لم يكن النزاع الروسي مع أوكرانيا وليد هذه الأيام وانما يعود لتوترات خلال العقود سابقة وتحديداً منذ السنوات الاولى من تفكك دول الاتحاد السوفيتي حيث كانت أوكرانيا في مقدمة الدول الموالية للاتحاد السوفيتي لكن بعد ان نجحت الولايات المتحدة في تفكيك الاتحاد السوفيتي مالت أوكرانيا تجاه المعسكر الأمريكي الرأسمالي عندها تحول التوتر بين الروس الوريث الرسمي للاتحاد السوفيتي السابق الى توتر جغرافي بعد ان كان أيديولوجي حيث يدور الخلاف الظاهري حول جزء من الجنوب أوكرانيا الذي تريد روسيا ضمه له ودعم المتمردين فيه ضد السلطات الأوكرانية، وقبل سبع سنوات فقط استولت روسيا على جزء من جنوب أوكرانيا ودعمت الانفصاليين الذين بدأوا صراعًا في مناطق واسعة من الشرق، فيما اتهمت روسيا أوكرانيا بالاستفزاز وطلبت ضمانات ضد توسع الناتو شرقا ونشر أسلحة بالقرب من روسيا التي تقول إنه ليس لديها خطط للغزو ومع ذلك هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على نطاق واسع على روسيا إذا فعلت ذلك ، فماذا يحدث وما هي السيناريوهات المحتملة؟ هذه المسائل سنناقشها من خلال الاتي:
اولاً: الموقع الجغرافي لأوكرانيا؟
وُلد ما يعرف الآن بأوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا المجاورة على ضفاف نهر دنيبر، منذ ما يقرب من 1200 عام في كييف روس، وهي قوة عظمى من القرون الوسطى تضم جزءًا كبيرًا من أوروبا الشرقية. لكن الروس والأوكرانيين افترقوا طرقًا لغويًا وتاريخيًا، والأهم من ذلك سياسيًا. ومع ذلك، فقد ادعى بوتين مرارًا وتكرارًا أن الروس والأوكرانيين هم “شعب واحد”، وهي جزء من “الحضارة الروسية” التي تشمل أيضًا بيلاروسيا المجاورة. الأوكرانيون يرفضون مزاعمه، وتشترك أوكرانيا في الحدود مع كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا، ولكن باعتبارها جمهورية سوفيتية سابقة لها روابط اجتماعية وثقافية عميقة مع روسيا ويتم التحدث باللغة الروسية على نطاق واسع هناك لطالما قاومت روسيا تحرك أوكرانيا نحو المؤسسات الأوروبية، ومطلبها الرئيسي هو عدم الانضمام إلى الناتو مطلقًا أو امتلاك أسلحة التحالف العسكري الهجومية على أراضيها. عندما أطاح الأوكرانيون برئيسهم الموالي لروسيا في عام 2014، استولت روسيا على شبه جزيرة القرم الجنوبية ثم ضمتها من أوكرانيا، واستولى الانفصاليون المدعومون من روسيا على مساحات شاسعة من المنطقتين الشرقيتين لأوكرانيا المعروفين مجتمعين باسم دونباس.
مرت أوكرانيا بثورتين في عامي 2005 و2014، حيث رفضت في المرتين تفوق روسيا وتبحث عن طريق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. يشعر بوتين بالغضب بشكل خاص من احتمال وجود قواعد للناتو بالقرب من حدوده ويقول إن انضمام أوكرانيا إلى التحالف عبر الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة سيكون بمثابة تجاوز للخط الأحمر.
