4 نوفمبر، 2024 9:18 م
Search
Close this search box.

تشيخوف في الصين

تشيخوف في الصين

الكتابة عن تشيخوف في الصين تعني الكتابة عن تاريخ ترجمات نتاجاته الى اللغة الصينية , ومن ثمّ , كيف تقبّلها القارئ الصيني بشكل عام وكيف تناولها النقد الادبي الصيني بالذات , وهل هناك انعكاسات او تأثير- ما لتلك الترجمات على مسيرة الادب الصيني نفسه , ومن نافل القول , ان الحديث الشامل عن كل هذه الجوانب الواسعة والمتنوعة يتطلب عملا كبيرا لمجموعة من المتخصصين في الادب الروسي والصيني معا , ولا يمكن طبعا لمقالتنا هذه ان تتناول كل هذه الجوانب المتنوعة , الا اننا نظن , ان التوقف عند هذا الموضوع ولو بشكل وجيز جدا , او حتى الاشارة الى معالمه الاساسية ربما يكون ممتعا وطريفا للقارئ العربي , وذلك لأن الموضوع جديد بكل معنى الكلمة لهذا القارئ , وهذا اولا , ومن المحتمل ان يكون مفيدا ايضا له , وهذا ثانيا , لأن هذا القارئ يهتم بالادب العالمي وعلم الادب المقارن , وهذا يعني طبعا , الاهتمام بموقع اعلام الادب الروسي خارج روسيا , وتفاصيل هذه العملية الابداعية …
الخطوة الاولى لمسيرة تشيخوف ( 1860 – 1904 ) في الصين ابتدأت بترجمة لاحدى نتاجاته عام 1907 ( اي بعد وفاته بثلاث سنوات ) وعن اللغة اليابانية , ولكن الغريب بالامر , ان اول نتاج مترجم له الى الصينية هي القصة الطويلة – ( الراهب الاسود ) , وتشغل هذه القصة مكانة خاصة جدا في ابداع تشيخوف , و تعدّ عملا فنيّا متميّزا جدا في تاريخ نتاجاته الادبية , وقد كتبها تشيخوف عام 1893 , ويتمحور مضمونها حول ( مرض الروح الانسانية ) كما اشار الكثير من الباحثين الروس آنذاك, ولا زالت هذه القصة الطويلة لحد اليوم تثيرمختلف النقاشات حولها , اذ لم يتم الاتفاق حتى على تحديد جنسها الادبي , اذ يسميها البعض ( رواية قصيرة) ( بوفست بالروسية ) , ويسميها البعض الآخر ( قصة )( رسكاز بالروسية ) , ونحن نميل الى تسميتها ( قصة طويلة ) , اذ انها تقع في حوالي 30 صفحة بطبعتها الاولى , وفي كل الاحوال وبغض النظر عن كل هذه النقاشات والتباينات حول ( الراهب الاسود ), فانه لا يمكن بتاتا اعتبار هذه القصة نموذجا ساطعا لادب تشيخوف كما يراه العالم ويتقبله في الوقت الحاضر, اذ لا يمكن ان نجد هناك تلك الاجواء التشيخوفية ( ان صحّ التعبير ), التي اشتهرت في قصصه او مسرحياته بشكل عام , ولا نعرف السبب , الذي جعل المترجم الصيني هذا آنذاك ان يختار هذه القصة بالذات ويقدمها الى القارئ الصيني , الذي لم يكن يعرف عندها اصلا من هوهذا الكاتب الروسي تشيخوف , وربما يمكن توضيح ذلك السبب بالاجتهاد الشخصي لهذا المترجم واعجابه الذاتي ليس الا , اذ ان هذه القصة ذات طابع فلسفي , وتتداخل فيها عناصر الحقيقة مع الخيال , وتمتزج في صياغتها اجواء الرمزية مع الواقعية …
وهكذا ابتدأت مسيرة تشيخوف في الصين , وقطعت خمسة مراحل باكملها كما يشير الباحثون في هذا الموضوع كافة . ترتبط هذه المراحل طبعا بتاريخ الصين نفسه منذ بدايات القرن العشرين , مرورا بحركات التحرر من السيطرة اليابانية , ثم انتصار الثورة واعلان جمهورية الصين الشعبية (1949) ومسيرتها واحداثها المتنوعة ( لنتذكر فقط الثورة الثقافية وكتاب ماوتسي تونغ الاحمر , الذي طبعوا منه أكثر من 800 مليون نسخة !!!) , وصولا الى حركات الاصلاح الجذرية , والتي أدّت الى ان تشغل الصين الان هذا الموقع المتقدم عالميا وفي الميادين المختلفة كافة . كل هذه المراحل جعلت من تشيخوف في نهاية المطاف واحدا من أكثر الادباء الروس ( وليس فقط الروس ) انتشارا وشهرة بالصين في الوقت الحاضر , وترتبط هذه المراحل ( كما حدث ذلك في عالمنا العربي ) بلغات وسيطة عديدة قام المترجمون الصينيون بترجمة نتاجات تشيخوف عنها في بداية هذه المسيرة الطويلة , منها اليابانية والانكليزية , الى ان وصلوا بعدئذ الى لغة تشيخوف نفسها , اي الروسية , وأخذوا يترجمون نتاجاته الى اللغة الصينية عن الروسية مباشرة , ومن قبل المتخصصين الصينيين أنفسهم , الذين درسوا اللغة الروسية وآدابها ( في عقر دارها ! ) , وأبدعوا في دراستهم ( وقد شاهدتهم شخصيا اثناء دراستي هناك وأشهد على ذلك ) , ونتيجة لتفوقهم هذا , جاءت الثمار باهرة جدا في اغناء الحركة الادبية بالصين , وحصل تشيخوف على واحدة من (حصص الاسد!) في بستان هذه الثمار , اذ توجد الان المؤلفات الكاملة لتشيخوف باللغة الصينية في ( 27) مجلدا ( وهذا شئ لم يحدث حتى في اكثر الدول ازدهارا في العالم ولحد الان !!!), اضافة الى عشرات الكتب الصينية الاخرى لقصصه ومسرحياته , والتي صدرت قبل مجموعة المؤلفات الكاملة وبعدها ايضا , والى العديد من الكتب النقدية باللغة الصينية , التي كتبها المتخصصون الصينيون انفسهم , او التي ترجموها الى الصينية , وكلها تتناول دراسة ابداع تشيخوف وخصائصه الفنية.
لقد سألوا مرة فنانة صينية كانت تؤدي دورا في مسرحية ( بستان الكرز) لتشيخوف باحدى مسارح بكين – من هو تشيخوف بالنسبة لها ؟ فاجابت رأسا – انه المعلّم , الذي بقول لنا دائما – (… في الانسان كل شئ يجب ان يكون رائعا – والوجه , والملابس , والروح , والافكار… ) , ولهذا , فاننا نقول له دائما – شكرا يا انطون بافلوفيتش ….

 

أحدث المقالات