* مبررات شرعية وقانونية وموضوعية للتغيير
لنحسم أولا ..حقيقة مفادها, أن لا أحد من العراقيين يعارض خروج الجماهير العراقية بمظاهرات واسعة من أجل اصلاح الأوضاع العامة السياسية والإجتماعية , واحداث التغيير المستهدف لرؤية العراق على طريق كيان سياسي واقتصادي , يتجه نحو المعاصرة ومعالجة المعضلات المكرّسة في البلاد.
ولكن ..ماهي حدود امكانية نجاح التظاهرات الجماهيرية في (إجبار) السلطة التنفيذية على تحقيق الإصلاحات المطلوبة ؟
في مثل علاقة الجماهير مع سلطة كالسلطة التنفيذية العراقية الراهنة , لايرى المراقبون اية امكانية لإستجابة هذه السلطة لدواعي الإصلاح ! بدلائل القمع الذي تتعرض له هذه التظاهرات حتى اليوم !
ضياع البوصلة
لاريب ان الإصلاح يحتاج الى عاملين أساسيين ..أولا القاعدة القانونية , وثانيا الدافع الذي ينبغي ان يتمتع بها المسئول .. بإستطاعتنا تحقيق القاعدة القانونية فالقوانين متغيرة حسب حاجة المجتمع وتطوراته , وهي متاحة طالما وجدت الرغبة بالتغيير , ومن السمات البارزة لتطور اي مجتمع قوانينه المتغيرة نحو الأحدث والأكثر موائمة مع الظروف الإجتماعية ..أما الدوافع للإصلاح فهي الأكثر أهمية خاصة في مجتمعات بلدان العالم الثالث ومنها العراق ..الذي لمسناه خلال السنوات الماضية على الإحتلال الأمريكي الغاشم ( نذكره هنا كبدء لتأريخ بداية دولة جديدة) من الناحية الواقعية . بعد أن أسقط هذا الإحتلال مقومات وأركان دولة العراق الحديثة المنشأة في عام 1921 , محاولات لبناء مثل هذه الدولة في بلد كالعراق , تتوفر له المقومات الأساسية لبناء الدولة المعاصرة , من حيث الثروة والعامل (الديموغرافي) والموقع (الجيوإستراتيجي)..واذا كان من الجائز لنا اضافة (حق العراق بالتمتع بالوعود الأمريكية والغربية , من أنه سيصبح النموذج في المنطقة )..كل هذا وغيره كثير, لم يستثمر للإنتقال بالبلاد من حالتها الراهنه , المعبرعنها بالإرقام التي تشير الى ان معدل الفقر هو 24% , وان البلاد تحفل بالعاطلين عن العمل من الخريجين والعمالة غير المؤهلة والأرامل واليتامى , حصيلة للتناقضات السياسية خلال خمسة عقود ماضية , في مقابل إنفاق 2 ترليون من الدولارات خلال السنوات الأحدى عشر المنصرمة ..وعندما نحاول البحث في أسباب هذا العجز عن الأداء تبرز أمامنا الكثير من العوامل المتداخلة والمتناقضة سياسية واقتصادية وعسكرية , فيما يصح تسميته ب(ضياع البوصلة )!
السؤال ..هل هو أمراعتيادي مارأيناه في بلادنا ؟ الجواب كلا , فما رأيناه في العراق لم تمر به دولة اخرى حتى ولوكانت تحت الإحتلال ..ولكن من المرتكب ومن المؤسس لهذا الفشل الضارب أطنابه في حل مفاصل العمل السياسي والإجتماعي والتنموي؟
من المسئول ؟
الإجابة لاتحتاج كثير بحث وتقصي ..المسئولية تقع بشكل واضح على الطبقة السياسية الحاكمة , التي يخشى المراقبون الوطنيون من ان تتحول الى طبقة لاتخترق , كما كانت الطبقة السياسية البرجوازية في العهد الملكي , حيث تتداول السلطة فيما بينها ويجري اتخاذ القرارات التشريعية خارج قبة البرلمان , ومن المؤكد ان هذا مايحصل اليوم , حيث يعاق اصادر قوانين ذات أهمية جوهرية للشعب , كقوانين التقاعد والنفط والغاز, رواتب الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب , وذوي الدرجات الخاصة غير المستحقة قانونيا وشرعيا واجتماعيا !
