافية أو حدود حيث يكون الهدف واضح المعالم وإن لم يك اتصال بينهم بشكل مباشر، لكن يبقون مجتمعا بحكم النظام والعقيدة والثقافة، وما له علاقة بالقيم من السلوك.
تباين المجتمعات حضاري قيمي
والمجتمعات تختلف وتتباين بطبيعة الحال من حيث التوسع الحضاري والصلاح الفكري ـ وبدرجة التطور المدني فمن الممكن أن يكون هنالك مجتمع واحد بمدنيات متباينة ،أو من الممكن إدخال المدنية إلى رقعة تغلب عليها البداوة لتكتسب تطبعا مظهريًّا ومضافا دون أن يؤثر على جوهر السلوك كمظهر مضاف إلا ما علق بالمدنية المنقولة من آثار أفكار المنقول عنه، وقد يرفض المنقول من المنقول إليه والأمثلة كثيرة….فكثيرا ما نلاحظ دول متجاورة في أفريقيا وآسيا مختلفة بدرجة المظهر المدني ولا يؤثر هذا على التوسع الفكري مهما حفز التفكير لفقدان المعطيات التي تؤدي للتوسع الفكري أو حتى الإبداع المدني والتطور لكنها بالتأكيد مستهلك جيد للوازم ما نقل إليها من مظاهر مدنية ، في ذات الوقت نلاحظ أن المجتمع المبني عقديا فيه البدوي والمتمدن وكذلك من يعيش في أرقى المدنيات وهو يحمل ذات الثوابت والقيم متى ما فهمها.
المجتمع ينسب لقيمة فكرية فاعلة
والمجتمع يسمى بما يديره من فكر فعندما نقول مجتمع “سين” مثلا فالمعنى يحتوي اتجاهين فهو يضم التوحد الفكري حول العالم، ومن ناحية أخرى فهو يعني ما هو في موطنه المركز من ناس وإن كانوا غير مؤمنين به لكن يتعاملون بنظامه، فصبغة النظام كتسمية تعريفية ليست بأكثرية عددية وإنما بفاعلية الفكرة في تكوين المجتمع والمقبولة كثقافة لهذا المجتمع، أما إن لم تك هنالك فكرة فاعلة في مجموعة بشرية تربط هذه المجموعة بمتعدد عناصرها فهي لن تكون مجتمع ولن ترتقي بهذه المجموعة الى مطاف المجتمع وان كان الكل يؤمن بها لكن لا تفعيل لها.
من اجل هذا فان المجموعات والتجمعات البشرية التي لا تحركها قيم مشتركة لا تعد مجتمعا مترابطا ممكن أن يقود إلى الاستقرار وبناء دولة حقيقية.
هل يمكن أن تهدم المجتمعات
والسؤال الذي يطرح فعلا هل يمكن أن نحل مجتمعات لتكون كمجموعات بشرية، الجواب نعم! فبضرب الفكر الرابط الأصيل ستتحول إلى الروابط أخرى كالقبلية وممكن أن تتلاشى هذه في المدن فتتحول إلى الأنا أو الأسرة أو فكرة تائهة أو أي شيء يحس الإنسان بقيمة تسكن إحساسه بفقدان القيمة الغائبة، لكن تبقى القيمة الرئيسة في الناس دونما وجود على الأرض وهذا تابع بشكل مباشر لحالة المدنية واستقرار الأمة والأمان والثقة بين عناصر المجتمع عند تخلخل القيم، ومن الضروري استعادة الثقة من اجل الارتقاء الحضاري، وهذا يأتي باستعادة الهوية والقيم الحضارية والتربية السلوكية، ففي مجتمع منحدر حضاريا ومتخلف مدنيا، تجد الكلام يخالف الفعل، لهذا تفقد المصداقية والثقة وهي اهم روابط الكتل البشرية لتتحول إلى مجتمع، وعملية الإصلاح ولا شك لا يمكن تبسيطها بالقول أن نعكس الأمور المسببة، فهذا لا يكفي لان المجتمع ساعة انهياره كان مرتكزا على مسلمات انطباعية خارج نطاق الفهم وهذه تحتاج أن تعود إلى الفهم الأمر الذي يعني بناء الإنسان على هدى وفهم صحيح من جديد، وليس قيادته بالعقل الجمعي.