23 ديسمبر، 2024 5:11 ص

تعالوا نعترف …. ماذا نريد ؟ لنقبل النتائج

تعالوا نعترف …. ماذا نريد ؟ لنقبل النتائج

شعوب مرفهة… شعوب شقية، شعوب مترفة وشعوب مشظّفة… شبع وجوع، فقر وغنى، راحة وتعب، اطمئنان وسكينة وسلام.. يقابلها قلق وخوف ونضال لا ينتهي … ثنائيات خالدة. ربما أمكننا الاختيار بينها بإرادات ليست تامة. ربما هي أقدار تتلاعب بالبشر من حيث لا يعلمون، أو من حيث يعلمون…..لست متأكداً تماماً.. لكن الذي أنا متأكد منه تماماً: أن للتاريخ سنناً ثابتة، فالشر فيها أبداً ظاهر على الخير.
       عبر التاريخ الطويل الدامي للبشرية، نرقب الطغاة ودولهم الباذخة، وأتباعهم المترفين، يعيثون في الأرض بناءً وإعماراً، يستغلون الأرض والإنسان ليشبعوا وليُشبِعوا، ولن يشبعوا ولن يشبِعوا. ومن جوف الكوى المظلمة في قعر السجون لا نكاد نرى المصلحين والأولياء، أشباحاً يعتصرها الجوع والألم… وعلى اختلاف المسميات.. كدح، وجهاد، ونضال، ومقاومة، وتصدي…. نرى الخسارات أكبر وأفدح من الإنجاز….. وإن حصل إنجاز… نعود لنقارن بدم من؟ وبدمع من؟ وبمأساة من؟ بل بكم من الدماء تحقق هذا الإنجاز؟ وبكم من الدموع؟ وبأي ركام من المآسي؟ وهل يساوي هذا الإنجاز ثمنه الباهظ؟ هل عمر هذا الإنجاز سيساوي مجموع أعمار من استشهدوا في سبيله؟ أو سيضمد جراح من تألموا من أجله؟ أيامى، يتّم، مشردون، مسجونون، مجانين، ومعقّدون.. وقائمة من الخسائر تطول حتى لتبدو بلا انتهاء؟
       يتحفنا تاريخ الحكمة الدينية بأمثلة خالدة مصداقاً، ويعززها بآيات وأحاديث وكلمات تؤكد هذا المعنى..بل صار واضحاً بيِّناً أن سالك الحق طريقه الخسارات.. أما الفوز والنصر، فمحدود وقصير الأمد.. لا يسمن ولا يغني. وكذا واقع الحال على الأرض يشهد.. فلننظر للاستقرار والأمن والاطمئنان من حصة أيّ الشعوب؟ ولننظر للقلق والخوف والحصار والقتل من حصة أيها الآخر؟ لننظر للعالم الحر الديمقراطي الإنساني النبيل، مع من يقف؟ وضد من يأتلف؟
       ذلك ما يدعو البسطاء مثلي إلى التأمل والتدقيق في محاولة يائسة للوصول إلى نتائج شبه رصينة: كن مع الباطل تعش مرفهّاً مترفاً آمناً مستقراً مخدوماً، كن مع الحق تعش محتاجاً فقيراً ممزقاً محاصراً قلقاً مستَفزاً محروماً مشرداً مقتولاً… لابأس، إنعَمْ بمذاق الشهادة…أليست هي إحدى الحسنيين؟ ( والخسارات؟ ) ليس مهماً أن تنتصر، المهم أن تؤدي تكليفك الإنساني أو الشرعي بوقوفك مع الحق أبياً كادحاً الى ربك كدحاً فملاقيه، مجاهداً مناضلاً.. ( وأمي وأختي وعائلتي وأطفالي؟) هل أنت أحن عليهم من الله تعالى.؟ لهم رب يحميهم.
       منطق معقول وعلينا أن نختار .. ولكي نختار علينا أن نعرف ونعترف ماذا نريد أولاً. أنريد الدنيا، أم نريد الآخرة ؟ أنريد لذائذ الحياة وترفها بل حقوقنا الانسانية بالاستمرار في الحياة؟ أم نريد تحقيق عقائدنا وايديلوجياتنا في هذه الحياة؟ وهكذا هي الحياة.. وهكذا هي مواقف الأفراد والجماعات الدينية والحزبية… وهكذا هم يختارون. ولنا بعد أن نتساءل أيضاً: أيمكننا الجمع بين المطلبَين؟ فنكسب الحياة ولذّاتها وفي الوقت نفسه نكسب الآخرة ونرضي مبادئنا.. ونحوز الحسنيين فعلاً.. وليس إحداهما.
       تعالوا نختار… أمريكا وإسرائيل على الأبواب، نماشيهما ونتهادن معهما مع كل علمنا بنواياهما.. فتعيش شعوبنا آمنة مستقرة، مرفهة، مطلوب منا إذن أن نؤمن بوجود إسرائيل حقيقةً واقعة، وينبغي أن نرضى بها.. ونرضى بكل ما تقرره أمريكا عبر منظومة النظام الدولي الجديد، ووفق آلية النظام الأحادي المتفرد بحكم العالم، غير مبالين بخصوصياتنا ومبادئنا وعقائدنا. ضاربين عرض الحائط كل ما يؤلمنا … ملتجئين لإلهنا الجديد ( أمريكا )، فهي تبعد عنا حسد الحساد وكيد الكائدين وأطماع الطامعين… كما تفعل معظم دول العالم لاسيما الدول العربية والإسلامية.. وأخص بالذكر منهم دول الخليج … أو… وماذا بعد هذه الـ ( أو ) إلّا الأحزان والآلام التي لاتتوقف .. حصارات بأسباب وبلا أسباب.. وعراقيل متشابهة وغير متشابهة.. وافتعال أزمات .. وتهم شتى.. وتهديدات مختلف ألوانها.. تأكل الشعوب من خلفها العلقم، وتلتهم التراب.. وتجييش جيوش، وتسليح عصابات.. كما يحصل لإيران وسوريا ولبنان .. وكما أتوقع أن يحصل للعراق ولو بعد حين.
       ومرة أخرى يتساءل البسطاء غير السياسيين وغير المحللين أمثالي.. ماذا لو غيرت حكومات الدول الأخيرة سياساتها… فتماشت مع متطلبات صداقة أمريكا.. وصالحت إسرائيل ولو من تحت الطاولة؟ أو اتجهت سياسة دول الخليج اتجاهاً أخر في سياساتها؟ فوقفت ضد مشاريع أمريكا ورفعت إصبعها بوجه إسرائيل، ماذا سيحصل؟ انا متأكد تماماً أن إيران ستكون بريئة من المطامع وأن النظام السوري سيكون في أعلى مراتب العدالة ولن يكون دكتاتورياً أو طائفياً.. وأن العراق سينجز بناه التحتية بلا تهديدات القاعدة، وأن الاستقرار والأمن والأمان سيسود مدن العراق… وستظهر خطايا دول الخليج: الطائفية، والاستبداد، وتضييع الثروات الوطنية.. و…بلا عدد.
       وبعد، أليس حرياً بنا أن نحدد ما نريد؟ بلا توترات مبررة وغير مبررة.. وبلا تردد مبهم .. تعالوا نأخذ الأمور من نتائجها… ونتحمل ما يترتب على ما نريد.
[email protected]