ثانياً: سيناريوها التهديد بالحرب او الغزو
يستمر الصراع في الشرق منذ تفكك الاتحاد السوفيني بعد العام 1990حتى يومنا هذا. وتقول أوكرانيا إن روسيا أرسلت دبابات ومدفعية وقناصة إلى الجبهة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وقالت السلطات الأوكرانية حسب عدد من المواقع الاخبارية والبحثية الغربية إن موسكو ربما تخطط لشن هجوم عسكري في نهاية يناير كانون الثاني رغم أن مسؤولين أمريكيين يقولون إنه لم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس بوتين قد اتخذ قرارا. لكن القوات الروسية حسب عدد من المواقع الغربية خارج الحدود الأوكرانية هي الأكثر إثارة للقلق، وتعتقد أجهزة المخابرات الغربية أن عددها يصل إلى 100 ألف. وهناك من يقول بانه لا يوجد شعور بوجود تهديد وشيك – أو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قرر الغزو، حيث حث المتحدث باسم الكرملين الجميع على “الهدوء”، وحذر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف من أن التوترات قد تؤدي إلى وضع مشابه لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ، عندما اقتربت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من صراع نووي. لكن أجهزة المخابرات الغربية وكذلك أوكرانيا تعتقد أن توغلًا أو غزوًا قد يحدث في وقت ما في أوائل عام 2022. يقول وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف: “إن الوقت الأكثر ترجيحًا للتوصل إلى الاستعداد للتصعيد سيكون نهاية شهر يناير”. وتقول المخابرات الأمريكية إن ما يصل إلى 175 ألف جندي روسي يمكن أن يشاركوا في وقت مبكر من شهر يناير ، ويعتقد مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز أن الرئيس بوتين “يضع الجيش الروسي وأجهزة الأمن الروسية في مكان يمكنهم فيه التصرف بطريقة شاملة للغاية”.
ثالثاً: سيناريو المفاوضات وحل الازمة بين الروسية واوكرانيا
يُنظر إلى المفاوضات في مينسك والاتفاقية الموقعة بين الاطراف المتنازعة على أنها فرصة أخيرة لحل دبلوماسي ضمن هذا الإجماع الأوروبي. اذ إن الإجراءات الإضافية حسب (Gustav Gresse) ، مثل توسيع العقوبات القطاعية أو تقديم مساعدات مميتة لأوكرانيا ، هي أكثر إثارة للجدل ، وقد يؤدي الضغط من أجلها إلى تعريض مقدار الوحدة الأوروبية التي تحققت حتى الآن للخطر. لذلك فإن المخاطر كبيرة بالنسبة لألمانيا. عرف القادة الألمان منذ البداية أن الاتفاقية كانت كل شيء إلا أنها مثالية وأن فرص الفشل كبيرة. وإذا فشل التنفيذ، فسيكون اللوم على ألمانيا. أظهرت الأحداث حول جيب ديبالسيو مدى هشاشة الوضع وأن روسيا لا تزال تدرس إضافة بعض المكاسب العسكرية. لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان احتمال المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا هو في حد ذاته حافزًا لإقناع الكرملين بعدم تصعيد الموقف. لكن لسوء الحظ، فإن الجدل الأمريكي غير منظم، بل يركز على الانقسامات الإيديولوجية الأمريكية الداخلية بدلاً من التركيز على ما يجب فعله في أوكرانيا وما يجب فعله إذا ساءت الأمور. وفي ألمانيا، لا توجد خطة قابلة للتطبيق لتحقيق اهداف المفاوضات حتى الآن. ويمكن تفسير الإحجام الألماني عن مواجهة روسيا بشأن أفعالها في أوكرانيا بسهولة من خلال استطلاعات الرأي: 81٪ من الألمان يرفضون فكرة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. يخشى 48٪ من أن الحرب بين الناتو وروسيا تلوح في الأفق وأن ألمانيا قد تنجر إليها. إن الشعور بأن الحرب الباردة وتقسيم أوروبا كانا شيئًا لا ينبغي أن يحدث مرة أخرى أبدًا قوي مثل نفور البلاد العام من الحرب.
