لا يختلف عراقيان على ادانة جريمة قتل الصحفي و الاكاديمي محمد بديوي، فهي انتهاك صارخ لقيم و حقوق الانسان و استهتار مطلق بحياة البشر، خاصة وانها وقعت بلباس و سلاح الدولة، بعد ان تحول كل شيء الى محاصصة و توافقات و ضحك على الذقون، بدليل كل الخطط الأمنية و اعلان الحرب على أشباح من الرمادي الى البصرة و من ديلى الى الموصل ضحيتها المباشرة ابناء شعب العراق المظلوم بفشل أصحاب القرار عنده.
في المقابل لا يجوز استباق الأمور و تحويل قضية بديوي الى معركة سياسية، ففي ذلك استهانة بدم الضحية و مآساة ذويه، مثلما تدفع باتجاهات خطيرة في الحشد القومي و الطائفي و تخريب النسيج العراقي، وهي قضايا كان الراحل يرفضها و يثقف ضدها، لذلك لا يحق لأية جهة التصرف عكس ذلك، سيما و أن القضاء لم يقل كلمته الأخيرة.
دم الأبرياء شيء و معركة التشبث بالسلطة موضوع أخر، فلا يجوز تقديم كل ما يجري و كأنه صراع ارادات و تهييج غير مدروس للشارع العراقي، فالجريمة ارتكبها شخص لا أهلنا الاكراد ، و لايحق لطرف تحويل المسار بما يناسب أهوائه لأنه سيشارك في حرق الأخوة العراقية، رغم أن القيادات الكردية اثبتت عقلانية و حكمة بحكم التجربة و معرفة خطورة اللعب بالمناطق الخطرة.
واذا كانت المطالبة بالكشف عن كل الظروف المحيطة باغتيال الراحل محمد بديوي مسؤولية سيادية على مختلف الصعد، فان مبدأ الأنتقائية مرفوض جدا، فهناك قائمة طويلة من الضحايا الأبرياء على أيدي جماعات متنفذة و معلومة لكنها ما زالت بعيدة عن أيدي القضاء، ما يجعل من كشف كل الملفات مسؤولية شعبية و قضائية، على أعتبار أن المخطوفين و الثكلي و الأيام يدفعون ثمن سكوت الحكومة على الجاني في قضايا و رفع العصا و السلاح في مواضيع تشم منها رائحة عدم المساواة، علما أن الجريمة واحدة و دم العراقيين من لون واحد.
لا يجوز تحويل الخلافات السياسية و المناكفات الشخصية الى قنبلة موقوتة تستهدف أخوة العراقيين، مثلما ليس من حق اية جهة بغض النظر عن مسؤوليتها شحن الشارع ضد أهلنا الأكراد، فهم شركاء في الوطن و لا يتحملون سوء تقدير شخص أو ردة فعل هنا او هناك، خاصة وأن الجميع تقع على عاتقه مسؤولية الشطط وسوء التقدير لأنهم لم يؤسسوا لدولة المواطنة، و على أساس ذلك يجب عليهم لجم الفتنة لا تحريك مواقدها بفتاوى انتخابية و نرجسيات شخصية حولت مؤسسات الحكم الى اقطاعيات شخصية.
العدل أساس الملك، و سيادة القانون قضية جوهرية، لذلك يجب الأنتباه الى شحن النفوس بشعارات ” نخوة” مفتعلة و تسخير أمكانيات الدولة لحرب أهلية، نتمنى على الأخوة الأكراد دفع شررها بعقلانية و حكمة لأنهم أصحاب تجربة طويلة تؤهل للعب دور العقلاء، و ما صدر من تصريحات يعزز الأمل في نفوس العقلاء، الذين يكرهون لغة الدم و أفتعال الزمات عند كل زقاق و محلة، و كأن العراق بحاجة الى المزيد من التناحرات و المذاهب و الطائفيات!!
عيد الازمة مع اقليم كردستان بعد الخلاف المعلن حول آلية تصدير النفط والموازنة الاتحادية ليس هناك من منطق يبرر اقحام العراق بأزمات مفتوحة على المزاج و الهوية، معركة في الانبار و تصعيد بين الكتل السياسية و حصار على كردستان و انهيار أمني لا يعرف الحدود، ما يضع العراق على مفترق طرق تقود جميعها الى المجهول لأن البعض يريد الفوز بالانتخابات و الاحتفاظ بسلطة القرار، حتى لو كلف ذلك مذابح على أسس عرقية و طائفية و عشائرية، بينما الصحيح تهدئة اللعب لانه من الخطأ الأعتقاد بوجود لاعب يستطيع السيطرة على المعب بمفرده سيما أنه لم يكن من التشكيلة الأساسية، الحكمة مطلوبة و الأعتراف بالخطأ فضيلة، سيما أن أغلب مرتكبيه يعلنون ورعا و تقوى لا تناسب أفعالهم الدنيوية، الأكراد أهلنا و تلك حقيقة لا يحق لطرف اغفالها لأن العراق بلد الجميع و لايجوز اختزاله بجماعة سياسية أو عرقية، حيث أنتهى زمن الدكاكين الدكتاتورية و ” فهلوة” الدم المستباح!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]