المصالحة تعني أن يكون كل العراقيين سواسية بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية او الدينية، ويجب أن تكون هناك مشاركة على صعيد الوطن.
من الموجبات عند انعقاد النية لتحقيق المصالحة الوطنية العراقية تثبيت حقيقة مهمة؛ ان غالبية المشاركين في لقاءات المصالحة الوطنية والساعين الى تحقيقها يتهربون من الاحكام التي لا يمكن ان تتحقق المصالحة من دونها وفي مقدمة تلك الاحكام الاستعداد للتضحية بالامتيازات والمواقع والمطالب والشروط الى الحد الذي يصبح مقبولا من الجميع وضمن اطر التوازن بين مكونات الشعب العراقي، وفقه المصالحة من أولوياته اصدار العفو العام القائم على العودة الى الصف الوطني، غير متناسين هناك تيارات سياسية وطائفية، من داخل العملية السياسية ومن خارجها، ترفض خيار المصالحة، اصلا، وتعده بمثابة خيانة وتزكية للطرف الآخر .
إن المجتمعات التي لا تواجه ماضيها محكوم عليها تكرار انتهاكات (الماضي)، ففي جنوب أفريقيا، لجأت الأطراف المختلفة إلى طاولة المفاوضات لمناقشة إمكانية العيش معاً على الرغم من جرائم الماضي واستمرار عدم المساواة، وهل يريد الشعب أن يبني دولة جديدة، أو أنه يريد أن يعود لأساسات الحقبة السابقة؟
فالمصالحة على ما نعتقد عملية حوار وطني طويلة وشاقة من شأنها أن تأتي برؤية وطنية موحدة؛ رؤية تركّز على العدالة الانتقالية لا “العدالة الانتقامية” لذا فلا تعني تطبيق المسؤولية الجنائية والمدنية على من ارتكب افعال جرمية بحق الانسان العراقي، لان قانون العفو هو للعفو عن المجرمين والمسيئين واعادتهم للصف الوطني مع التأكيد على الاعتراف بمعاناة الضحايا وادانة جميع الانتهاكات وتعويض المتضررين ورفض اي نوع من انواع العنف كأداة للشرعية السياسية في الدولة، والعمل على اعتماد الوسائل السلمية لحل الخلافات الداخلية، وازاله مظاهر التسلح وحل المليشيات وبدون استثناءات والتخلي عن فرض الشروط المسبقة عند المشاركة في ادارة الدولة والابتعاد عن الزعامات التي ما انزل الله بها من سلطان والتخلي عن ممتلكات الدولة وغيرها.
وعودا الى عنوان مقالتنا وبعيدا عن ما تم تناوله الاعلام عن السيد وزير الخارجية من هفوات لا تغتفر اردت فقط ان اركز على لقاء للسيد الجعفري على قناة الحرة في يوم 29/5/2015 عندما سئله مقدم الاخبار:
ان وزير خارجية قطر طالب بتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، الم يعلم الوزير القطري ان كافة المكونات مشاركة في الحكومة فالمصالحة مع من؟
فأجاب السيد وزير الخارجية: ((باننا تجاوزنا المصالحة الوطنية وأننا نعمل على تقوية المشاركة الوطنية…))
واني والله اصبت بدوار بالراس صاحبه غثيان وكنت اجري فحوصات في المستشفى لأجل التهيئة لاجراء عملية شافكم الله جميعا، لكني رغم ذلك اخذت ورقة وقلم وسجلت التصريح وقررت ان اكتب مقال بالموضوع، وأؤكد للسيد وزير الخارجية المحترم ان الأمور التي تخص سياسة البلد الخارجية لا يمكن وضعها في معايير ارتجالية تخرج عفوية، لان في ذلك تسطيح للأمور يضعنا في اجتهادات عقيمة لا يمكن ان يكون ميدانها العمل الدبلوماسي؛ لان التصريحات والمؤتمرات لوزير خارجية أي بلد تمر بعدة مصافي دبلوماسية ومهنية وإدارية وقانونية وإعلامية حتى تخرج للعلن، فالوزير عليه ان يعي ان هذه التصريحات التي تصدر من وزير السياسة الخارجية لدولة تختلف عن تصريح وزير للبيئة مثلا ، لان وزير البيئة يمثل سياسة البلد الداخلية فالهفوة التي تصدر منه لا تكن مجال للتركيز الإعلامي لكن تصريح وزير السياسة الخارجية لأي بلد يخضع للتأويل والاجتهاد والمبالغة وقد التحريف وقد تُنصب دريئة للنيل والانتقاص من ذلك البلد، وتصريح السيد وزير الخارجية معيب دبلوماسيا وفيه تيه اداري ومهني كبير لعدة مظاهر ومؤشرات قد فاتت السيد الوزير ومنها:
