لم تكن المرة الاولى التي يخرج فيها البصريون وغيرهم من ابناء العراق بتظاهرات سلمية للمطالبة بابسط الحقوق مثل الماء والكهرباء ووضع حد للبطالة وتردي الخدمات بجمبع اشكالها ، فقد سبق لهذه المحافظات في اعوام 2011 و2015 وما تلاهما ان تظاهرت وصرخت من اجل انصافها من الظلم الواقع عليها.. غير انها لم تحصد غير الوعود والكلام المعسول وشعارات التخدير والتضليل .. هذه المرة انطلقت الشرارة من البصرة التي يمكن وصف معاناة اهلها بانها مركبة فهم يشاهدون يوميا نيران ابار النفط مشتعلة ومنافذ التصدير لهذه الثروة الطبيعية جارية والموانيء تعمل ليل نهار وكلها تدر الاموال ، ومع ذلك فالمشاريع الستراتيجية في محافظاتهم معطلة ويتحسرون على ماء عذب كان يمكن توفيره بمشاريع تحلية ناهيك عن الفقر والحرمان وفقدان الامن والامان.. ماكان لمحافظة مثل البصرة التي تسمى عاصمة العراق الاقتصادية ان تعاني من كل هذا الضيم والقهر لو تم فعلا كانت هنالك جدية عند الحكومات الاتحادية او المحلية في معالجة حقيقية لمشكلاتها .. ولوجرى محاسبة سراق المال العام من كبار السياسيين واجبارهم على اعادة جزء ان لم نقل كل الذي نهبوه من تخصصيات مالية .. فالبصرة كان لها ان تستوعب كل الايدي العاملة ليس في المحافظة فحسب بل في المحافظات الاخرى لو تم الزام الشركات النفطية بتشغيل نسبة من العراقيين ولو تم تشغيل المشاريع الصناعية فيها ولو تم النهوض بالزراعة لكنها اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية التي كانت سمة طبقة سياسية لاهم لها الا جني المزيد من المال الحرام على حساب جوع وفقر الشعب .
التظاهرات اتسعت لتشمل محافظات اخرى كالنجف وبابل وكربلاء وميسان وبغداد فجميع محافظات العراق تشكو ويعاني ابناءها الامرين من الفساد .. وليس من المنطق وضع اللوم على المواطن اذا ما هاجم مقرات هذا الحزب او ذاك فقد سئم الوعود ولم يعد يثق بها خاصة وانه يئس من امكانية مراجعة هذه التيارات السياسية لممارساتها ونقد ذاتها ، لذا فقد كان من الطبيعي ان يرفع المتظاهرون في ساحة التحرير ببغداد وساحة ثورة العشرين في النجف شعارات تطالب بمحاسبة الفاسدين ومزوري الانتخابات واصلاح العملية السياسية الميتة سريريا بسبب المحاصصة وهيمنة شخصيات فاشلة على مؤسسات الدولة.. قد تهدأ زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي الى البصرة بعض غضب الشارع البصري وربما يقتنع البعض بقرارات اللجنة الوزارية ومنها تخصيص ملياري دينار لتوفير المياه الصالحة للشرب وتوفير عشرة الاف فرصة عمل وغير ذلك ، لكن كل ذلك ونقولها بصراحة لن يشكل معالجة حقيقية لانه قفز على اصل المشكلة وهو الفساد الذي يعترف جميع المسؤولين بانه نخر جميع المؤسسات لكنهم وكما اثبتت التجربة لا يسعون لانهائه ولا يبدو انهم مهتمون بصوت الشعب وغضبته!
لقد مللنا من تكرار نفس الكلمات عن الفساد واسبابه ومصيبتنا ان لا احد من السياسيين يريد ان يعترف بالحقيقة وهي انهم اصل المشكلة ويكتفون بحلول ومعالجات ترقيعية وههذا لايسمن ولا يغني من جوع ! ربما قد تفض التظاهرات وتنتهي لكنها ستتكرر وربما بشكل اوسع اذا استمرت الطبقة السياسية المهيمنة بعنجهيتها وعندها لاينفع الندم !