الى جانب الأخطار المحدقة والمنفذة فعلا على ارض الواقع من قبل عديد المليشيات , ومن ابرزها (القاعدة ) , و مايسمى ب(دولة العراق الإسلامية ) , ولانستهين مطلقا بما يجر في الخفاء من استعدادات ميلشياوية لضرب الفئات المسلحة المقابلة فيما اذا تطلب الأمر ذلك , وهذا ماعبر عنه بعديد الإستعراضات العسكرية والتصريحات وظهور شخصيات مغمورة تقود (جيوشا) من أجل يوم محدد ! فالجميع يحد سكاكينه , فيما تمارس على العراقيين أشكال عديدة من الإرهاب ..ارهاب الفئات وارهاب الحكومة في الوقت نفسه !
فرادة في الإنفاق!
إذن ..اننا امام حقيقة واضحة , في ابتعاد السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية عن الأهداف الجوهرية المبررة لوجودهما , في بلد تتوفر له مقومات التغيير والبناء , تبلغ ميزانيته السنوية هذا العام ماينيف عن 120 مليار $ , من المؤسف أن نسبة 80 منها تذهب الى تغطية الرواتب والأجور التشغيلية و فيما لاينتج مايوازي 10% من حجم الإنفاق , أذ تعود تخصيصات العديد من المحافظات والمؤسسات مدورة لعدم انفاقها المبرمج , وهذه من الحالات المتفردة , لايمكن ان تحدث في بلد معاصر !
الروح العراقية
كما ان فكرة (الوطنية) المنطوية على (القيمة الوطنية الروحية ) الرابطة لكل اطياف الشعب العراقي , هي الأخرى واجهت جهدا خبيثا متعدد الأشكال والصيغ, وبإستخدام الثروة الوطنية والسلطة من أجل تكريس مفاهيم هي ليست غريبة على الشعب العراقي, بل مستوطنة فيه , الاّ أنها مثل رماد كامن, جاءت وسائل اذكاءها من اجل الإحتفاظ بالسلطة وإقصاء الآخر, وتهميش دوره ,مما خلق تناقضات عميقة لاتزال قائمة ومستغلّة من قبل أعداء العراق التقليديين والمستحدثين ك(القاعدة) .. ولربما إنخرطت متراصفة معهم فئات واسعة من العراقيين , كان يتوجب على السلطة توفير ظروف حياة آمنة وعادلة , حيث ظلموا بدعاوى الأقصاء السياسي , وهو أمر أصبح على درجة من الخطورة الثالم للعدالة , بسبب بقاء هذه الفئات العراقية خارج عملية البناء , حيث عطلت خبراتها المهنية وجهودها الإنسانية , ومن بينهم قيادات عسكرية وتخصصية ومهنية وفكرية وثقافية رائدة , يكون من الجريمة بمكان إقصائها عن أدوار مستحقة لها , لا تتعلق بنظام معين او عقيدة أو مذهب او عرق , ومن بين ذلك أيضا, الهجرة الواسعة للمسيحيين الى خارج العراق ,حيث أعدت وباشرت الدول الأوربية برنامجا واسعا لإستقطابهم عن طرق الهجرة او التوطين أو اللجوء ,وهي جميعا وسائل لإفراغ العراق من كفاءاته و(أنتلجسيته) . ناهيك عن ما تتعرض له أطياف أصيلة من الشعب العراقي , ك(اليزيديين) وغيرهم من اضطهاد تحت ذرائع طبيعة مهنهم او ممارستهم عقائدهم !
رباط الفرس !
أن تجارب بناء الدول الحديثة في أعقاب الثورة الصناعية الأوربية ,التي فصلت الدين عن الدولة , هي التي أتاحت بناء الدول الأوربية و ابتداءا من بدايات القرن العشرين , حيث برزت الكيانات الوطنية بعد تقليص دائرة الإستعمار وتحقق الإستقلال لعديد من الدول ! إذ تحولت اعرق الكنائس في الدول الأوربية , الى معاهد ومسارح ومكتبات ومؤشرات للطرز المعمارية في الحقب القديمة !
