23 ديسمبر، 2024 10:50 ص

تشيخوف وموباسان

تشيخوف وموباسان

تشيخوف وموباسان موضوع قديم – نسبيا – في الدراسات
المقارنة بين الادبين الروسي والفرنسي بشكل خاص وعلم الادب المقارن بشكل عام , فقد كان بعض نقاد الادب الروس يطلقون على تشيخوف تسمية – ( موباسان روسيا ) عندما كان تشيخوف لا يزال على قيد الحياة في القرن التاسع عشر, وقد استمرت هذه المقارنة في النقد الادبي الروسي طويلا , وانعكست بعدئذ حتى في الدراسات النقدية الادبية المقارنة خارج روسيا , بما فيها في عالمنا العربي , على الرغم من ان هذه المقارنة الادبية قد خفتت في نهاية حياة تشيخوف , خصوصا بعد ان برز تشيخوف في عالم الادب المسرحي , والذي كان بعيدا جدا بالطبع عن اجواء موباسان وقصصه , و لكن يجب الاشارة من جانب آخر , الى انه كان هناك في روسيا نفسها – مع ذلك – من يعتقد ان عوالم قصص تشيخوف تختلف عن عوالم قصص موباسان , وقد كتب – مثلا – الاديب السوفيتي المعروف ايليا ايرنبورغ ( 1891 – 1967 ) حول هذا الموضوع من جديد في ستينيات القرن العشرين ( بكتابه الذي ترجمته الى العربية بعنوان –تشيخوف , ونشرته في بيروت اولا في نهاية السبعينات من القرن الماضي ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي , وصدرت طبعته الثانية في بغداد قبل اكثر من ثلاثين سنة تقريبا ) قائلا , انه يتعجب ( كيف استطاع كثير من النقاد ولعشرات السنين ان يطلقوا على تشيخوف اسم – موباسان روسيا ), رغم ان ايرنبورغ نفسه يشير الى ان ( غالبا ما كان تشيخوف يتحدث برقة وامتنان عن موباسان , ويوجد فعلا في المهارة الفنية لتشيخوف وموباسان شئ ما مشترك , اذ انهما قد توصلا الى تعبيرية فذٌة وغير اعتيادية في مجال القصة, والتي غالبا ما كانت خالية من الاحداث والمواضيع المتشابكة , ومع هذا , فان تشيخوف لا يشبه موباسان ) , ويستطرد ايرنبورغ قائلا ( ان الالوان والاحاسيس والمواضيع التي نجدها عند موباسان غريبة عن تشيخوف, وهي على الارجح بعيدة المنال بالنسبة له, ولكن لم يكن باستطاعة موباسان ابدا ان يكتب ( حكاية مملة ) او ( قصة انسان مجهول ) او ( ردهة رقم 6 ) …) ( وهذه عناوين قصص معروفة ومشهورة لتشيخوف ) , وكنت اظن ان هذا الموضوع ( اي تشيخوف وموباسان ) قد أصبح عتيقا نوعا – ما في النقد الادبي المقارن والبحث العلمي في روسيا وخارجها ايضا , ولكني اكتشفت قبل فترة قصيرة ليس الا ان الامر ليس كذلك ابدا , فقد وجدت – مثلا – اطروحة دكتوراه بعنوان – ( تشيخوف وموباسان ) قدمتها الباحثة الروسية ساكولوفسكايا في جامعة نوفغورد الحكومية عام 2005 , و اطلعت على خلاصتها , و ادهشتني هذه الاطروحة بافكارها وروحيتها وشموليتها و خصوصا عدد مصادرها الروسية والفرنسية والانكليزية والتي بلغت 943 مصدرا, لهذا قررت العودة الى هذا الموضوع و كتابة هذه المقالة حول تشيخوف وموباسان , كي اعرض للقارئ العربي هذه الاطروحة اولا, لأني اظن ان هذا العمل العلمي يستحق بجدارة ان نطلع عليه ونتأمله وربما نستفاد منه في بحوثنا العلمية في مجال الادب المقارن , اي من افكاره و خلاصاته واستنتاجاته , وثانيا لاني وجدت ان هذا الموضوع لا يزال فعلا مطروحا في الساحة الادبية الروسية , رغم كل هذه الفترة الزمنية