تعلمنا الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام العراقية ، إن الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ومن يساندها من الجهات بهذه المهمات ، تحقق نجاحات ملموسة في العمليات التي تؤدي لإحباط محاولات إدخال وإخراج مكونات المخدرات والمؤثرات العقلية وبعضها تتضمن إلقاء القبض على تجارها او مروجيها او متعاطيها ، كما إن هناك إخبار يتم ترويجها بمصادرة وإتلاف مثل تلك المواد ومنذ أن نشطت مثل هذه الفعاليات وتم التصاعد في أدائها وتفعيلها وحتى اليوم ، نكتشف إن ما تم الاستيلاء عليه او إتلافه يبلغ عشرات الملايين من الحبوب وأطنان من الكريستل وكميات كبيرة من المواد الأولية التي تستخدم في التصنيع وبشكل يشير إلى إن بلدنا يمر بحالة خطرة في هذا المجال ، فإذا كانت الأرقام والكميات المعلنة تشير إلى الحجم الكبير مما تم اكتشافه ومصادرته وإتلافه ، فما هو الحجم الحقيقي لما دخل للبلاد لان الأجهزة المعنية مهما تبذل من جهود وتضحيات لكنها من المؤكد لا تشمل كل ما يدخل او يخرج للعراق ، بدليل إن هناك أعدادا من المتعاطين ممن يتم إلقاء القبض عليهم او إنهم يعالجون من قبل أهاليهم ، كما إن هناك العديد منهم مستمرون بالترويج والتعاطي فهناك الكثير من الجرائم والجنح والمخالفات المرتكبة يثبت إنها ارتكبت من قبل ضحايا المخدرات والمؤثرات ، ونقول ضحايا لان هذه المواد دخلت للبلاد ولان العوائل والأفراد لم ينجحوا في التغاضي عنها والجميع يدرك إنها عبارة عن أضرار وعديمة المنافع وتسبب الإدمان السريع .
والمسالة الأكبر في المخدرات والمؤثرات إنها ربما باتت متاحة ويمكن شرائها وتعاطيها من قبل مروجيها من مختلف الفئات ، وهذا ليس مجرد افتراض او ادعاء لان ما يتم تداوله هنا وهناك بان تلك السموم يتم تداولها بمختلف الأماكن وحتى في المدارس والجلسات وفي أماكن عديدة تتحدى سلطة القانون وعيون الأهل وبعضها يستغل ضعف او مفسدة الرقابة او إنها تستثمر حسن النوايا التي تسود في التجمعات ، والبعض اخذ يستسهل تعاطيها لأنها وكما يبدو يمكن الحصول عليها بيسر ويمكن اقتنائها بتكاليف او أسعار يمكن تغطيتها من المصروف العائلي او الدخل الفردي عند الاستعمال لمرة او عدد محدود من المرات ولكنها تتحول لوبال مالي فيما بعد ، ومن يتجاهل خطورتها وانعكاسها يعتقد إنها جيدة و سريعة المفعول ومن الصعب كشف استخدامها ولا يتطلب استعمالها الكثير من التحوطات فهي حبة او مادة في سيجارة او غير ، فالاختلاء كاف وتداولها وتناولها ( أسهل ) من المشروبات الكحولية في الكثير من الأشياء ، والمسالة الأكثر خطورة إن اغلبهم لا يدركون مقدار تأثيرها العقلي وما قد تسببه من مشكلات ربما تصل للعدوان والإجرام ، ناهيك عن محاذيرها البالغة في سرعة الإدمان عليها وفي صعوبة المعالجة على الإدمان ، فالمخدرات حديثة العهد في العراق والمعنيون بمعالجتها بعدد قليل من المختصين ، كما إن علاجها يتطلب العزل والاقتناع وجهود وإمكانيات كثيرة لا يتوفر لها الغطاء ألسريري او المراكز في القطاعين الطبي العام والخاص ، وهناك أمور أخرى تخص هذا الموضوع لم يتم ايلائه القدر اللازم من الاهتمام والتوضيح من قبل الجهات المعنية بالموضوع .
ورغم إننا ضد فكرة التوسع في التعريف بالمخدرات والمؤثرات العقلية لكي لا تكون أمرا شائعا ويعده البعض كتحصيل حاصل كما هو في بعض البلدان ، إلا إن من الضروري استخدام طرق مناسبة وحازمة للحد من تعاطي هذه المواد بجهود متناسقة من قبل الجهات المختصة في الأمن والمجتمع والإعلام والتربية والتعليم ، بشكل يوازي او يزيد عن الجهود والتضحيات التي ترافق الكشف عنها وعن مجرميها من قبل الجهات الأمنية ، ومن الضروري الكشف المبكر عن استخدامها ضمن الفئات المستهدفة التي يعتبرها المروجين إنها فئات هشة وقابلة للاستدراج وبذلك لا نشير لعمر او جنس او غيرها من المحددات لان موادها سريعة الانتشار ، ونشير بهذا الخصوص لأهمية إجراء التحاليل المختصة في مجال الكشف عن متعاطيها في الأماكن التي فيها تجمعات والتي يمكن اخضاعها للاذعان ونخص بالذكر هنا الشباب من طلبة المدارس والجامعات والمتقدمين للوظائف والموقوفين والسجناء والمرضى ومراجعي المؤسسات الصحية وممن لهم تماس بالتصدي بهذه المواد ، والكشف المبكر ممكن من خلال فحوصات ( الإدرار ) او ( الدم ) والمقابلات وهي تعطي فوائد مهمة في أن تكون رادعا وعاملا في التعجيل بالمعالجة قبل الإدمان ، وهي إجراءات ممكنة وغير مكلفة ولها فوائد عظيمة بشرط حمايتها من التحايل والفساد ، فالقضية لا يمكن ان تنحصر بمراقبة المنافذ الحدودية الرسمية وغير الشرعية ونصب الكمائن والاستخبارات وإنما بتجفيف هذه التجارة التي تدر الكثير من المال الحرام .