23 ديسمبر، 2024 2:09 ص

تظاهرات البصرة … الواقع والتشويه

تظاهرات البصرة … الواقع والتشويه

عندما تنهار الدول يسود الرعب
وتظهر على السطح وجوه مريبة
مقدمة ابن خلدون

خلقت جماهير البصرة بأنتفاضتها زلزالا لم يكن متوقعا وكان بمثابة جرس انذارصك اسماع الفاسدين وناهبي قوت الشعب العراقي من الكتل المتنفذة ، وتنبيه قوي للأداء الرتيب لجهاز الدولة البيروقراطي والمتخلف وغير المستجيب لأحتياجات عشرات الألوف ان لم نقل ملايين الشباب من خريجين وغيرهم ممن أغلقت بوجوههم فرص العمل وحق العيش بحده الأدنى في تناقض رهيب مابين الوضع المزري الذي يعيشونه وبين التوزيع غير العادل للثروة .
ومن هنا كانت الشرارة من قضاء المدينة والهويراللذين يصبح ويمسي شبابهما تحت وطأة وهج نيران وابخرة الحقول النفطية بكل اثارها الضارة دون ان يشعروا بأي مسوغ يدعوهم للسكوت بلا اثر لتحسين حياتهم ، وتزامن ذلك مع هجوم متنامي للسان ملحي ومر من الخليج العربي ومبازل قصب السكر والنفايات الإيرانية وقطع نهر الكارون عن شط العرب مما حول الماء الى ملح اجاج وتزامن ذلك مع شحة في التيار الكهربائي بأسبابه العراقية والإيرانية أيضا , زد عليه استخدام العنف المفرط من الأجهزة الأمنية في مواجهة جيش من الشباب الغاضب وفاقمها اكثر قتل الشاب سعد المنصوري ، فكانت الشرارة التي اشعلت نيران الانتفاضة ودفعت بها الى مديات ابعد رافقها الأداء السيء لقيادات الأجهزة الأمنية واوامرها بأستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين مما رفع عدد الشهداء الى عشرين مواطنا لحد الان وجرح عدة مئات وبضمنهم عناصر من الاجهزة الأمنية .
وإزاء ذلك لم يعد مفاجئا انتفاض الجمهور البصري الذي بدأ يرفد الحراك بألوف متزايدة من المتذمرين الذين لايجدون شيئا يخسرونه في مدينة تفوح كل زاوية من زواياها بعبق الثورة واريج الاحتجاج.
ومن كل هذا يغدو من غير المفهوم نعت ماحصل بأنه ((… فتنة شيطانية لأحداث شرخ في صفوف المسلمين )) او تسويق أيديولوجي مفضوح من ان (( واشنطن تقف وراء التطورات في البصرة )) وكأن البصريين يعيشون في فردوس ارضي خلقته احزابهم المتنفذة التي لاتجيد البناء ولم يعد ينقصنا سوى تصارع الإيرانيون والامريكان حتى القضاء على اخر عراقي للقتال بالإنابة في حرب لاتعنينا.
ومن هنا تتاكد بديهة ان التراكمات الكمية بدات تخلق تحولاتها النوعية فالتظاهرات ليست بنت ساعتها بل هي وريث شرعي لتلك الاحتجاجات المبكرةالتي قام بها عمال بصريون بعيد عام 2003 مطالبين قوات الاحتلال وقتها بتوفير فرص عمل .
هاتفين (( هذا وضع ماينحمل ونريد فرصة للعمل ..)) وتذكرت مظاهرات عام 2011 حين صورت السلطات وقتها وكأن البعثيون قادمون وطلب رئيس الوزراء السابق آنذاك ( المالكي) من سكرتير الحزب الشيوعي الغاء المظاهرات متهما الشيوعيين بتهمة لم يتبرؤو منها وشرف لم يدعوه في اختزال مسعى عشرات الألوف من العراقيات والعراقيين وبضمنهم الشيوعيين للاحتجاج ، حين تمنى سكرتير الحزب الاستاذ حميد مجيد موسى عليهم مشاركة جماهير الدعوة بالتظاهر طالما كان ضد الفاسدين .
وكلنا يتذكر حماقةما بعد ذلك اللقاء من مداهمة مقر جريدة طريق الشعب في شارع أبو نؤاس واجتياح مكتب سكرتير الحزب شخصيا لتخويف الديمقراطيين والمدنيين … ولم يتناس البصريون واجباتهم فقد هب التيار الديمقراطي بمظاهرة سلمية سادها الانضباط والتنظيم بعيدا عن الهتافات المسيئة لأية شخصية حتى لو تم الاختلاف معها.

واكثر مايسيء لهذه التظاهرات هو التجاوزات والاخطاء التي يقدم عليها بعض مشوشي الوعي تحت وطأة الحماس والاندفاع غير المدروس والذي يوفر ذريعة تستبيح سلمية التظاهر واستخدام شتى الطرق للنيل من المتظاهرين وترهيبهم باساليب الحرب النفسية وإشاعة الخوف والرعب والاقدام على الاغتيالات .
مما يحتم على السلطات عدم التفكير بالحلول الأمنية وتحشيد الجيش والشرطة والمدرعات ضد المواطنين العزل والمتظاهرين السلميين بدلا من الاستجابة للمطالب المشروعة بتوفير فرص العمل والماء الصالح للشرب والكهرباء وشتى الأمور الخدمية .
ويستلزم من القوى المدنية والديمقراطية توحيد صفوفها للضغط وبالطرق السلمية والدستورية بالاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير .
اذ لا يمكن لمظاهرات عفوية من تحقيق أهدافها دون مركزة و توحيد خطابها السياسي والمطلبي للتفاوض من اجل تحقيقه .