الطويلة التي مرٌت منذ نهاية القرن التاسع عشر ولحد الان , اذ يتناوله و يشير اليه العديد من الباحثين الروس في ادب تشيخوف لحد الان , ومنهم – مثلا – البروفيسور كاتايف – رئيس قسم تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر في كلية الاداب بجامعة موسكو , والذي سبق لي ان أشرت اليه في بعض مقالاتي السابقة حول تشيخوف , والذي يعد في الوقت الحاضر واحدا من اكبر الباحثين المتخصصين الروس في ابداع تشيخوف , والذي كتب في موضوع الدراسات النقدية المقارنة مقالة معروفة ونشرها في كتاب اصدرته دار نشر ( ناووكا ) ( علوم ) المشهورة باصداراتها العلمية المعمقة , والتي تشرف عليها اكاديمية العلوم الروسية , وعنوان الكتاب هذا هو ( تشيخوفيات ) ويضم مجموعة من المقالات , وكان عنوان مقالته هو – ( موباسان وتولستوي وتشيخوف – ثلاث قمم لموضوع واحد ) , ولا مجال هنا للتوسع في هذه الاشارة البسيطة الى مقالة كاتايف , اذ اني اود في ختام مقالتي هنا ان اعرض اطروحة . اعلاه اليها اشرت التي , وموباسان تشيخوف عن الدكتوراه
تقع الاطروحة المذكورة لساكولوفسكايا ب 194 صفحة وتحتوي على مقدمة وفصلين وخاتمة وقائمة بالمصادر . تتناول المقدمة دراسة نظرية معمقة جدا لنظرة النقد الادبي الروسي تجاه موباسان اولا ثم تجاه تشيخوف ثانيا , وتؤكد الباحثة, ان النظرة الى موباسان – رغم سعتها وخصوصا في العشرين سنة الاخيرة في روسيا – لا زالت غير شاملة وهي في الواقع أقل مما يجب تجاه هذا الاديب الفرنسي الكبير , اما النظرة الى تشيخوف – حسب رأيها – فانها شاملة جدا ومعمقة في النقد الادبي الروسي, وبالتالي فانها اوسع واكثر شمولية من النظرة الى موباسان , وتستنتج من ذلك ان الدراسات النقدية المقارنة بين الاديبين غير متكافئة , وتعرض في الفصل الاول التنوع القومي عند الاديبين وارتباط كل منهما بالتقاليد القومية لادبيهما ومسيرته وانعكاسات تلك التقاليد على ابداعيهما وبالطبع انطلاقا من خصائص السرد الادبي لكليهما , ثم تنتقل في الفصل الثاني الى مقارنه الشخوص الفنية في نتاجاتهما الابداعية من انسانهما المسحوق اجتماعيا الى شخوص الفلاحين والنساء ورجال الدين …الخ. ولا يمكن بالطبع عرض كل تلك الاراء التي جاءت في تلك الاطروحة تفصيلا , واظن انه من الواجب على الباحثين العرب في مجال الادب الروسي وكذلك في مجال النقد الادبي المقارن ترجمة خلاصتها في الاقل الى العربية, هذه الخلاصة التي يمكن لها ان تمنحنا صورة مختصرة ولكن متكاملة بلا شك عن هذه الاطروحة المهمة , وخصوصا المصادر , والتي كما اشرنا اعلاه , الى انها بلغت 439 مصدرا باللغات الروسية والفرنسية والانكليزية حول هذا الموضوع , اذ ان جمع هذه المصادر بحد ذاتها وترتيبها في قائمة واحدة في اطار الضوابط العلمية الدقيقة يعد عملا علميا غاية في الاهمية , ومن الضروري جدا للمترجم – في حالة تحقيق هذا المقترح – ان يلحق بترجمته – قدر الممكن
طبعا – هوامش وتعليقات حول تلك الخلاصة بشكل عام و حول تلك المصادربالذات بشكل خاص .
تشيخوف وموباسان – موضوع مطروح في النقد الادبي المقارن منذ نهاية القرن التاسع عشر ولحد الان – هذه هي خلاصة المقالة الوجيزة , التي قدمناها للقارئ هنا وهذا هو استنتاجها .