اليوم ونحن نعيش أواخر شهر رمضان المبارك نستذكر بعض الحالات التي عشنا معها فترة من الزمن وربما تعلمنا من بعضها الكثير وما زلنا نقارن بين ذلك الوقت ومن عاش فيه وبين زماننا هذا وما نراه في وقتنا الحاضر من مستجدات كثيرة في الحياة، أهمها تغيير مفردات الحياة الاجتماعية والصفات الخاصة بالبشر بصورة مطلقة. وربما قد أصبحت بعض هذه التقاليد في حكم شبه المستحيل أو المنتهي لأنها، حسب ما يدعي البعض، لا تصلح لزماننا الحاضر.
أما من كان يعيش في ذلك الزمان، ورغم كل التطور التكنولوجي الذي حصل في عالم اليوم ورغم كل وسائل الترفيه الموجودة والتي كانت أشبه بالحلم في ذلك الوقت، إلا أن الكثيرين من الأجيال السابقة ما زالوا يميلون إلى الماضي أكثر من ميلهم للحاضر. فهل هي مجاملة لأيام كانت فيها الناس تعيش متساوية في وضعها الاقتصادي والاجتماعي أم أن ظروف الحياة الحالية أصبحت قاسية جداً على ذلك الجيل من وجهة نظرهم؟
ربما تختلف وجهات نظرنا اليوم في الكثير من الأمور، وهنا في هذه المقالة أريد أن أشير إلى أشخاص استطاعوا أن يقدموا لمجتمعهم الكثير، خاصة نحن أبناء القرى والأرياف الذين كنا نعاني الفقر والجهل، وكان الجهل موجوداً ومنتشراً بيننا بكل صوره المأساوية. ومع هذا كان هناك أشخاص قد من الله عليهم بحفظ أجزاء من المصحف الشريف وأعطاهم البلاغة لتعليم المنهاج الديني الصحيح لأبناء قراهم وقبائلهم، وكانوا معروفين في ذلك الوقت والجميع يطلق عليهم صفة “الملا” ويطلق على الجمع كلمة “الملالي”. وبعد تدقيق في بعض مصادر أصل هذه الكلمة وجدت الآتي: أن كلمة “الملة” لغوياً هي الشريعة والمذهب. والملة في الاصطلاح جماعة تتألف من المواطنين المحليين لا من الأجانب،، ولا تنتمي إلى أصل عرقي واحد، وتكون وحدة اجتماعية مستقلة.
وبغض النظر عن مفهومها ومعناها، إلا أنها في مجتمعاتنا الريفية كانت تعني رجل الدين أو مرشد الدين لأبناء قبيلته. وفعلاً كانت أدوار هذا الرجل معروفة من خلال إرشاده وتوعيته للناس، وفي الغالب أن جميعهم لم يكونوا من حملة الشهادات، ولكنهم كانوا يمتلكون المعلومات الدينية بصورة دقيقة ومبسطة وكانوا بعيدين جداً عن منهاج التشدد. ولقد تعلمنا الكثير من أمورنا الدينية من خلال أحاديثهم العامة في المجتمع. فكلمة الحلال والحرام لم يدرسها آباؤنا وأجدادنا في المدارس، وإنما تعلموها من هؤلاء الملالي الذين أصبحوا صاحبين الفضل الأول والأخير بذلك. وكذلك انتشار المساجد في القرى والأرياف التي لم تكن موجودة فيها، وإنما جاءت من خلال توجيهاتهم وإرشادهم للناس ببنائها. فتجد أن كل قرية يوجد فيها شخص من هؤلاء الملالي ربما يكون هناك مسجداً يذهب إليه بعض أبناء القرية لأداء صلاة الجماعة. وكذلك يوجد في هذه المساجد نسخ من المصاحف الكريمة يقوم هذا الرجل بتعليم قراءتها للناس وحفظها وشرح لهم بعض الأمور التي تخص حياتهم العملية وتجنيبهم من الأخطاء التي كانوا يواجهونها حتى في حياتهم الخاصة.
لقد كان الملالي في ذلك الوقت، رغم الجهل الموجود في القرى والأرياف، إلا أنهم يعتبرون شموعاً مضيئة استطاعت أن تبني واقعاً ريفياً صحيحاً بعيداً عن تعاطي المحرمات أو اجتناب الكبائر.
اليوم نحن نعيش في عصر العلم الحديث في كل مجالاته، وبالتأكيد هناك مجال كبير لتعليم أمور الدين. فتجد انتشار المدارس الدينية والمعاهد والجامعات بالإضافة إلى وجود أكثر من مسجد أحياناً في القرية الواحدة والتزام الجميع بالشريعة الإسلامية. إلا أننا نواجه أحياناً بعض الأخطار، أولها التشدد في الدين، والثاني المكسب الخاص بإسم الدين ، في حين أن أغلب الملالي في أيام زمان لم يحصلوا على أي أجور حتى او اي هدايا مقابل أعمالهم، لأنهم كانوا يمارسون أعمالهم الحياتية بصورة طبيعية إضافة إلى إرشادهم الناس إلى طريق الدين والتعاليم الإسلامية الصحيحة.
رحم الله كل من علمنا آية أو حرفاً من القرآن الكريم وكل من استطاع أن يرشد الناس في المجتمعات إلى الطريق الصحيح، وبارك الله في كل من قام ببناء مسجد أو مدرسة دينية في وقتنا الحاضر يبتغي وجه الله سبحانه وتعالى ورضاه.