18 ديسمبر، 2024 6:58 م

تظاهرات السليمانية

تظاهرات السليمانية

من البديهي قيام القيادات الكردية مراجعة سياساتها السابقة وان تترك عنجهيتها وتتخلى عن الغرور الذي لازمها طوال الـ 17 سنة الماضية , ومن الضروري بمكان ايضا ترك طوبائيتها وما كانت تتشدق به من منجز في المقارنة بينها وبين قادة المكونين العربيين بشيقهما السني والشيعي على فرض ان ” مدن كردستان هي الافضل في بناها التحتية وتنعم بأمن واستقرار اكثر من بقية مدن العراق وان هناك هامشا كبيرا من الحريات لديها ” , نعم وكان من حقها ان تتباهى بما انجزته من نجاح في مستوى علاقاتها الخارجية مع دول العالم المتقدم وهي صاحبة الكأس المعلى ايضا في حسم تحالفاتها مع الاقوى ” امريكا , فرنسا , اسرائيل ، المانيا ” , لكن جميع تلك المنجزات لم تصمد ازاء (( سياسة الاقليم الداخلية وتجاهل قياداته لحاجات المواطن الكوردي الرئيسية , فهي قد وضعتهم في كفة المساومة مع الحكومة المركزية لأجل الضغط عليها وحتى تنصاع بغداد لرغباتها في ترك المطالبة بنفط الاقليم وواردات منافذه الحدودية والتي فيما يبدو ريعها الاغلب يدخل في جيوب قادة الحزبين الرئيسين وحسب نواب تغيير .
طارئا استجد لم يكن داخلا ضمن حسابات القيادات الكردية والذي تمثل بموقف القوى الشيعية الاكبر تمثيلا في البرلمان العراقي والذي شكل نقطة انقلاب حقيقية ادركته الزعامات الكردية مؤخرا على ما كان يربطهما معا من تفاهمات وتحاصص في المناصب , والانقلابة الشيعية تلك عضدتها وآزرتها وللمرة الاولى إنقلابة سنية افقية وان جاءت حلبوسية العنوان لا برسم عنوان المكون الممثل السني ككل وببديهية تعود على الانقسامات الموجودة بين قادة المكون السني فيما بينهم .
ذلك التغيير الشيعي لم يكن ليأتي تنفيذا لبنود الدستور وحقانية بغداد في الزام الاقليم بتنفيذ تعهداته السابقة قدر انه جاء كدعاية انتخابية سابقة وبذات الوقت عبر عن نقمة كتلة فتح الشيعية على الكرد كون تلك القيادات بات غير مسيطر عليها من قبل طهران وانها في ازاحة دؤوبة نحو ترسيخ وتوطيد اكثر لعلاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية ” تنديد واضح من قبل حكومة كردستان بعمليات القصف التي تطال السفارة الامريكية ، حرق مقر الديمقراطي ببغداد ” وايضا صيرورة الاقليم كملاذ امن لمعارضي سلطات بغداد المليشياوية المدعومة من طهران .
تزمت الكرد بمواقفهم السابقة هو من افقد القيادات الكردية رونقها ومكانتها ليس فقط امام شعبها بل امام العراقيين والعالم اجمع , وهي ان قدمت نفسها يوما ما كمدافع عن حقوق الانسان كانت قد سقطت اليوم امام اول اختبار لها بـ ” تبنيها سياسة العنف المفرط والقمع باستخدامها القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي الامر الذي ادى لمقتل ثمانية شبان وجرج ما لا يقل عن 60 شخصا ، جروح بعضهم خطيرة اثر ما تمخضت نتائج احداث مدينة السليمانية والتي لازالت قائمة حتى كتابة هذه السطور “.
احداث السليمانية انتجت معادلة سياسية جديدة ، على الاقليم الالتفات لها ، فهي باتت تساوق بغداد وفق معيارية السلوك في كبح جماح التظاهرات الأمر الذي حدا بالأجنحة العسكرية ” الفصائل الولائية ” التابعة لأحزاب التكتل الشيعي الاكبر ان تستثمر احداث السليمانية وتنتصر لذاتها لتنعت الضحايا المقتولين من الكرد بالشهداء مع انها في الامس القريب كانت متهمة بقتل التشرينيين وكانت تصف من يسقط من شبان سوح التظاهرات بالجوكرية والبعثية وابن السفارة وابن الرفيقة وهلم جرى من التوصيفات .
الحرب الكلامية بعد احداث السليمانية ازداد صداها ليخرج بالأمس رئيس حكومة اقليم كردستان ويتهم بغداد بتأجيج الشارع الكردي وهو اتهام خطير غير انه بذات الوقت ينم عن شجاعة في الطرح .
قيادات الاقليم اليوم باتت اضعف ما تكون في مواجهة بغداد ونجد انها لن تكون بذات التزمت , فالسليمانية اجبرتها للنزول من قصرها العاجي ومنه صار لا بد الان ان تلتزم بتعهداتها الاخيرة وتسلم ايرادات النفط وحسب ما تم التوصل اليه من نتائج مع الزعامات الكردية بتسليم حصتها التصديرية “الـ 250 الف برميل نفط يوميا ونصف ايرادات المنافذ الحدودية” الى حكومة المركز ، على ان هناك وفدا كرديا وصل العاصمة بغداد يجري الان حوارات معمقة مع حكومة المركز ونواب في اللجنة المالية للبرلمان الاتحادي حول حصص الاقليم لموازنة 2021 وحول ملف رواتب موظفي الاقليم وما بذمة الاقليم من الالتزامات اتجاه بغداد .
مكانة الزعامات الكردية بين حلفاءها الدوليين وكذلك مصداقيتهم باتت على المحك وفيما استمرت تلك الزعامات تجتر من ذات الفهم السياسي القديم وتركها لمواطنيها خلف حدائقهم الغناء يسكنون في اكواخ ” الخدم ” فيما الزعامات ذاتها تعيش في الفلل والقصور ، هنا لابد والمراجعة .
ربما سنشهد في الايام القادمة مزيدا من التنازلات الكردية وننتظر خروج قرارات من العربيين الغريمين – المتحالفين تكتيكيا اتجاه الاقليم واهمها الغاء العمل بـالمادة 140 نهائيا على صعوبته طبعا ، غير هناك اليوم بتنا نسمع مزيدا من الاصوات يذهب باتجاه ذلك الطرح . فهل ستستوعب القيادات الكردية درس السليمانية ؟ .. هي امام مشهد مفتوح من الفوضى وكرة النار تتدحرج الان ربما يصل لظاها عاصمة القرار في الاقليم ؟ .