كنت ألقي محاضرة عن الكآبة ومرض السكر , وكان الحاضرون من مختلف الإختصاصات والثقافات , وبينهم بعض الأخوة الزائرين من بلداننا.
وفي فترة الأسئلة , فوجئت بسؤال: هل أن تعدد الزوجات يقي ويشفي من الكآبة.
واحترت بالجواب على هذا السؤال!!
لكنني سألت الأخ : ماذا ترى في الأمر؟
فأجاب:أن الذي لديه عدة زوجات سيكون منشغلا طول الوقت , ولا يمتلك الوقت للإصابة بالكآبة!!
وأضاف: الزواج من واحدة يتسبب بالكآبة!!
وآزره الحاضرون وهم يرددون: بأن دواء الكآبة الزواج بأكثر من واحدة.
بعضهم كان يمزح والبعض كان جادا!
وبعد إستطلاع رأي الحاضرين , وجدتهم يؤيدون ما جاء به الأخ من علاج للكآبة!
وعندما سألتهم عن جدية هذا العلاج , وجدتهم بلا جواب!
وخلاصة ما قاله بعضهم , أن الناس لا تمتلك شيئا بهيجا أو مفرحا تتفاعل معه , وإنما أحزان وأوجاع وتداعيات وهموم وحاجات , وشعور بالوحشة والخوف والضعف وعدم الأمان , وأن الميل إلى التفاعل مع أكثر من شخص يجلب الشعور بالطمأنينة , ويساهم في مكافحة الخوف.
لكن السؤال تشعب , وأصبح الحديث عن العلاقة الزوجية والكآبة , بل أن البعض راح يتساءل عن دور الحرمان الجنسي في الكآبة؟
وقال أحدهم: الناس كلها محشوة بالقهر والسأم , ولا سبيل للتخلص مما يعتريها , إلا بالإكثار من الجنس , وإلا فأنها ستفقد عقلها.
وأجاب آخر: ليش بقه عند الناس عقل!
وأضاف آخر: اليكدر عليها أوُ كدها خلي سويها مو بس بالحجي!
فوجدتها مناسبة للتفضيض وإفساح المجال للترويح عن مكنونات النفوس المتألمة.
وبعد أن سكب الحاضرون ما بأوعيتهم من أفكار وهموم ومشاعر.
قلت: أن الكئيب يفقد رغبته وتضعف عنده القدرة الجنسية , ويكون في مزاج لا يصلح للمعاشرة , وهذا يتسبب له بمشاكل مع زوجته , فكيف به يفكر بأخرى؟
وعندما يكون كئيبا يفقد قدرات التركيز وإتخاذ القرار الصحيح , ولا أظن إنسانا في حالة كآبة يمكنه أن يفكر بما هو جديد وجميل , وهذا يعني أن الكآبة لا تؤدي إلى تعدد الزوجات بل إلى المشاكل الزوجية والطلاق.
وبالعربي الفصيح “الكآبة تهجم بيوت”!!
فإذا أصيب بها أحد الزوجين فأن حياتهما ستتأثر بها.
فالكآبة لا علاقة لها بأن تكون مع زوجة واحدة أو أكثر , وإنما تعتمد على عوامل وظروف ومسببات متنوعة , لا يمكن حصرها بسهولة , وتتباين من شخص لآخر , لكنها من الأمراض الخطيرة التي تستوجب العلاج , لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات بدنية ونفسية وعقلية , وسلوكيات إنتحارية مباشرة وغير مباشرة.
وتبين لي أن الأخ السائل قد تخلص من الكثير من مشاعره السلبية , فتغيرت ملامحه من العبوس إلى الإنشراح , وأدرك لماذا حياته مع زوجته عسيرة , وحسب أن الزواج بأخرى هو الحل.
إذ إقترب مني في نهاية المحاضرة وقال: شكرا لقد أدركت أن المشكلة التي أنا فيها بسبب الكآبة وليست بسبب زوجتي.
فتأملوا كيف نرى ونقرر عندما تمتلكنا الكآبة وتخطف منا نبض الحياة المنعش الجميل.