يكتنف تشكيل الرئاسات الثلاث ومن ثم تشكيل الحكومة في العراق حالة غامضة ويشوبها الشك من الناحية السياسية، وتزداد تعقيداً عندما تصل الى الكتل السياسية الممثلة داخل مجلس النواب اذ انها تخرج من السياق البرلماني والدستوري الى سياق الصفقات السياسية كتعبير عما يسموه باستحقاق هذا المكون او ذاك، وقد تدخل ايضا تحت عناوين ومسميات اخرى منها”حكومة وطنية” او “حكومة شاملة” او “حكومة الشراكة” تمثل كل العراقيين، وربما تلجا بعض الكتل المكوناتية الى مغازلة الخطابات الوطنية الشعبية الرافضة لاختيار الرئاسات الثلاث ومنها اختيار رئيس الحكومة، وهذا ما نسمعه هذا الايام من ان بعض الكتل التي تفكر بذهنية المكونات تقول انها سوف لا تصوت على منح الثقة في مجلس النواب انسجاما مع عد رفض ساحات الاعتصامات، والسبب الحقيقي ليس رغبتا في تحقيق مطالب المتظاهرين القاضي بتشكيل حكومة كفاءات وطنية وانما ترى ان ما يعرف بنصيبها من الحصص الوزارية غير كافي او لم يكن منها بالمعنى الحزبي المكوناتي، هذا التوظيف المكشوف لم يعد يجدي نفعاً مع رغبة الجمهور المعارض لسوء استخدام السلطة، بعد ان كانت الكتل السياسية تعول على توظيف الجمهور الطائفي والعرقي لاسيما وان هناك خط جماهيري جديد انطلق من بغداد العاصمة نفسها وصولا الى البصرة اقصى مدن جنوب العراقي، حيث رفضت جماهير هذه المدن أي صيغة قديمة او جديدة في العودة الى نظام المحاصصة وتقاسم السلطة والفساد الناجم عنهما، قد تعتقد الكتل المكوناتية السنية والكردية ان هذا الحراك يخص الجانب الشيعي من العراق في معارضة ورفض الكتل والاحزاب الشيعية لكن هذا الحراك وان استهداف الطبقة السياسية الشيعية فانه يعبر عن الخيار الوطني الذي قد يرفض في لحظة من الان أي تعبير وسلوك سياسي تريد ان تفرضه مرة اخرى الكتل السنية والكردية على تشكيل الحكومة المرتقبة في بغداد برئاسة المكلف محمد توفيق علاوي بعد ان شرعنت لنفسها في الحكومات السابقة شكل سياسي في الاستحواذ على المناصب الوزاري بدعاوى تمثيل المكون السني والكردي في قبال المكون الشيعي، من هنا فعلى القوى السياسية بكل مكوناتها لاسيما التي ترى نفسها انها بمأمن عن حركة الاحتجاجات الغاضبة ان تدرك ان المشهد السياسي اليوم بعد حركة احتجاجات تشرين الاول لم يعد مشهد ما بعد عام2003الى عام2018، وان المشهد الجديد دخل فيه عنصر الاحتجاجي الرافض لعودة السيناريوهات المحاصصتيه السابقة في أي شكل من الاشكال تدعمه قوى المرجعية الدينية في النجف وكربلاء، واذا كان تقدم خيار الوطنية والمواطناتية في الوسط والجنوب في رفض الفساد والمحاصصة فيهي ذاتها قد تكون متوافرة في المناطق الاخرى من العراق لكن الظروف والوقت قد يكونان غير مشجعان في نمو حركة الاحتجاجات لاسيما وان هذه المناطق لانها قد خرجت تواً من سيطرة حكم التنظيمات الارهابية او تحت سيطرة حكم الاحزاب العائلية الشمولية.
وعليه فان خيار الوطنية يتقدم في اجزاء كبيرة من العراق وقد يحدث تغييراً سياسياً كبيراً بعد ان نجح في تغيير بعض القوانين لاسيما قانون الانتخابات، وقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في قبال احزاب وكتل اخرى مستغلة سكوت الجمهور لدواعي المذكورة او رضا جزء منه في الاصرار على العودة مرة اخرى في فساد السلطة واستغلال وجودها للنفعية الحزبية الاوليغارشية في الحكومة القادمة وهذا ما يفسر رفضها التصويت لغاية الان على حكومة محمد توفيق علاوي الذي تشير التقارير الا انها ذات شخصيات مستقلة او من شخصيات تميل للخيار الوطني على الخيار الكتلوي والحزبي خاصة على مستوى تمثيل الكتل السياسية الشيعية، اما مراهنة القوى الرافضة للخيارات الوطنية في تشذيب النظام السياسي وترصين الديمقراطية على التهديد بالتقسيم او الخروج من العراق وان كانت خطرة وتهدد وحدة اراضي الشعب العراقي ومصيره المشرك في التعايش السلمي فانه هذه القوى ذاتها تدرك خطورة هذا الخيار بعد فشل الاستفتاء في اواخر عام2014 وتحديات المخاطر الاقليمية الرافضة لاسيما في ما يخص تركيا وايران في أي تحرك من قبل القوى الكردية في انفصال الاقليم، كما ان القوى السنية وان هددت هي الاخرى بعد للقاءات مع اطراف دولية تعمل وفق الحسابات الاقليمية وتوزان القوى في فرض النفوذ داخل العراق فانها هي الاخرى تدرك خطورة هذا الخيار لاسيما على المستوى الاقتصادي والجغرافي.
ومما تقدم نخلص الى ان خيار الوطني في هذه المرحلة ضرورة قصوى لابد ان تأخذ بها كل القوى الحزبية والمكوناتية، وان تتنازل عن مصالحها الشخصية في قبال مصلحة الوطن وابناءه، وخدمة بناء الدولة، ومعالجة مشاكلها، والنهوض بشعبها، وان التفكير باللغة المكونات تغرق البلد اكثر في مزيد من الفساد وفوضى شهوانية الاحزاب ولم يعد أي مسوغ للتخوفات الماضية القاضية بان السنة يخشون المستقبل ويريدون العودة الى الماضي، وان الشيعة يخشون الماضي، والكرد يخشون الماضي والمستقبل، على اعتبار ان الضمانة للتمثيل السياسي هي الديمقراطية وان هذه الديمقراطية تحتاج التي ترصين بعد التشويه الذي طرا عليه بعد التغيير، وان كل اشكالها قد حرفت ولعل ابرز الديمقراطية التوافقية التي عمل بها في العراق الجديد لكنها تحولت الى نسخة من نظام المحاصصة والفساد المسكوت عنه، وان الدستور النافذ مع كل الملاحظات المسجلة عليه والتي لابد ان تعدل وتعالج يعد الضامن الثاني اذا ما طبق بصورة فنية قانونية بعيدا عن التحيزات السياسية، والضامن الثالث يتمثل بتقدم الخيارات الوطنية الشعبية المواطناتية، مثلما اشرنا في أي تهديد قد تمثله الاحزاب والكتل الطوائفية المقابلة.