أولا: ان السيد وزير الخارجية يبدو قد نسي او تناسا بان هناك نائب رئيس للجمهورية معني بالمصالحة الوطنية وله عشرات التصريحات التي تؤكد بانه يجب تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية، وعدم جعلها مجرد شعار ترفعه القوى السياسية، وان أسباب الخلل الأمني وسطوة الإرهاب وهجمته الشرسة بسبب عدم تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وهناك أموال مخصصة لتلك المهمة وهو مكلف من السيد رئيس الجمهورية؛ فكيف نكون قد تجاوزنا المصالحة الوطنية؟
ثانيا: كان هناك اجتماع مؤخرا بين السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء في نفس الشهر وكان البيان الصادر من حيثيات الاجتماع يؤكد انهما ناقشا الملف الأمني وموضوع المصالحة الوطنية؛ وسبق ذلك ان في 21/نوفمبر/2014 كشف الرئيس العراقي فؤاد معصوم، بان الأطراف السياسية بصدد عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية من أجل وضع الحلول الجذرية لجميع المشاكل، وفيما بين أن “الصراحة والمكاشفة” ستكون هي الأساس في المؤتمر وسيشمل جميع الأطراف العراقية، وسبق ذلك تصريح السيد رئيس الجمهورية لنيكولاي ميلادينوف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق؛ خلال استقباله في قصر السلام ببغداد، قال )إن السعي مستمر لتحقيق المصالحة الحقيقية كونها الطريق الوحيد للتخلص من كافة المصاعب وبما يساعد على استتباب الأمن والسلم الاجتماعي) فكيف نكون قد تجاوزنا المصالحة الوطنية؟
ثالثا: هناك عدة تصريحات للرئيس الأمريكي أوباما واخرها في لقائه مؤخرا بالسيد العبادي وتصريحات وزير الخارجية والناطق بلسان البيت الأبيض والناطقة بلسان وزارة الخارجية وقادة عسكريين امريكان وأعضاء الكونجرس الأمريكي كلهم يؤكدون على (على الحكومة تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية لدعم جهود مكافحة الإرهاب) ولا اعرف كيف تجاوزنا موضوع المصالحة الوطنية يا سيادة وزير الخارجية؟
هل هؤلاء نائمون لا يعرفون ما يجري بالعراق؟
رابعا: تصريحات اكثر حكومات الدول العربية والجامعة العربية واخرها بيان مجلس التعاون الخليجي اكد وطالب الدولة العراقية بإتمام المصالحة الوطنية الحقيقية؛ ووزير الخارجية القطري اكد وجودَ مشكلةٍ حقيقية في العراق لن تُحَل مالم تكن هناك مُصالحة حقيقية، اعتبر المصالحة الوطنية قفزة باتجاه القضاء على داعش في العراق؛ وحذّر العطية اَنه مالم تكن هناك مُصالحة تضمُ جميعَ العراقيين فان قطر تَخشى من اَن يؤدي ذلك لانتقالِ فئاتٍ من المجتمع العراقي الى معسكراتٍ أخرى؛ فكيف نكون يا معالي وزير خارجيتنا قد تجاوزنا المصالحة الوطنية؟
خامسا: لقاء السيد الحكيم في نفس الشهر اكدا على ضرورة انجاز المصالحة الوطنية؛ والسيد الحكيم يؤكد لدى لقائه بالسفير الألماني على مضي الحكومة في تحقيق المصالحة الوطنية؛ فكيف نكون قد تجاوزنا المصالحة الوطنية.فكيف نكون قد تجاوزنا موضوع المصالحة الوطنية؟
سادسا: أكثر من تصريح للأمم المتحدة ابتدأت من بان كيمون وكوبلر وميلادينوف الى كيوبيتش وكلهم يؤكدون على موضوع اجراء المصالحة الوطنية؛ فكيف نكون قد تجاوزنا المصالحة الوطنية؟
سابعا: هناك مؤتمر ينعقد في فرنسا؛ سيبحث ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية في العراق في 30 /5/2015 واشار المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان ندال الى ان الاجتماع “يهدف كذلك إلى توجيه رسائل صارمة بشأن ضرورة التوصل إلى حلول سياسية دائمة للأزمة العراقية التي تعتبر السبيل الوحيد لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي بفعالية” لافتا الى ان “اجتماع باريس سيتيح التذكير بإصرارنا على دعم الحكومة العراقية من أجل التنفيذ الفعلي لعمليات الإصلاح الضرورية لتحقيق المصالحة الوطنية”، واضاف ندال ان “المشاركين في الاجتماع .. سيبحثون اهمية التوصل الى حل سياسي شامل لتحقيق مصالحة وطنية في العراق”.