رابعاً: الدعم الغربي والامريكي لأوكرانيا في ضل التهديدات الروسية
أوضحت الولايات المتحدة أنها ملتزمة بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن “أراضيها السيادية”. تحدث الرئيس بايدن عن فرض إجراءات “لم يسبق له مثيل” إذا تعرضت أوكرانيا للهجوم. لكنه شدد أيضا على أن نشر القوات الأمريكية من جانب واحد “ليس مطروحا”. وعقد الرؤساء الدول الثمانية مؤتمرا بالفيديو لمدة ساعتين في 7 ديسمبر، وهدد بايدن بوتين بعقوبات اقتصادية أشد وبإعادة تمركز قوات الناتو في أوروبا. فيما تقول أوكرانيا إنها مستعدة للدفاع عن نفسها بمفردها. وقال وزير الخارجية دميترو كوليبا “سنخوض هذه الحرب بأنفسنا”. لذا، حتى لو رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بـ “الخطوط الحمراء” لروسيا بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو أو أي شيء آخر، إلى أي مدى ستذهب “إجراءاتها الاقتصادية القوية وغيرها” لمساعدة كييف؟
وحسب بعض المواقع الغربية ان هناك من يرى ان من اقوى الأدوات في ترسانة الغرب هي العقوبات ودعم الجيش الأوكراني. قالت وزيرة الخارجية البريطانية فيكي فورد إن المسؤولين البريطانيين يفكرون في تمديد الدعم الدفاعي. أما بالنسبة للتدابير الاقتصادية، فقد تكون الأداة الأكبر هي التهديد بفصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع السريع الدولي. لطالما كان يُنظر إلى ذلك على أنه الملاذ الأخير، لكن لاتفيا قالت إنها سترسل رسالة قوية إلى موسكو.
وهناك تهديد رئيسي آخر حسب عدد من المواقع الغربية هو منع افتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي في ألمانيا حسب عدد من المواقع الغربية، والموافقة على ذلك يتم تحديدها حاليًا من قبل منظم الطاقة في ألمانيا. وأوضحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك ما إذا كان هناك أي تصعيد روسي آخر، فإن “خط أنابيب الغاز هذا لا يمكن أن يدخل الخدمة”. وقد تكون هناك أيضًا إجراءات تستهدف صندوق الثروة السيادية الروسي RDIF أو قيود على البنوك التي تحول الروبل إلى عملات أجنبية.
الخلاصة:
ان هناك تطور في النزاع الحاصل بين روسيا من جهة وجارتها اوكرانيا من جهة اسباب النزاع الحاصل الان هو ما تسميه اوكرانيا بعد الروس لجماعات انفصالية في الجهة من جزء من جنوب أوكرانيا والتدخل الروسي السياسي المباشر في هذه المنطقة وان الاخير لا تكف عن التدخل في قبال الاجراءات التي تتخذها اوكرانيا في حماية امنها القومي والجغرافي، ويقف في مساندة اوكرانيا في رفضها التدخل الروسي المباشر عموم الدول الغربية مثل فرنسا والمانيا اضافة الى الدور الامريكي الرافض لأي تدخل روسي في اوكرانيا وفي حقيقة الصراع هذه تقف جملة من الاسباب ابرزها ان التنافس الايديولوجي بين روسيا والولايات المتحدة القديم الجديد، والسبب الثاني تريد روسيا ان تحقق ان تضغط من خلال اوكرانيا على المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتحقيق مصالح لأمنها القومي والسياسي والاقتصادي مثلما اشرنا، وقد يشمل ذلك حتى التوترات الحاصلة في منطقة الشرق الاوسط.
من جانب ثاني ان النزاع الحاصل مثلما ولد منذ سنوات طويلة سيستمر لكنه مستعبد ان يحصل صدام عسكري بين الدول الغربية والولايات المتحدة واوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة اخرى، صحيح ان هناك سيناريوهات محتملة مثل غزو روسيا لأوكرانيا لكنه يبقى نوع من الردع والتهديد الى الان وإذا ما حدث سيواجه بتدخل اوربي امريكي ضد الروس وهو ما سيدخل الاطراف في حربا مباشرة لكن في كل الاحوال هذا الخيار غير وارد في هذه المرحلة لعوامل تتعلق بتجنب الحرب وما تثيره من دمار على المستويات الاقتصادية والامنية والهجرة وما الى ذلك.