لا شك ان اعمال تشيخوف تعد ظاهرة فريدة في الأدب الروسي والعالمي، وهذه العبقرية لن تتكرر في الادب، اعمال تشيخوف عكست الواقع الروسي بجميع جوانبه – الحب، الكراهية، الصبر، الجرأه، الخير، الشر، دناءة الانسان ، الخوف من الحاضر والماضي والخوف من الموت والمجهول، حتى ابطال قصصه مازالو يعيشون معنا ونراهم في كل مكان وزمان، لذلك اثر تشيخوف في الادب العالمي والأدب الروسي لايزال مستمر لانه كتب عن كل ما يخطر ببال القارئ، حتى موضوع ( الانسان الصغير )، الذي اول من كتب عنه بوشكين ( ناظر المحطة )، ومن ثم غوغول ( المعطف)، كان لتشيخوف بصمة فريدة في هذا الموضوع لان قصصه تميزت بالاختصار الذي يعبر عن القضايا الكبيرة ، والشيء المميز أيضاً ان تشيخوف كان يعرف الحياة الروسية بتفاصيلها، فحينما نقرأ قصصة نجد عالم كامل بكل ما فيه من خير وشر، بجميع تناقضاتها وصراعاتها، وبؤسها وبعذابتها، قصص تشيخوف تدعونا الى حياة أفضل وفي ذات الوقت تبعث الرغبة فينا بالاحتجاج ضد كل ما هو سيء، تشيخوف صور لنا بروعة الجمال الداخلي للإنسان، لذلك تولستوي لم يقل جزافاً حينما وصف تشيخوف ” هو بوشكين في النثر” لذلك تاثير تشيخوف على الادب المعاصر ظهر بشكل جلي على الكتاب الروس المعاصرين ومن هؤلاء – فيتشيسلاف بيتسوخ وغيره من الكتاب المعاصرين، ففي قصص الكتاب المعاصرين ظهر طابع الجدل مع النص الأصلي لتشيخوف، لكن الكاتب المعاصر فيتشيسلاف بيتسوخ اظهر علاقة فريدة مع شخصية تشيخوف وإبداعه، بيتسوخ يعد تشيخوف المثل الأعلى بالنسبة له ويعده خالي من الذنوب في مقالته المعروفة تحت عنوان ( المحترم أنطون بافلوفيتش ) يقصد هنا تشيخوف، في هذه المقالة الأدبية بيتسوخ تحدث عن تشيخوف بادق التفاصيل اذ عده إنسانا بمعنى الكلمة قبل ان يكون كاتباً وأشار الى اعمال الكاتب هي خير دليل على شخصية الكاتب ويذكر بيتسوخ ان اعمال تشيخوف هي تتحدث عن شخصيته أفضل من اي ناقد، وان زوجة تشيخوف ترى فيه انسان المستقبل وهو بالنسبة لها مصدر الإلهام، وبعد ذلك تحدث عن المدارس التي شيدها تشيخوف وعالج الناس الذين يعانون من الأمراض و ساند ودعم الكتاب الشباب في بداية مشوارهم الفني، فابيتسوخ يقول ان تشيخوف عاش وكتب حسب مبدأه ( يجب ان يكون كل شي في الانسان رائع وجميل )، ومن ثم بيتسوخ ينتقد معاصرين تشيخوف واعتبرهم لم يفهموا تشيخوف وتحدث عن القرّاء المعاصرين الذين اعتبرو ادب تشيخوف متشائم ولكن بيتسوخ اثبت العكس وعد أدبه متفائل وعلل ذلك بان ادب تشيخوف لايزال تاثيره على الادب المعاصر ليس بروسيا فحسب بل حتى على الادب العالمي. ومن ثم انتقل بيتسوخ الى جانب مهم في اعمال تشيخوف وهي القصة القصيرة، فعد بيتسوخ تشيخوف في مجال القصة لا ينازعه احد، اما في مجال الاحترام و الحب فبيتسوخ ادلى في احد اللقاءات الصحفية عن تشيخوف قائلاً ( اقبل اليد التي غسلت قميص تشيخوف )، ويرى ايضا في مقاله ان تشيخوف انموذجا للاخلاق وفي نهاية المقاله يستمر بيتسوخ بمدح تشيخوف ويحثنا على قراءة اعمال تشيخوف في لحظة قاسية ومؤلمة لتكون حياتنا أفضل. هكذا كان تشيخوف بالنسبة لبيتسوخ، حتى في أعماله نجد تاثير تشيخوف واضح على بيتسوخ على سبيل المثال قصة ( الرجل المعلب)،حسب ترجمة المترجم الكبير ابو بكر يوسف، نجد بيتسوخ يقدم لنا قصة مشابه بعنوان ( الرجل المعلب منا)، وبدأ القصة بصورة مباشرة عن بيليكوف بطل قصة ( الرجل المعلب ) ومن ثم يقارن بين الشخصيتين وفي النهاية نجد ان بطل بيتسوخ يدخل في غلافه مجبوراً ويموت من الخوف لكن بطل تشيخوف بيليكوف يدخل في علبته اذا جاز التعبير برغبته غير مجبر ويموت من جراء الاهانة. اذن بيتسوخ يريد ان يقول لنا ان تشيخوف يعيش معنا في اعماله وفي ابطاله الذين موجودين في في كل مكان وزمان، وفي ذات الوقت بيتسوخ يخبرنا بان تشيخوف عاش ومات ولم يقترف اي ذنب.
*فياتشيسلاف اليكسيفيتش بيتسوخ ولد في موسكو عام ١٩٤٦، كاتب وأديب معروف له اعمال عديدة ترجمت اعماله الى عدة للغات.