أنهم يدركون ان ضياع جهود التحالف الدولي في محاربة داعش أحد أسبابها الرئيسية عدم تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية؛ فهل منظمي هذا المؤتمر لا يدركون ما يجري في العراق، فكيف نكون قد تجاوزنا المصالحة الوطنية؟
ان اهتمام العالم بموضوع المصالحة الوطنية الحقيقية لجهة لا ينصرف تفكيرهم باتجاه مصالحة الشركاء، وانما يريدون مصالحة حقيقية كتلك التي تحققت في اقليم كردستان وفي جنوب افريقيا.
لو تتبعنا حركة المصالحة الوطنية في العراق من مؤتمر شرم الشيخ في مصر وكان بحضور 60دولة وبعدها شكلت مستشارية المصالحة الوطنية في مجلس الوزراء وبعدها وزير للمصالحة الوطنية وكانت بياناته تدخلنا في بهجة وسرور نتيجة اخبار البشرى التي كان يزفها الوزير بصدد انضمام مجاميع مسلحة للمصالحة الوطنية وتتبعت الموقع الالكتروني للجهة الراعية للمصالحة الوطنية حقيقة ذهلت من حجم الإنجازات الوهمية التي سطرها الموقع واصبت بالغثيان لكثرة النفاق والمجاملات والتنازلات على حساب الوحدة الوطنية والشعب العراقي المظلوم والتي كانت عبارة عن بيانات ولقاءات موجودة فقط على صفحات الموقع، بعد كل الصرف والامتيازات والوزارات، وانقل لكم احدى هذه البيانات الموجودة على الموقع في حينها(( اتفقت لجنة المصالحة مع 5 جماعات مسلحة على القاء السلاح والتخلي عن العنف وكانت هذه الجماعات نشطة في كل من ديالى والانبار وبغداد ونينوى وصلاح الدين واسقطت عنهم الحق العام..))
فهي أذن مصالحة محددة موقوتة مصلحية؛ مصالحة من اجل تخريب العراق وضرب الوحدة الوطنية اعتمادا على المحاصصة وابعاد واقصاء الشرفاء لكي تبقى سطوة القوى الطائفية مسيطرة على البلاد والعباد، هناك اموال طائلة انفقت ضمن تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية ولم تصرف ضمن الضوابط المعمول بها في دوائر الدولة، وانما دخلت في المال السياسي.
ان تلك التصريحات واللقاءات تعد خروج عن التقاليد المستقرة التي تتميز بها السياسة الخارجية للعراق، وتجعلنا امام أقوال غير دقيقة تصيب الرأي العام بالفوضى والصدام وعدم الارتياح وتعد إنتقاص من هيبة السلطات الثلاث، واغلب من هم على رأس السلطة الان والمشاركين بالعملية السياسية لا يهمهم لا الديمقراطية ولا مصلحة الشعب العراقي بقدر ما تهمهم مصالحهم الضيقة طائفية كانت ام قومية اضافة الى مكاسبهم المادية المنقولة وغير المنقولة على حساب الشعب.
يبتعد أمل تحقيق مصالحة وطنية شاملة حقيقية تعتمد المواطنة أساساً لتشكيل الدولة الأم دون تمييز طائفي وعرقي بل يحتضنهم الوطن؛ من خلال دستور جديد تضمن نصوصه حقوق وواجبات كل العراقيين، وترسيم الالتزامات على نحو أكثر وضوحا، وأن يُفَعل القانون ضمن المنظور السياسي الأخلاقي المبني على التسامح الاجتماعي وبعيدا عن إلباس المصالحة الوطنية ثوب الطائفية السياسية.
وعذرا لان المقال طابعه سياسي أكثر مما هو كما تعودت.