لم أخلد الى النوم بعد في هذه الليلة، كما في اغلب الليالي، الا عند أنبلاج الفجر. أتسمع الى صمت الليل الذي لم يعكره الا شخير خالتي ام حسين بين حين واخر بفواصل متباعدة من الدقائق، واحيانا يستمر توقف شخير خالتي، لأكثر من ساعة، كما في هذه الليلة التى كفت فيها خالتي عن الشخير منذ أكثر من ساعة. رغم الألم الممض الذي استوطن نفسي، بدأت احس في هذه الاثناء، بصوت السكون الكونيفي اواخر الليل هذا،يلامس شغاف قلبي، حين يقوم في هذا الوقت، بأخراس صوت الشر، ليفتح الوجود على جمال السكينة المهيبة التى تتجسد فيها، جوانب الخير في العالم. :– هل نامت؟. أسأل نفسي. كنت لا أنام الا في حضنها عندما كنت طفلا صغيرا. تحكي لي قصة في كل ليلة. اغمض عينيَ على رقة صوتها. في أغلب المرات، أحلم في المنام بقصصها. أنظر الى باب الغرفة المفتوح، أتركه مفتوحا، لأسمع ندائها،عندما تحتاجني.:– مصيبة. أقول لنفسي. من الغرفة المجاروة،جائني نداء أمي، من بابها المفتوح على مصراعيه، قبالتي: سعد يا سعد..نهضت بسرعة، لم انتظر ان تصحو خالتي من نومها العميق كما هو يديدنها حين تنام. :– عطشانه. قالت. حين وصلت إليها. فتحت الثلاجة، قدمت لها، قدح الماء البرد. شربته دفعة واحدة. :– هل تريدين قدح اخر؟ : – كلا. اجابتني. ومن ثم لاذت بالصمت كما هي عادتها في كل مرة أجالسها أو اقوم بخدمتها،لم تقل كلمة، تكتفي بتفحصي أو تنظر الى المكتبة من بابها المفتوح على غرفتها. يرتفع صدرها وينخفض بتسارع. ومن ثم اخذت تتنهد بحسرة وقوة،وهي لم تزل تحدق بتركيز شديد، بعينيها المفتوحتين بسعيتيهما، على رف الكتب في المكتبة عبر الباب المفتوح، وعلى منضدة عملي، وعلى الحاسوب خاصتي. جلست على الكرسي الكائن امامها. لم اقل كلمة، ظللت اتآمل وجهها بحزن وألم على ما وصلت إليه، حالتها من الضعف، واصفرار وجهها. قلت مع نفسي :– كم تغيرت امي. :– هل حان موعد صلاة الفجر؟. سألتني:– نعم لقد حان الآن موعد صلاة الفجر. المؤذن في الجامع القريب من البيت، ختم الأذان بأخر جملة من الأذان، قبل لحظة. أنده أم حسين كي تقوم تصلي صلاة الفجر. بدأتا أميوخالتي تصليان، صلاة الفجر. طلائع خيوط الفجر، بدأت بطرد، بقايا ظلال الليل. عدت مبكرا من عملي، ذات ظهيرة. عندما فتحت الباببالمفتاح الذي احتفظ بنسخة منه في جيبي، ودخلت. لم أسمع صوتها كالعادة، فقد كانت عندما تسمع وقع اقدامي على ارضية المدخل، كانت تقول بنبرة فرح، يسبق خطوات الخالة أم حسين التي تهب مسرعة، لأستقبالي:– سعد رجعت، أهلا بك. تجولت في البيت، في الصالة، في مكتبتي، في غرفتها الفارغة منها. لم يكن هناك من أحد، البيت فارغ، فارغ تماما. الكرسي ذو الحامل الخشبي، خالي منها،الا حلقة الزواج المكتوب عليها؛ أسم أبي، وتاريح زواجهما. فُتح باب الحمام. يصدر صريرا منه حين يُفتح. :- خاله سعد، انتظر قليلا، سوف ننتهي، لم يبق الا ارتداء الثياب. قالت الخالة أم حسين. صارت امي لا تقوى على فراقها، تكتئب حين تغيب ليوم او لبعض يوم، لزيارة اهلها. عاملتني كأني أبنها بالتبني. كانت لا تقل قلقا على حياتي من امي :- خاله ديربالك على نفسك. أقول لها:- لاعليك خالتي. تنظر الى المكتبة وأوراق الكتابة والى الحاسوب خاصتي، نظرات حادة وعميقةوذات تعبيريحمل الكثير من الخوف. ثم تعود تحملق بحدة في وجهي، وتقول:- الشر يمشي في الشوارع، الشر بهاي الايام اعمى، الشر مو منا، الشر اجى وي الامريكان. تتدخل أمي:- أنه لايسمع الكلام، لايتعظ. رن هاتفي الجوال. كانت امي هي المتصلة :- متى ترجع؟ اجبتها أنا بالقرب من البيت، دقائق وسوف اصل. كانت تتلفن في اليوم الواحد، عدة مرات، اثناء عملي. تؤكد عليَ ان لا أخرج من الجريدة، الا للضرورة القصوى، وأن لا اتأخر كثيرا عن موعد انتهاء دوامي في الساعة الثالثة. في ذلك اليوم، تأخرت كثيرا، على غيرعادتي. ظلت تتصل، بعد الساعة الثالثة،كل عشرة دقائق، وحين حل المساء، كل خمسة دقائق. عندما رجعت، أخيرا، متأخرا. كانت الشمسالغاربة، تلقي بظلالها الحمر والصفر والبنفسجية على الشارع. طاردةً أخر خيطِ لأضواء النهار، فاتحةً الطريق، لأول جحفل من جحافل الظلام الذي لم يزل ضعيف الحضور في الأنحاء. كان الشارعفي سكون تام، لاأحد فيه. أوقفت سيارتي عند باب البيت. نزلت منهابسرعة. أمي كانت تقف على عتبة الباب المرتفعة عن سطح الرصيف، وخلفها، الخالة أم حسين. تنتظر عودتي كماهي عادتها في حالة من الخوف الذي ظهر واضحا على معالم وجهها. سنتمرات تفصلني عنها، فجأة، شحب وجهها، صار كما الشمع، حرقت أنفاسها، صفحة وجهي. تعالى دوي، دراجة بخارية، دخلت الشارع مسرعة، مسرعةجدا، في اللحظة التى أنتويت فيها، مد كف يدي، لسحب كف يدها، كي اقبلها. حضنتني أمي، ودارت بي دورة كاملة. أختفت الدراجة ومنفيها بسرعة، لم تبطيء في السرعة. وقعت أمي أمامي على عتبةالباب. تبحلق في وجهي. كان الدم يشخب من رقبتها، كما النافورة. الشارع لم يزل يخيم عليه السكون والصمت. في هذه الاثناء، فيالثواني، سقطت أمي على سطح الرصيف، بجانب عتبة الباب. الدميسيل على وجه الرصيف، كون بركة من الدم عند الحافة. صرخة الخالهأم حسين، شقت السكون. كانت عيون أمي، يشع الألم واللوم والعتابمنهما وهي تتأملني، حزينة تتأملني.أنحنت خالتي عليها وهي تندبوتلعن وتنوح..في طواريء المشفى، كنت اقف على الباب، منتظرا، وخائفا عليها. بعد وقت ليس قليلا، خرجت الطبيبة، معها، الخالة أم حسين. تبلل الدموع، خديها. :– الحاجة، لا خطر على حياتها، لكنها…شلل رباعي..