ومن العوامل المؤثرة المباشرة في تشظي البلاد وبروز ظاهرة الدعوات الى تشكيل (الأقاليم ) وهي الخطوة المؤسسة لإنشاء دويلات العراق , تبرز التدخلات السافرة من قبل دول الجوار, وبشكل خاص ايران وتركيا والسعودية , الى جانب دويلة قطر وغيرها عديد ,وذلك بايجاد قواعد من خلال شخصيات تسعى الى السلطة والإنتفاع بالمال العام , مستغلة عواطف الجماهير البسيطة ومتوسلة لمطالب هامة لايختلف عليها أحدا ..وهذا كله يعود ايضا الى خطل السياسات المتخذة من قبل الحكومة ومجلس النواب .
لانجاح التظاهرات!!!
والآن ..هل تنجح التظاهرات الجماهيرية في التغيير أو التصحيح ؟..عمليا لست من المتفائلين بذلك ! الا أن لها حيزا واسعا من أجل التأثير في قناعات وآراء الشعب( الفئات غير المسيسة) , ذات الرأي المستقل , وهي في حقيقة الأمر, غير ذات سعة تتناسب مع غالبية (ساذجة) تأخذ قناعاتها ومواقفها بذيول التثقيف العرقي او المذهبي , كما يحدث في معظم مدن العراق وقصباته وأريافه ,شمالا وجنوبا وشرقا وغربا , وبتأثير المصالح النفعية كالمال والنفوذ السلطوي .والناظر للعراق اليوم , يجده على صورة اقطاعيات تؤثر فيها الولاءات العشائرية والعرقية والمذهبية ..وهذه صورة لاتحمل على التفاؤل مطلقا , بوجود طبقة سياسية مستفيدة ,جعل لها قضاة يلجأ المعترضون اليهم , ليتخذوا قرارات تعيدهم الى سلطة إعترضوا عليها ..وهكذا دواليك , فيما يأن الشعب بفعل ظروف الحاجة والبطالة وأزمة السكن المستعصية, التي تؤشر حاجة العراقيين الى اكثر من مليون وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود على الأقل .واستنفاذ للميزانية على الجيش والأجهزة الامنية المتضخمة !
اللعب على الوقت !
كما ان الحكومة الحالية ستبقى تستهلك الوقت وتجتر (اجراءاتها) حتى الإنتخابات العامة التالية , التي مهدت لها الحكومة باسقاط المادة المانعة لترشح رئيس الوزراء لوزارة ثالثة !
تظاهراتنا ..ينبغي ان تركز على مطالب في حدود إمكانية التنفيذ..ومن المهم خروجها من عباءة الحماسة المطلقة, من دون التركيز على الأهداف الجوهرية , فتقع في هوّة (الربيع) المستغلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و(اسرائيل) , لتحقيق أهداف معينة محددة , في فترات زمنية معينة ..بعد ان سقط (مبارك ) عرفنا (مرسي) ..اين هي الآن لافتة (الربيع العربي) ؟..لقد تلاشت لترتفع لافتة (الدولة المدنية ) , وهي ايضا مرحلة من مراحل الصراع بين جماهير المنطقة وأعداءها , ولا أحد يمكن أن يخبرنا ..في أي مرفأ سترسو سفن المنطقة !
ورود وأشواك ……
تجدهم بيننا ..ربط بيننا الزمن المضمخ بسوءات البداية والفقر والقلّة , ومحاولة إثبات الذات, فنجح الأذكياء منهم في الإفلات من أمراض وعقد ذواتهم , في موازنة قوامها تغليب العام على الخاص , إذ تلاشت من نفوسهم وممارساتهم (الأنا) , فإرتقوا بأعمالهم وسموا بأخلاقهم ..فيما عجزعاجزون عن فك تلابيب عقدهم الدونية , وربما يبقون كذلك حتى الغروب المستحق , فصاروا لايعرفون الاّ ( الأنا ) , ولا ينتجون الّا النيل من المبدعين , وإدخال أنوفهم فيما يعرفون ولايعرفون , مثل كائنات صغيرة دابة, حيث رطوبة تؤمن لهم الحياة , في عالم جديد ومتجدد , بينما يمارسون الصخب الفاضح في تملق ونفاق ومسح للأكتاف , وهم في ذلك كمن يبحث عن موقع على شجرة لاتطرح غير الوهم ! واننا الى هذا الأمر راجعون , طالما أطلّت الأفاعي برؤوسها تنفث تعليقات مسمومة ..وبعد ذلك سنلصق لكل منهم (طينته بخده) , وهي (طينة ) مثل (لزكة جونسن) , لاترفع حتى تمزق وجوههم !